قالت الدكتورة رانيا فوزي، المتخصصة في تحليل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي تعليقًا على تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعودة القارة السمراء إلى أحضان تل أبيب: "نتنياهو في المجمل نجح خلال عقد من الزمن أثناء ولايته المتتالية لرئاسة الحكومة الاسرائيلية منذ عام 2009 وحتى الآن على إعادة الثقة مع دول أفريقيا وكسر حاجز المقاطعة وعودة العلاقات بينهما إلى ما قبل الستينيات، فدائما ما يتفاخر نتنياهو أمام المحافل الدولية وبالأخص أثناء الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة بنجاحه في توطيد علاقاته مع الدول العربية بما فيهم الافريقية، فيحاول نتنياهو استخدام تلك العلاقات في الترويج لنجاح سياسته الخارجية حيث كان يتولى بجانب رئاسته للحكومة بعض الوزرات من بينها وزارة الخارجية حتى فترة قريبة ولكنه تخلى عن مناصبه الوزارية بالإجبار بعد أن قدمت ضده لوائح اتهام في قضايا فساد".
وتابعت "فوزي" في تصريحات خاصة لـ "بلدنا اليوم": "للأسف أصبح نتنياهو يعتبر نفسه الآن رجل العرب مستغلا في ذلك العلاقات الجيدة التي تجمعه مع الإدارة الامريكية الحالية بزعامة دونالد ترامب ، فالعرب في المجمل يعتبرون إسرائيل هي القاطرة التي يعبرون بها إلى قلب أمريكا وهو ما حدث مؤخرًا مع السودان التي أعلنت عن تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل لرفعها من قوائم الإرهاب".
أما عن توسع نتنياهو في القارة السمراء، فقالت المتخصصة في تحليل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي :"يرى نتنياهو أن التقارب الإسرائيلي مع الدول الإفريقية من شأنه أن يخدم على سياساته الرامية من ناحية لتحسين صورة إسرائيل بالمنطقة ومن ناحية أخرى استعادة النشاط الإسرائيلي في إفريقيا لسنوات العصر الذهبي في الخمسينات ، حيث كان الدافع السياسي لإسرائيل لبذل مزيد من الجهد للتقارب مع الدول الخليجية بإقامة معاهدات اقتصادية معها في مجال الزراعة والري وكذلك بمعاونتها عسكريًا ولوجستيًا واستخباراتيًا من أجل إفشال تطلعات الدول العربية لعزلها سياسيا ونزع شرعيتها؛ وفي هذا الإطار كان يجب إظهار التواجد السياسي والاقتصادي في عشرات الدول الأفريقية وإقامة علاقات صداقة معها، فقد وضع نتنياهو القارة الإفريقية نصب عينه من منطلق أهداف اقتصادية لإسرائيل لما تمتلكه القارة من كميات كبيرة من النفط والمواد الخام، فقد كانت إسرائيل تهدف بشكل كبير إلى توسيع حجم التجارة مع شرق إفريقيا والذي بدوره قد يساعد على نشاط ميناء إيلات".
أما عن سبب تركيز نتنياهو بشكل خاص إلى مصر، فقالت "فوزي": "إلى جانب الأهداف السياسية والاقتصادية التي تعود بالنفع على إسرائيل كان هناك أهداف أخرى استراتيجية وايديولوجية كامنة من وراء التقارب الإسرائيلي مع الدول الإفريقية وبالأخص مع دول حوض النيل، من بينها موقع إثيوبيا وإريتريا على ساحل البحر الأحمر وباب المندب، بالإضافة إلى وقوع إثيوبيا وأوغندا وكينيا على الحدود مع الدول العربية، بالعودة إلى الماضي والأطماع الصهيونية في مياه النيل فقد كانت عين إسرائيل منذ بعيد الأمد على مياه نهر النيل حتى أن الرئيس الراحل أنور السادات كان على قناعة من ذلك وهو ماكشف عنه الصحفي الإسرائيلي المخضرم تسفي بارئيل في إحدى مقالاته حيث أشار إلى السادات أوعز صديقه الصحفي أنيس منصور للترويج في مقال له إلى إشاعة أن إسرائيل تريد مياة النيل وهو ماردت عليه إسرائيل بأن مياه النيل بها بلهارسيا وكان رد الرئيس الراحل السادات وقتها بأن إسرائيل تريد مياه النيل وتريد البلهارسيا فالأطماع الصهيونية لا تسقط بالتقادم ضد مصر على وجه الخصوص التي تحمل لها حقد ديني وتاريخي متأصل يعود الى فترة حكم فرعون واستعباد بني اسرائيل في مصر لـ 400 سنة".
أما عن أهداف إسرائيل من التقارب من دول القارة السمراء، فأوضحت رانيا: "العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية لها عمق خطير بالنسبة لإسرائيل منذ زمن بعيد خاصة بعد واقعة محاولة اغتيال الرئيس الاسبق حسني مبارك في أديس أبابا ومن وقتها نجحت إسرائيل في كسب ود إثيوبيا وتحريضها على مسالة بناء السد الاثيوبي للخروج من أزمتها الاقتصادية وحتى تصبح مصدر لتصدير الكهرباء بهدف تقويض مصر على وجه الخصوص لأنها تعي جيدا أن مسألة المياة بالنسبة لمصر هي مسألة حياة أو موت ، فمن يتابع الإعلام العبري يتأكد من حقيقة التدخل الإسرائيلي في بناء سد النهضة الإثيوبي فإسرائيل بحسب موقع ديبكا العبري قد وضعت أنظمة دفاعية لإثيوبيا لحماية السد من تعرضه لأي هجوم قد تقدم عليه مصر حال انتهت المفاوضات بين البلدين إلى طريق مسدود ولم يبقى لمصر سوى الخيار العسكري، وفي تقديري الشخصي أن مسالة التطبيع بين أسرائيل والسودان بعد الإعلان عنه في الأيام القليلة الماضية من شأنه أن تؤثر كذلك سلبًا على سير المفاوضات الجارية بين الدول الثلاث برعاية أمريكية".
واختتمت المتخصصة في تحليل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي تصريحاتها، قائلة: "لا أعتقد أن ما يقوم به نتنياهو يؤهله للفوز في الانتخابات الإسرائيلية فهو في مأزق سياسي كبير فإسرائيل تعيش منذ عام في حالة فراغ سياسي وغياب عنصر القيادة وهو ما تسبب في إجراءها لثلاث جولات انتخابية في أقل من عام ، وفي تقديري أنه حتى عرض صفقة القرن وهدية ترامب التاريخية لصديقه نتنياهو لن تنجيه من الملاحقات القضائية، فالأمل الوحيد لنجاته هو تشكيل حكومة وحدة مع تحالف كاحول لافان بزعامة بيني جانتس بعد الانتخابات الإسرائيلية الوشيكة في الثاني من مارس، وهذا أمر مستبعد للغاية فالانتخابات الإسرائيلية المقبلة من الأرجح أن تشهد تكرار نفس سيناريو الانتخابات في سبتمبر وإبريل الماضي حيث لا يزال أفيجدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا هو بيضة القبان والذي باستطاعته إخراج إسرائيل من كبوتها وعدم تكرار شبح الانتخابات الرابعة".