كتب: عبدالعزيز محسنمنذ سنوات جمعتنى لقاءات متعددة بصديق.. ذهبت بنا دفة الحوار كثيراً إلى واقع العمل الإداري داخل الجامعات وحلم الترقى والاستقرار المادي.
كان ما يَلغَز على صديقى.. وما كان يعبر عنه دائماً بأن ما يحيره فى شأن العاملين الإداريين بالجامعات.. أنهم باتو وكأنهم فئة شحبت..
قلت لصديقى.. هم يريدون لمنطق العاملين بالجامعات أن يتجزأ ولقدرتهم على الفهم والاستيعاب أن تؤمر فتأتمر.. فإذا رأى الموظف ما يثير القلق فعليه أن يبتلع قلقه.. وإذا تحركت مشاعر الخوف من غموض يخلقه غياب شفافية أو تضارب ساذج فى طرح الحقائق فعليه أن يقمع خوفه.. وإذا شعر بالإهانة والنفور من بعض ممن يقومون على الإدارة الجامعية فعليه أن يحمل نفسه حملًا على السعادة بتلك الإهانة، وإلا صار خائنا مُرجِفًا!
ياصديقي .. التوهم بأن استقامة الإدارة يكون في تنميط الأفكار والرؤى- أو في احتكار الحل والعقد في فئة بعينها - هو في حقيقته تكريس للاعوجاج والفوضى.. وأى جهد يُبذل في وجهة التنميط والقولبة هو محض عبث وحرث في بحر.. والأولى هو معرفة كيف نقر اختلافاتنا ونديرها حتى نتكامل بها !
ياصديقي .. أهم شىء فى الكوميديا هو التوقيت.. فبه تفسد السخرية أو تستقيم.. ولكن التوقيت فى شأن الإدارة أهم.. فبه يكون إما الجد وإما الهزل..!
أقول هذا الكلام ونحن نرى شخوص في مواقع الإدارة يحارب بعضهم بعضًا بالوكالة، وأحيانًا بوكلاء عن وكلاء.. ونحن نشاهد وندّعى الدهشة حيال ذلك، ولا يقتضى ذلك أى دهشة، لأننا نعرف أنه قد زُرِعَ ورُوِىَ ونحن فى فراغ الرؤية والإرادة الاستراتيجية بالجامعات لعقود.. ولم نَزَل.
الإيمان بنضج العاملين بالجامعات هو الرهان الرابح، مهما بدا طريقه موحشًا وبداياته أكثر كلفة ويجانبها الاستقرار.
فحين تحسم معايير القيادة والترقى بمفهوم «الأهلية» ، وشرعية التفاوت بين أبناء الجامعات في مواطئ الإدارة والقيادة، على «قاعدة كفاءة منطقها عدل الإتاحة» ، لا الاحتكام إلى التغلب وقانون قوة بمقولة المماليك الشهيرة «السلطة لمن غلب»..!
أخيرًا، بعيدًا عن المِثالية المفرطة أو توهم ما ليس في البشر من كمال، باتت الخطوة الأولى هو أن نجتهد لنعرف كيف نخلق مجالًا للحوار العام به حد أدنى من مقومات إثمار وقدرة على الخروج بالجامعات من عمق الأزمة إلى مشارف طريق.