قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: "إن مقام النبي مقام كبير يحتاج منا أن نقف إعزازًا وتوقيرًا وتبجيلًا له صلى الله عليه وآله وسلم"؛ وقد كتب بعض العلماء سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يزيد عن 16 مجلدًا، وأوجزها القاضي عياض المالكي رحمه الله في كتابه "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"، وفيما قاله القاضي عياض شفاء للصدور، حيث أثبت في الكتاب أجمل الصفات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال إنه بلغ الكمال في كل صفة بشرية، وضرب لذلك أمثلة كثيرة".
جاء ذلك خلال لقاء فضيلته الرمضاني اليومي في برنامج "كُتب عليكم الصيام" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، اليوم، مضيفًا فضيلته أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في رمضان كان جوادًا يفيض بالكرم كأنه الريح المرسلة، ينفق نفقةَ مَن لا يخشى الفقر، وكان يفطر الصائم، ويرغب في بذلك بقوله: ((من فطَّر صائمًا كان له من الأجر مثل أجره ولا ينقص من أجر الصائم شيئًا)).
وأوضح مفتي الجمهورية أن من طرق التكافل الاجتماعي في رمضان زكاةَ الفطر، التي فرضها الله على كل من مَلَكَ قُوتَ يومه وليلته، حتى يُعَوِّدَنا على التكافل والنظر إلى مَنْ هم حولنا من المحتاجين فَنَسُدُّ حاجتهم قبل العيد، فزكاة الفطر عبادة من العبادات، وقربة من القربات العظيمات؛ لارتباطها بالصوم الذي أضافه الله إلى نفسه إضافةَ تشريفٍ وتعظيمٍ: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)).
ولفت فضيلته النظر إلى أن الله -سبحانه وتعالى- شرع زكاة الفطر على كل مسلم ذكرًا كان أو أنثى، حرًّا كان أو عبدًا، وسواء كان من أهل المدن أو القرى، أو البوادي، وقد فُرضت على كلِّ مَن يجد قوتَ يومِه حتى ولو كان فقيرًا، فقد جعلها الله تطهيرًا للنفس من أدرانها من الشُّح وغيره من الأخلاق الرديئة، وتطهيرًا للصيام مما قد يؤثر فيه وينقص ثوابه من اللغو والرفث ونحوهما، وتكميلًا للأجر وتنميةً للعمل الصالح، ومواساةً للمحتاجين والمساكين، وإغناءً لهم من ذل الحاجة والسؤال يوم العيد، كما أن فيها إظهارَ شكر نعمة الله تعالى على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وما يسر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة، فضلًا عن إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم.
وأردف فضيلة المفتي: وكذلك يجوز تعجيل زكاة الفطر من أول يوم في رمضان، وكذا تعجيل زكاة المال ولو لمدة عامين مقبليْن، فضلًا عن توجيه النفقات والمبالغ المالية التي رصدت للولائم الاجتماعية وموائد الرحمن إلى مواساة الفقراء وأصحاب الحاجات ومساعدة المرضى ووجوه البر المتنوعة، بل ذلك أولى في ظل الأزمة الراهنة، تعرضًا لنفحات الله تعالى المبثوثة في مواسم الخيرات، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى خطبه موضحًا سمات هذا الشهر: «مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ، كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً، كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ» "صحيح ابن خزيمة".
وأضاف فضيلته: والذي نختاره للفتوى في هذا العصر، ونراه أوفقَ لمقاصد الشرع، وأرفقَ بمصالح الخلق، هو جوازُ إخراجِ زكاة الفطر مالًا مطلقًا، وهذا هو مذهب الحنفية، كما سبق، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات، والنذر، والخراج، وغيرها، كما أنه مذهب جماعة من التابعين، وفي زكاة الفطر يخرج الإنسان عن نفسه وزوجته -وإن كان لها مال- وأولاده ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها، فإن كان ولده غنيًّا لم يجب عليه أن يخرج عنه.
وأوضح مفتي الجمهورية أن تقدير قيمة زكاة الفطر لهذا العام؛ لتكون عند مستوى 15 جنيهًا، جاء كحدٍّ أدنى عن كل فرد مع استحباب الزيادة لمن أراد، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية أخذت برأي الإمام أبي حنيفة في جواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة نقودًا بدلًا من الحبوب؛ تيسيرًا على الفقراء في قضاء حاجاتهم ومطالبهم، والفتوى مستقرة على ذلك.
وأكد فضيلة المفتي على أنه يجب على المسلم الذي يملك قوت يومه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم؛ لأنها زكاة مفروضة على كل مسلم صغيرًا كان أو كبيرًا رجلًا كان أو امرأة، وقد قدرت دار الإفتاء المصرية حدها الأدنى لهذا العام بمقدار خمسة عشر جنيهًا، والأفضل الزيادة على ذلك للقادرين، والأولى تعجيلها في ظل الظرف الراهن؛ كما هو الصحيح عند الشافعية.
واختتم فضيلته برده على تساؤلات المشاهدين والمتابعين بأجوبة سمحة وميسرة كجواز استبدال طعام الفدية بالمال وهي 10 جنيهات عن المسكين الواحد، وكذلك إعطاء مال أو طعام جاهز كبديل لموائد الرحمن، وجواز تقسيط زكاة المال على دفعات أو مرتبات ومنح شهرية للمحتاجين، كما يجوز إخراج الزكاة لشخص واحد أو عدة أشخاص.