تداول رواد موقع "فيسبوك"، مقطعًا مصوّرًا على أنه يُظهر محتجّين عراقيين صبغوا وجوههم للادعاء بأنهم تعرّضوا للضرب، لكن المقطع في الحقيقة صوّر أثناء تدريب ميداني جرى في مستشفى في النجف، بالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود.
يظهر في الفيديو أربعة شبّان في آلية يبدو أنها سيارة إسعاف، وعلى وجوههم وثيابهم صباغ أحمر يوحي بأنهم مصابين، لكنهم يضحكون للمصوّر.
وأرفق المقطع بتعليقات مثل "صبغوا وجوههم للتصوير وادعوا أن قوات السلام ضربتهم"، في إشارة إلى سرايا السلام التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر.
وحصل الفيديو على أكثر من 1500 مشاركة من هذه الصفحة وحدها، إضافة إلى آلاف المشاركات من صفحات أخرى.
وبحسب ما وقع عليه فريق تقصّي صحّة الأخبار في وكالة "فرانس برس"، بدأ انتشار المقطع على موقع فيسبوك في هذا السياق في السادس من فبراير الجاري.
وجاء في التعليقات أيضاً "فيديو مسرّب للجرحى الذين صوّرتهم القنوات والصفحات المموّلة".
توتر بين المحتجين والتيار الصدري
انطلقت الاحتجاجات في العراق، في الأول من أكتوبر 2019، في بغداد، ومدن جنوبية للمطالبة بإجراء إصلاحات واسعة و"إسقاط النظام" وتغيير الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 17 عامًا، لاتهامها بـ"الفساد" و"الفشل" في إدارة البلاد وإهدار ثروات دولة تعدّ من أغنى دول العالم بالنفط.
وبعد شهرين من التظاهرات، استقالت حكومة عادل عبد المهدي، وكُلّف الوزير السابق محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة.
وكان أنصار مقتدى الصدر في صفوف المحتجّين، إلى أن أعرب الصدر عن دعمه لمحمد علاوي، الذي يرفضه سائر المحتجّين لكونه مرشحًا عن الأحزاب التي يتظاهرون ضدها منذ أشهر.
ومنذ تغيير الصدر موقفه، انقسم المتظاهرون إلى معسكرين وتصاعد التوتر إلى حدّ وقوع أعمال عنف أسفرت عن سقوط قتلى.
وتصاعد التوتر أكثر بين الصدروالمتظاهرين، وتحوّل إلى مواجهات عندما اقتحم مؤيّدوه في مطلع الشهر أماكن اعتصام في النجف والحلة جنوب بغداد، ما أدى إلى مقتل ثمانية متظاهرين.
واتهمت الشرطة في الحادثين بالتقصير لعدم منعها وقوع الصدامات.
ومنذ بداية التظاهرات، قتل نحو 550 شخصا غالبيتهم العظمى من المتظاهرين الشبان، بينما أصيب حوالى ثلاثين ألفاً بجروح.
وفي ظلّ هذا التوتّر بين التيار الصدري وسائر المتظاهرين، ظهرت منشورات على صفحات مؤيدة للصدر تتحدّث عن وجود عملاء ومموّلين من الخارج في صفوف المحتجين، وكذلك عن اختلاق أخبار للتصليل الإعلامي.
تدريب ميداني
لكن المقطع المنتشر لا يصوّر شباباً صبغوا أنفسهم للادّعاء بأنهم تعرّضوا للضرب على يد أنصار مقتدى الصدر، كما يقول المنشور.
فسرعان ما اشتبه صحافيو وكالة "فرانس برس" في العراق، بأن يكون هذا الفيديو ملتقطاً أثناء تدريب ميداني جرى بالتعاون مع منظّمة أطبّاء بلا حدود في مستشفى الحكيم العام في مدينة النجف، الذي صار يعرف باسم "مستشفى الشهداء العام"، وذلك بتاريخ الثالث من فبراير الجاري، أي قبل ثلاثة أيام من انتشار الفيديو.
إثر ذلك، أرشد التفتيش على محرّكات البحث، باستخدام كلمات مفتاحية مثل "تدريب" و"مستشفى الشهداء العام" مستشفى الحكيم العام" و"أطباء بلا حدود" إلى مقطع نشرته هذه المنظمة الدولية على صفحتها الرسمية.
ويمكن ملاحظة أن اثنين من الشبان في المقطع المنتشر يظهرون أيضاً في مشاهد التدريب الميداني في فيديو المنظمة.
الشاب الأول
يمكن ملاحظة تشابه الإصابة الوهمية في يمين رأسه، والرسم على قميصه، بين الصورة الأولى الملتقطة من المنشور المضلّل، والصورة الثانية الملتقطة من فيديو منظمة أطباء بلا حدود.
الشاب الثاني
يمكن أيضا ملاحظة تشابه موقع الإصابة والحروف المطبوعة على قميصه.
وكذلك نشرت صفحة تحمل اسم مستشفى الحكيم العام في الرابع من فبراير، مقطعًا آخر يظهر فيه الشابان نفساهما.
ويمكن ملاحظة وجود شاب ثالث في هذه الصور كان أيضاً ضمن الشباب في سيارة الإسعاف، في الفيديو المتداول في سياق مضلّل.