جلست وأصدقائي نتابع الحرب بين ( روسيا واكرانيا ) على شاشات التلفاز وكلٌ يدلو بدلوه في هذا الحدث الجلل الذي إن تطور بالتأكيد سيجلب الخراب والدمار على العالم بأسره من خلال حرب عالمية تقضي على الأخضر واليابس ، ولكننا تركنا التحليل العسكري إلى حين وانتبهنا جميعاً لأمر مهم وحوله دار نقاش أصدقائي ألا وهو مصير اللاجئين وكيفية التعامل معهم من خلال دول الجوار وقارن بعض أصدقائي بين مخيمات اللاجئين السوريين في الداخل السوري ودول الجوار وكيف أن البرد القارس قد أودى بحياة الكثير منهم في وجود صمت عربي وإسلامي نحو إخوانهم على الرغم من توافر جميع الروابط الدينية واللغوية وحتى الإنسانية.
وتحدث بعض الحضور عن هذه المروءة ( التي ورثوها من أجدادنا ) ليرتقوا بها في عالم الإنسانية ، وكيف أنهم استوعبوا ملايين البشر بكل ترحاب فلم نشاهد حتى الآن خيمة إيواء واحدة حتى لو كانت ( شبه إنسانية ) بل قامت الشعوب قبل الحكومات بحسن الاستقبال وتنازلوا عن مساكنهم للوافدين في وقت فيه من البرودة ما فيه بسبب الطقس الاستثنائي بكل ما تعني الكلمة ، رأينا دور دول الجوار وهي تعمل ليل نهار على حسن استيعاب الملايين بشكل سلس وفيه من الرقي ما فيه.
قلت لأصدقائي ( على رسلكم جميعاً ) فلقد نسيتم ( مصر ) وما صنعت عبر التاريخ ، فمصر يا سادة لم تتخل عن دورها الذي حباها الله به عبر التاريخ القديم والحديث ، فعسكرياً كانت مصر صمام أمان للأمة العربية عبر التاريخ الإسلامي ( وولايتها كانت تعادل الخلافة ) فكانت مصر كنانة الله في أرضه ولم لا ؟ وقد تصدت منفردة للتتر والمغول الذين كادوا أن يقضوا على تلك الأمة لولا مصر ، ثم من بعد ذلك كان الصليبيون الذين دنسوا ثالث الحرمين وأولى القبلتين ومسرى رسولنا الكريم، وتبع ذلك بالطبع حرب الكرامة في السادس من اكتوبر واستعادة الأرض هذا على المستوى العسكري الذي بدأتم به نقاشكم.
أما على الجانب الإنساني فقد كانت مصر ولا زالت ( أم الدنيا ) بكل ما تعني الكلمة فلم توصد أبوابها في وجه من جاءها مهاجراً بداية من ( آل بيت النبوة ) إلى جميع الأخوة والأصدقاء عبر العصور ومعنى كلمة أم الدنيا هنا أنه ما جاءها أحد إلا وجد ترحابها وعاش فيها كأنها وطنه الأصلي بل آثر الكثير المُقام بها وترك وطنه الأصلي لارتباطه بطيب أهلها وطيب مناخها ، فعلى سبيل المثال أن مصر سبقت هذا العالم المتحضر الذي تتشدقون بإنسانيته عندما احتوت الأخوة السوريين وكانوا بالملايين فعاملتهم كأنهم مصريين في كل شيء فلم نرى في مصر مخيمات لاجئين بل أصبحوا من مزيج هذا الشعب فأقاموا المشروعات وتملكوا العقارات وأصبحوا جزء أصيل من هذا الشعب ، وغيرهم الكثير والكثير من إفريقيا التي اعتادت على الانقلابات فأصبحت الجاليات الأفريقية تستوطن القطر المصري في تعايش طيب مع شعب إعتاد على الطيب، ولا ننسى بالطبع حركات التحرر التي قادتها مصر عقب ثورة يوليو 1952 وما تبع تلك ذلك من توافد الأحرار من بلاد شتى وخاصة إفريقيا، وحتى الحرب الحالية التي نتحدث عنها ستجد هناك الكثير من ( الأكران ) و ( الروس ) الذين أتوا فارين من ويلات الحرب لإحساسهم بالأمان في مصر.
لقد كانت مصر وما زالت تقوم بدورها الأخلاقي والإنساني بل والديني ولم يسبقها أحد لهذا الفعل فقد فعلت ذلك رغم ما كانت تمر به من أزمات اقتصادية وأمنية عبر التاريخ أما ما يفعله الغرب الآن وعلى الرغم من جودته إلا أنه من خلال دعم دولي للدول التي تستقبل المهجرين أما مصر ففعلت ذلك دون مساعدة أحد.
دمتم بخير وعافية..