منذ أسبوع مضى كانت أنظار العالم تتجه نحو قناة السويس، يراقبون عن كثب ما يتم بعد واقعة جنوح السفينة الشهيرة "إيفرجيفن"،والتي علقت في الممر المائي للقناة، وتسببت بأزمة نتج عنها توقف حركة الملاحة على جهتي القناة شمالاً وجنوبا، تلك الواقعة التي سطّر من خلالها المصريين بطولة جديدة تضاف إلى سجلاتهم.
قصص وحكايات عدة كان أبطالها مهندسين وعمال مصريين، اعتلت صورهم وكالات الأنباء العالمية والمحلية، لكن كانت الصورة الأشهر في هذا الحدث لجرافة صغيرة بطلها كان محض سخرية الكثيرين حتى أثبت للجميع أن المصري يستطيع النجاح بأقل الإمكانيات.
في السابعة صباح يوم الثلاثاء استيقظ عبدالله عبد الجواد، الشاب البالغ من العمر 28 عامًا، كعادته للذهاب إلى عمله بإحدى مواقع القناة، فهو يعمل سائقًا على جرافة صغيرة تابعة لشركة "نيوجاز"، والتي تنفذ مشروع إنشاء كوبري في قناة السويس، لم يمر وقت طويل على وصول "عبدالله" ورفاقه إلى محل عملهم، حتى وصلت إليهم أنباء تفيد بوجود سفينة عالقة بالقناة وأنّهم لن يتمكنوا من العمل اليوم، ليعودوا بأدراجهم إلى محل سكنهم.
لحظات قليلة ودخل إليهم أحد المهندسين بالشركة، ليخبرهم بأنّه تم اختيارهم للذهاب وتقديم الدعم في الواقعة كونهم الأقرب إليها، فالمشروع الذي يعمل به الشاب العشريني ورفاقه يبعد حوالي كيلو ونصف فقط من محل جنوح السفينة لذلك كانوا هم الدعم الأسرع.
14 عامًا قضاها عبد الله في العمل على جرافات بقريته الصغيرة دنجواي التابعة لمركز شربين بمحافظة الدقهلية، حسب حديثه لـ"بلدنا اليوم" وتنقلّ فيما بعد بين المحافظات المختلفة، حتى استقرّ للعمل قبل ثلاثة أشهر، كعامل بأجر يومي في إحدى مشاريع قناة السويس، كان حلم الشاب العشريني كبيرًا إلّا أنّ ظروف أسرته البسيطة حالت دون تحقيق هذا الحلم، فبعد حصوله على مجموع مرتفع بالشهادة الإعدادية ونظرًا لظروف والده الفلاح البسيط، قرر الالتحاق بالثانوي الصناعي، كي لا يكون عبئًا عليه وأيضًا حتى يتمكن من مساعدته في المصاريف، فهو أكبر أبنائه ولدية شقيقتان أصغر منه لذلك كان من الصواب أن يختار طريقًا مخالفًا لرغباته التي لطالما تمناها من أجل أسرته.
"اشتغلت لوحدي يومين لغاية الدعم موصلني" لم يتردد "عبدالله" وسارع من أجل تأدية واجبه،48 ساعة متواصلة عمل فيهما الشاب بمفرده يحاول انتشال الرمال من حول محرك السفينة العالقة دون كلل أو ملل، بالرغم من خطورة الموقف إلّا أنّ الفتى لم يخاف أو يترد فالمسافة بينه وبين السفينة كانت حوالي 11 مترًا فقط، بعد ساعات من العمل تفاجأ "عبد الله" بأنّ صورة الحفار الخاص به يتم تداولها على مواقع التواصل الاحتماعي وسط سخرية الكثيرين، " أنا كل الصور اللي الناس اتريقت عليا فيها اتبعتتلي لكن قررت مردش".
كانت المهمة الأساسية التي كان على "عبد الله" تنفيذها هي القيام بعملية التكريك حول محرك السفينة، حتى يسهل المهمة أمام الكراكات التي ستحاول جذبها وإعادتها إلى المياه، لكن لم يدرك أحدا ممن سخروا على الحفار خطورة وصعوبة تلك المهمة، لكنّ الجميع اهتم فقط بالسخرية عليه.
"كنت شغال تحت ضغط نفسي كبير بين قلق أهلي عليا وسخرية الناس وخوفي من الفشل " بالرغم من خطورة الموقف فالشاب كان من الممكن أن يدفع حياته ثمنًا لتلك المهمة، بعض من المهندسين حاولوا مع "عبدالله" أن يترك مسافة أمان بين الجرافة التي يعمل عليها والسفينة العالقة، حتى لا تكون هناك خطورة على حياته، فمن الممكن أثناء عملية التكريك أن يتعرض الحفار إلى حادثة حال سقوط حاوية عليه، لكن الشاب العشريني لم يهتم بحياته بل كان اهتمامه الأكبر بإنجاز مهمته بنجاح.
3 ساعات فقط كانت مدة الراحة التي كان الشاب يحصل عليها يوميًا على مدار أسبوع كامل، لكن وبالرغم من الجهد والمشقة إلّا أنّ إصراره على مواصلة العمل والنجاح في إنقاذ السفينة العالقة "اقتصاد بلدنا كله كان مرهون بينا ونجحنا في إنقاذه"، بعد انتهاء المهمة عاد عبد الله إلى موقعه الأساسي أغلق هاتفه وخلد إلى النوم ليستيقظ في الصباح عائدًا إلى قريته الصغيرة بمحافظة الدقهلية، ليرد حينها عبد الله على المشككين في قدراته بجملة واحدة فقط كتبها على صفحتها الشخصية بـ"فيسبوك" "وخلصت الحدوتة".
"اللي مزعلني إن الناس كلها استقلت بيا واتريقت عليا وبعد نجاح تعويم السفينة محدش حتى فكر فيا" لم ينتظر عبد الله الشكر من أحد لكنّ العمل الذي قام به كان يستحق ولو جزءًا بسيطًا من التكريم مثل غيره من المهندسين والعمال.