أطلق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واستيلاء حركة طالبان على السلطة، أجراس الإنذار بين حلفاء واشنطن والتشكيك حول مدى استعدادها للوفاء بالتزاماتها، خاصة أوكرانيا التي تنظر إلى الولايات المتحدة كحليف رئيسي في حربها غير المعلنة التي استمرت سبع سنوات مع روسيا، وذلك بعد تصريحات” نيكولاي باتروشيف” سكرتير مجلس الأمن الروسي، الذي شكك في التزام واشنطن تجاه أوكرانيا في ضوء خروجها السريع من أفغانستان، وتوقعه بأنها ستتخلى عن حلفائها الأوكرانيين بطريقة مماثلة، وهذا يجعل من الضروري أن يستغل الرئيس جو بايدن اجتماعه المرتقب في الـ 30 من أغسطس الجاري مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للتأكيد على التزام الولايات المتحدة بشكل كبير بأمن أوكرانيا وتطلعاتها الأوروبية الأطلسية.
وفي هذا الصدد نشر مركز "رع" للدراسات الاستراتيجية، تقريرًا للباحثة سلمى العليمي، بعنوان "فولوديمير زيلينسكي" يبحث عن تطمينات "بايدن" ناقش- أبرز التحركات الأمريكية لتطمين أوكرانيا باستمرار الالتزام الأمريكي، كيف يستهدف فلاديمير زيلينسكي توظيف زيارته إلى البيت الأبيض من أجل تنشيط العلاقات مع واشنطن، وما هي الخطوات المستقبلية التي على واشنطن انتهاجها من أجل تأكيد التزامها بأمن أوكرانيا في مواجهة التوسعات العسكرية الروسية.
دعم أمريكي صريح:
أظهرت إدارة جو بايدن منذ تسلمها السلطة دعمها المستمر والصريح إلى أوكرانيا في مواجهة عدوان روسيا، وذلك بالنظر إلى تمتع بايدن بمعرفة وثيقة بالشؤون الأوكرانية، حيث قضى سنوات عديدة مسئولا عن حقيبة أوكرانيا في إدارة أوباما، ويمكن التطرق إلى أدوات الدعم الأمريكي على النحو التالي: –
(١) زيارة وزير الخارجية الأمريكي” أنتوني بلينكن إلى كييف”: في الـ 6 من مايو 2021، التقى وزير الخارجية الأمريكية “بلينكن” كبار المسؤولين الأوكرانيين بما في ذلك الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ورئيس الوزراء دينيس شميهال، ووزير الخارجية دميترو كوليبا، للتأكيد على دعم الولايات المتحدة الثابت لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها في مواجهة عدوان روسيا المستمر، حيث جاء ظهور بلينكين في العاصمة الأوكرانية بعد أسابيع من التوترات المتصاعدة بسبب التعزيزات العسكرية الروسية الكبيرة على طول الحدود الأوكرانية، وذلك من أجل بعث رسالة لتثبيط أي آمال عالقة داخل موسكو بأن الولايات المتحدة قد تكون مستعدة لتقليص دعمها لأوكرانيا.
(٢) بيان حافل من البيت الأبيض حول زيارة الرئيس الأوكراني إلى واشنطن: صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض” جين بساكي”، في ال 21 من يوليو 2021، أي قبل شهر من الزيارة، بأن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” يتطلع إلى الترحيب بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض في 30 أغسطس 2021، حيث تهدف الزيارة إلى إعادة تأكيد دعم الولايات المتحدة الثابت لسيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية في مواجهة العدوان الروسي المستمر في دونباس وشبه جزيرة القرم ، والتأكيد أيضاً على التعاون الوثيق بين البلدين في مجال أمن الطاقة ، ودعم جهود الرئيس زيلينسكي لمعالجة الفساد وتنفيذ أجندة إصلاحية تستند على القيم الديمقراطية المشتركة.
(٣) استمرار المساعدات الأمريكية: منذ عام 2014، قدمت الولايات المتحدة لأوكرانيا أكثر من 4.6 مليار دولار من المساعدات الإجمالية، بما في ذلك المساعدة الأمنية وغير الأمنية، بالإضافة إلى توفير ثلاثة ضمانات قروض سيادية بقيمة مليار دولار، والمساهمة بأكثر من 306 مليون دولار للوكالات الإنسانية لدعم مساعدة الأشخاص النازحين أو المتأثرين بشكل آخر بالأعمال العدوانية الروسية في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، إلى جانب ذلك قدمت الولايات المتحدة أكثر من 49 مليون دولار من المساعدات المتعلقة بـ COVID ، بما في ذلك التمويل الموجه نحو الاحتياجات الصحية والإنسانية.
فرصة أمام زيلينسكي لتنشيط العلاقة مع الولايات المتحدة:
يمكن أن تمثل رحلة الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى واشنطن نجاحًا له ولمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، لكن من أجل تحقيق ذلك سيحتاج إلى طرح رؤية جديدة تتماشى مع التطورات الراهنة، من خلال التحرك على عدد من المسارات على النحو التالي:
(١) تغيير اللهجة الحادة إزاء الانضمام إلى عضوية حلف الناتو: يطالب الرئيس الأوكراني ” زيلينسكي” الناتو على تسريع دخول أوكرانيا للحلف من خلال ما يسمى ” خطة عمل العضوية”، والحصول على إجابة واضحة بنعم أو لا من الرئيس جو بايدن بشأن إعطاء أوكرانيا هذه الخطة، لكن حتى الان لا يزال أعضاء الناتو مترددين في قبول أوكرانيا كعضو، بسبب التخوف على مسار العضوية في حالة التصعيد من قبل روسيا، وبالتالي يمكن للرئيس الأوكراني البحث عن لهجة أكثر تعاونية خلال الفترة القادمة، من خلال طلب مناقشة مكثفة ومتواصلة حول الخطوات العملية التي يجب أن تتخذها كييف تضمن لها التقدم نحو العضوية والحصول عليها.
(٢) تعزيز أمن الطاقة في أوكرانيا من خلال الابتعاد عن آلية فرض العقوبات: على الرغم من أن أوكرانيا تعتبر الخاسر الأكبر المحتمل عندما يبدأ تشغيل نورد ستريم 2، لكن لا ينبغي على زيلينسكي أن يحث على معاقبة الشركات الأوروبية لمنع خط الأنابيب، لان ذلك من شأنه المخاطرة بتصعيد الخلاف بين واشنطن وبرلين وبروكسل، وبالتالي تقويض وحدة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن دعم أوكرانيا والعقوبات ضد روسيا، بل على العكس من ذلك يجب عليه أن يسأل كيف تنوي واشنطن بالعمل مع برلين ، البناء بالتفصيل على البيان الأمريكي الألماني الصادر في يوليو بشأن دعم أوكرانيا وأمن الطاقة في أوروبا وأهداف المناخ ، والتأكد من أن روسيا لن تستخدم خط الأنابيب ضد كييف، كما يمكنه أن يقترح مواصلة النقاش الذي بدأ في 23 أغسطس من قبل وزراء الطاقة الأوكرانيين والألمان والأمريكيين حول خطوات تعزيز أمن الطاقة في أوكرانيا.
(٣) إشراك الدبلوماسية الأمريكية في تسوية صراع دونباس: أعرب الكثيرون في كييف عن إحباطهم من عدم إحراز تقدم نحو تسوية صراع دونباس في “صيغة نورماندي” التي يقودها الألمان والفرنسيون، بل إن البعض اقترح البحث عن صيغًا بديلة، لكن بالتزامن مع ذلك لا تريد واشنطن أن تحل محل برلين وباريس، بينما من ناحية أخرى من مصلحة كييف المحافظة على مشاركة أعضاء الاتحاد الأوروبي الرئيسيين، وبالتالي يمكن أن يحاول زيلينسكي الضغط على بايدن من أجل إشراك الدبلوماسية الأمريكية بقوة أكبر من خلال طرح صيغة تفاوضية جديدة تكون الولايات المتحدة طرفاً أساسياً لدعم الجهود الفرنسية و الألمانية دون استبدالهم.
(٤) التأكيد على أجندة الإصلاح الأوكرانية: يجب على زيلينسكي بعث رسالة مقنعة وذات مصداقية عن التزامه بالإصلاح مصحوبة بآليات محددة والتي ستسمح للاقتصاد الأوكراني بتسريع النمو وتحقيق كامل إمكاناته، بما في ذلك تشجيع المنافسة المفتوحة، وتعزيز سيادة القانون، والتصدي للفساد.
خلاصة القول، على الرغم من أن علاقة أوكرانيا بأمريكا بعيدة كل البعد عن المستويات العالية من التبعية التي ميزت تورط الولايات المتحدة في أفغانستان، إلا أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ساهم في زيادة القلق بين حلفاء واشنطن بشكل عام ، لاسيما في إطار سياسة بايدن المتمثلة في تنشيط وإحياء شراكات واشنطن في جميع أنحاء العالم، و داخل أوكرانيا بشكل خاص وذلك في ضوء القرار الأمريكي الأخير بتخفيف ضغط العقوبات على خط أنابيب نورد ستريم 2 الروسي عندما انتهج بايدن أواخر مايو الماضي موقف أمريكي أكثر مرونة كجزء من الجهود لإعادة بناء العلاقات مع ألمانيا الشريك الأساسي في خط الأنابيب الروسي، حيث تسببت هذه الخطوة في استياء كبير في كييف وأثارت تساؤلات حول مكانة أوكرانيا الحالية في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية وذلك بالنظر إلى عاملين، الأول يتمثل في انه كان يُنظر إلى مشروع البنية التحتية للطاقة هذا على أنه سلاح جيوسياسي يستهدف أوكرانيا بشكل أساسي، بينما العامل الثاني يتمثل في التصعيد الروسي حيث أصبحت روسيا تهدد أوكرانيا حاليًا من الشمال والشرق والجنوب، فالجبهة الجنوبية معرضة للخطر بشكل خاص، بالنظر إلى مئات الكيلومترات من الساحل التي يجب أن تدافع عنها أوكرانيا في خضم التركيز الكبير للقوة العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم وتعزيز الكرملين قوتها البحرية في منطقة البحر الأسود المحيطة مع إضافة السفن المنقولة من الأساطيل الروسية لبحر قزوين وبحر البلطيق والشمال، كما تواصل السيطرة على ما يسمى بالجمهوريتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، بينما على طول الحدود الشمالية لأوكرانيا تعمل روسيا حاليًا على تعزيز وجودها العسكري في بيلاروسيا.
الأمر الذي يفرض على إدارة بايدن خلال الفترة القادمة اتخاذ إجراءات إضافية تؤكد التزامها بأمن أوكرانيا ضد روسيا، والتي يجب أن تشمل توفير معدات دفاعية إضافية ضرورية لردع العدوان الروسي مثل القدرات المضادة للدروع والدفاع الجوي وصواريخ كروز المضادة للسفن وطائرات الاستطلاع بدون طيار، إلى جانب ذلك يجب أن تلتزم الولايات المتحدة أيضًا بتوسيع وجود القوات البحرية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود ، ودمج أوكرانيا في برنامج موسع لتدريبات الناتو في المنطقة، كما يجب على الولايات المتحدة أن تعلن أنها ستزيد من النشر الدوري للقوات الجوية والبرية الأمريكية في القواعد الأوكرانية ونطاقات التدريب وأنها ستشجع الحلفاء الآخرين على اتخاذ خطوات مماثلة لتأكيد التزام الناتو بأمن أوكرانيا.