أصبحت العاصمة القطرية "الدوحة" محط أنظار العالم وكافة الخبراء والمحللين على إثر دورها النشط في مسألة الوساطة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان لتنفيذ خطة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. إذ احتضنت "الدوحة" أغلب الاجتماعات والمشاورات والمباحثات التي تم على أساسها توقيع الاتفاق الأمريكي مع الحركة.
وفي هذا الصدد نشر مركز "رع" للدراسات الاستراتيجية، تحليل للباحثة شيماء حسن علي، لإلقاء الضوء على العلاقات القطرية وملامحه في إتمام سلاسة الانسحاب الأمريكي من الأراضي الأفغانية، وحدود التحركات القطرية في إتمام العملية ووصول طالبان للسلطة؟.
العلاقات القطرية-الطالبانية:
وفقاً لدستور دولة قطر الصادر في ديسمبر 2005 فالشريعة الإسلامية مصدر رئيسي لتشريعاتها، ويحدد الدستور القطري رسمياً نوعية السياسة الخارجية للدولة القطرية التي تقوم على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين، عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وبمراجعة مواقف الدوحة يمكن استنباط نوع الفصائل التي اختارتها السياسة القطرية لدعمها وبالطبع، هو فصيل الإسلام الحركي السياسي بأنواعه المختلفة، وذلك ما تسبب في نقطة خلافية كبيرة بينها وبين أشقائها العرب، كادت أن تشق الصف العربي. وهنا تجدر الإشارة أن فترة التأزم الرباعي العربي انتهت بعقد اتفاق قمة العلا 2021، ومن ثم استعادة العلاقات مرة أخرى.
ووفقاً للسياسة الخارجية القطرية، فقد استطاعت الدوحة أن تنسج علاقات متشابكة ومتينة مع كافة حركات الإسلام السياسي بشقيها(السني/الشيعي) مستغله حالة الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة بعد موجات التغيير السياسي في2011 ، فابتداءاً بالإخوان المسلمون -الجماعة الأم لكافة الحركات الإسلامية – وانتهاءاً بتنظيمي "القاعدة"و"داعش" وكذلك "حزب الله"، كانت الدوحة الداعم الأول، وبالطبع كانت حركة طالبان من أوائل الحركات التي دعمتها الدوحة.
وعلى الرغم من عدم تأسيس قطر علاقات دبلوماسية مع الحراك خلال فترة حكمها الأولي 1996 -2001 إلا أنها حافظت على علاقات ثابتة مع الحركة، وحينما قررت واشنطن الانسحاب من حرب مكلفة لم تنتصر فيها، افتتحت الدوحة مكتبها السياسي في 18يونيو 2013، حيث أعلنت الخارجية القطرية في ذلك التوقيت افتتاح (المكتب السياسي لطالبان أفغانستان) الذي كان الهدف منه وفقاً لمقربين من الطرفين، هو عقد جلسات للحوار الوطني بين الفرقاء الأفغان والولايات المتحدة ودول أخرى، وبالطبع فقد استطاعت "الدوحة" أن تجمع بين النقيضين قاعدة العديد أكبر القواعد العسكرية الأمريكية والمكتب السياسي لحركة طالبان التي تعتبرها واشنطن منظمة إرهابية ربما قبل تدبير عملية الانسحاب والتسليم، وبدورها أعلنت واشنطن أنها ستجري أولى المباحثات الرسمية مع الحركة بمكتبها بالدوحة، وهو ما توافق مع رغبة الإدارة الأمريكية بقيادة أوباما مع الانسحاب من أفغانستان وتقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.
ماذا تفعل قطر حالياً؟:
وللقيام بدور الوساطة فقد استحدثت الدوحة وظيفة المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري للإرهاب في الحوار الأفغاني "ماجد القحطاني"، كما عينت إدارة ترامب "زلماي خليل زادة" في 2018 مبعوثاً أمريكيا لهذا الغرض، حيث استقبلته الدوحة وأفردت له المؤتمرات والندوات للترويج لاتفاق السلام الأمريكي الطالباني الأفغاني، وعقد الجلسات المغلقة بين الطرفين والتي وصلت إلى حد 10 جلسات.
وعلى الرغم من موقف الحكومة الأفغانية الرافض لتلك المفاوضات، فقد انطلقت تلك المفاوضات بين الولايات المتحدة وأعضاء حركة طالبان في الدوحة خلال فترة دونالد ترامب والتي بموجبها تم توقيع اتفاق السلام في مارس 2020، وعلى الرغم من قيام أيمن الظواهري مبايعة زعيم طالبان "هبة الله زادة" إلا أن واشنطن استكملت اتفاقها مع الحركة.
وفعلياً، أسفرت المفاوضات المبدئية بين الجانبين عن الإفراج المتبادل عن المعتقلين لدي الطرفين، حيث ضغطت الولايات المتحدة على الحكومة الأفغانية بالإفراج عن 5000 من أعضاء الحركة في مقابل إفراج الحركة عن 1000 من العناصر المطلوبة أمريكيا، هذا فضلاً عن رفع العقوبات الأمريكية على الحركة.
كما أنه لا يمكن أن نغفل الدور القطري في الإفراج عن أبرز قيادات الحركة، التي اضطلعت بدور هام في المفاوضات مع الجانب الأمريكي والحكومة الأفغانية فيما بعد، وهو "عبد الغني باردار" رئيس المكتب السياسي للحركة بالدوحة، والذي تم اعتقاله في 8 فبراير2010 في باكستان، وبفضل الوساطة القطرية والضغط الأمريكي على إسلام أباد تم الإفراج عنه في 25 أكتوبر 2018.
ويعد "باردار" الشريك المؤسس ونائب رئيس الحركة، وهو من قاد المحادثات مع الجانب الأمريكي والحكومة الأفغانية بالدوحة، كما أنه "قلب الدين حكمتيار" زعيم الحزب الإسلامي الموالي لطالبان اجتمع بكل من "حميد كرزاي " رئيس أفغانستان السابق، و"عبد الله عبد الله" رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالدوحة في إطار الترتيبات الخاصة بالمصالحة الوطنية، وعليه يمكن القول، أن الدوحة قد أصبحت الملاذ الآمن لأغلب قيادات الحركة خارج أفغانستان.
وخلال إدارة الرئيس جوبايدن، والذي تعهد بالجلاء من أفغانستان، فقد جاء الدور القطري فاعلاً من خلال تسهيل التنسيق العسكري والاستخباراتي، وهو ما اكدد عليه القائم بأعمال السفير الأمريكي "ويلسن "، حيث قال أن "معظم دبلوماسيتنا مع طالبان تتم عبر القنوات العسكرية ومكتب طالبان بالدوحة "خاصة أثناء عمليات إجلاء الأجانب وقوات التحالف من أفغانستان"، بل يمكن القول وفقا للمراقبين أن الدور القطري امتد ليشمل المساهمة الفعلية في عمليات إجلاء الأمريكيين والأفغان المتعاونين مع الولايات المتحدة والراغبين في مغادرة أفغانستان، حيث استقبلت الدوحة حوالي 8000 أفغاني داخل القاعدة الأمريكية بها.
كما أنه حينما تعقدت الأوضاع بمطار كابل وسادت الفوضى وطالب رئيس وزراء بريطانيا بضرورة تمديد مهام القوات الأمريكية لما بعد نهاية الشهر أغسطس الحالي -وهو الوضع الذي رفضته حركة طالبان -فقد نظمت الدوحة لقاءات بين "وليام بيرنز"، رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية مع القيادي بحركة طالبان بكابل، وقد أعلن "بلينكن"، وزير الخارجية الأمريكي أن الولايات المتحدة، سوف تنظر لأفعال طالبان وليس لأقوالها، كما أعلن أنه لا يوجد نية لدى بلاده لتمديد مهام بلادة بعد المدة المحددة.
هذا بالإضافة إلى أن المساندة القطرية للحركة طالت الجانب الإعلامي، من خلال تواجد شبكة قنوات الجزيرة الإخبارية، والتي تمتلك قاعدة مراسلين في تقريباً في كافة مناطق أفغانستان، هذا فضلاً عن أن مراسل تليفزيون الجزيرة، هو الوحيد الذي تواجد ببث مباشر عند دخول قيادي طالبان للقصر الرئاسي في مشهد لم تألفه الشاشات العربية والعالمية من قبل، وهنا يمكن الإشارة والقول معاً إن شبكة الجزيرة الإخبارية تعمل بمثابة الجهاز الإعلامي للحركة إذ أنها أول وأسرع الشبكات الإخبارية التي تنقل عن الحركة كافة تحركاتها وبياناتها.
في النهاية يمكن القول، إن قطر كانت وما تزال فاعل رئيسي إدارة عملية وصول طالبان للسلطة حتى لو بطريقة غير مباشرة، حيث أنها وفقاً للمراقبين اضطلعت بدور فاعل في تنسيق تحركات قادة حركة طالبان، ففي 17 أغسطس الجاري أعلن مصدر مسئول بالحركة انتقال الملا "برادار" إلي قندهار الأفغانية، وكانت عملية الانتقال قد تمت بعد الاجتماع مع وزير الخارجية القطرية والتأكيد على حماية المدنيين، وتكثيف الجهود اللازمة لتحقيق المصالحة الوطنية، والعمل على تسوية سياسية شاملة، وانتقال سلمي للسلطة، مع أهمية المحافظة على المكتسبات التي حققها الشعب الأفغاني"، وهو ما يمكن أن نستخلص منه ملامح الدور القطري المستقبلي في الملف الأفغاني إذ أنها بهذا التصريح تحدد المسار الذي تفضله الدوحة والخط السياسي للحركة في المرحلة المقبلة، خاصة مع تعقد الأوضاع وهروب الرئيس "اشرف غني" وانهيار الجيش وسيطرة طالبان على المدن الأفغانية الواحدة تلو الأخرى، وهو ما يرجح أن يرسم صورة قاتمة لما يمكن أن تؤول له الأوضاع في المستقبل القريب.