قال الكاتب والمفكر حسن إسميك، إن ما يسود في منطقتنا العربية من فوضى ومشكلات، يعود بعضها لأسباب داخلية، ومعظمها لدسائس ومؤامرات أطراف إقليمية لا تريد للدول العربية أن تنعم باستقلالها السيادي واستقرارها المجتمعي، مشيرا إلى آفة المخدرات (القديمة الجديدة) تطلُّ كواحدة من الأدوات التي تركز عليها هذه الأطراف لفرض المزيد من سيطرتها ونشر المزيد من الفوضى تحاول فرضها.
أضاف: ومع أنه لا يكاد يخلو مجتمع من هذه الآفة إلا أن الاحتراسات التي عادة ما تقوم بها الدول لمكافحتها، تهريباً وتعاطياً، تجعل المشكلة في مستويات منخفضة نسبياً، الأمر الذي يسمح بقدر كبير من ضبطها والحد من انتشارها. غير أن ما تعاني منه البلاد العربية في هذا الصدد أكبر من ذلك بكثير، فالسلطات فيها لا تواجه المروجين والمهربين من الأفراد الطامحين للثراء السريع، ولا من العصابات والمنظمات التي عادة ما يسهل الإيقاع بها بعد فترة من المراقبة والمتابعة، بل تواجه دولة بمؤسساتها وأذرعها وأسلحتها، تتعمد إغراق المجتمعات بكميات كبيرة ومتواصلة من المواد المخدرة، وتضع لذلك خططاً محكمة وطويلة المدى، ولا يقتصر هدفها على الربح المادي، إذ يبقى هدفها الأول إنهاك الدول وتدمير مجتمعاتها اقتصادياً وصحياً ونفسياً بالتركيز على الإضرار بأهم مصادر قوة هذه المجتمعات، فئة الشباب تحديداً.
وأكد إسميك، أنه أمام سيل تيار الموت الجارف "آفة المخدرات"، تعاني بعض الدول أكثر من بعضها الآخر في مواجهته، فإلى جانب عمل الدول وحكوماتها لحماية شبابها من مشكلات الإدمان والتعاطي، ثمة مهمة أكبر وأصعب وأكثر تكلفة عندما تكون هذه الدول معابر للتهريب لدول أخرى، وقد يبدو هذا الحال أخف في ظاهره من انتشار الإدمان والتعاطي، إلا أنه في العمق أخطر وأشد وبالاً.
تابع: إذ غالباً ما يلجأ المهربون للعبور من خلال دول "رخوة" لا تستطيع حماية حدودها، ولا فرض سلطتها على كافة أراضيها، ومع تزايد نشاط المنظمات الإجرامية على هذه الأراضي، يتهدد السلم المجتمعي لهذه الدول، وينتشر الفساد في مؤسساتها الأمنية والقضائية، وينحرف اقتصادها عن المسار التنموي الصحيح نحو مسارات استهلاكية تستنزف مصادر الدولة في مكافحة الجريمة ومواجهة مشكلات غسيل الأموال وهدر القوى العاملة والإثراء السريع لدى فئات غير مسؤولة، ناهيك عن ما هو أخطر من ذلك، كتجنيد الجواسيس والمجرمين المأجورين والمرتزقة الذين يسهلون أعمال هذه المنظمات الإجرامية ويزيلون العقبات أمام أنشطتها.
وضرب إسميك، بالعراق مثالاً، حيث أشار إلى أنه يعاني من كل هذه الآفات مجتمعة، وقد زاد في تفاقم آثارها وتعقد نتائجها غياب الاستقرار السياسي على صعيد مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، بالإضافة لضعف التماسك الوطني بين فئات المجتمع وانتشار ثقافة العصبية المذهبية والطائفية والعشائرية.
ولفت إلى أن العراق أصبح ساحة مفتوحة لأنشطة هذه المنظمات والعصابات، ومعبر نشط أمام مهرباتها، وإذا ما سألت أحد العراقيين عن مصادر تمويل تلك الشبكات وتنظيمها، فإنه غالباً ما سيحرك يده باختصار وخفية نحو الشرق، هناك حيث تمثلّ إيران مصدر معظم المهرّبات والبيئة الحاضنة لمديري ومخططي عملياتها.
وبعيداً عن التهم الجاهزة لدى أصحابها بالتحيّز والتحامل، والتي سرعان ما يلجأون إليها للرد المجاني على هذه الحقائق، تكفي نظرة سريعة على جداول مؤشر الجريمة المنظمة، وهو جدول عالمي نشره بالعربية مركز البيان وللدراسات والتخطيط، وهو مركز عراقي، لنجد أن إيران احتلت المركز السادس عالمياً، والثاني آسيويا بعد ميانمار في ترتيب الدول بحسب انتشار الجريمة المنظمة فيها، أما العراق فقد جاء في المركز الثامن مباشرة (والأول عربياً بطبيعة الحال)، لتفصل أفغانستان بينه وبين الجارة اللدود.
تابع: ثم جاءت سوريا ولبنان في المركزين الرابع عشر والخامس عشر على التوالي، وليبيا في المركز العشرين، واليمن في المركز التاسع والثلاثين، حيث لا يسمح له موقعه الجغرافي وجواره الإقليمي أن يكون منطقة عبور لأنشطة الجريمة.