شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل، مؤتمرا استثنائيا عدّه المراقبون نطقة تحول في صياغة العلاقة المعقدة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
انطلقت أعمال المؤتمر الذي نظمه مركز بروكسل الدولي للبحوث وحقوق الإنسان بعنوان "التحديات المتصاعدة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا: تحديد طرق التقدم إلى الأمام" في مباني الاتحاد الأوروبي ببروكسل يوم 20 نوفمبر، وحضره عدد معتبر كما ونوعا من المشاركين، والذين توزعوا بين الانتماء إلى لجان صياغة السياسات في البرلمان الأوروبي (26 عضوا حضروا الفعالية)، والمعهد الملكي البلجيكي للعلاقات الخارجية، ومراكز البحوث الاستراتيجية، ومنظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان، علاوة على حضور مكثف لوسائل الإعلام الغربية والعربية على حد سواء.
اتفق المتحدثون، على ما يمثله نظام أردوغان من خطورة ملحوظة على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وعلى الضرورة القصوى لاتخاذ مواقف مشتركة حاسمة إزاء الانتهاكات والتعديات التي يضطلع بها نظام أردوغان ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان داخل بلاده، وعلى سيادة الدول المجاورة واستقلالها، وعلى ضرورة التصدي بحزم لنهجه الابتزازي لأوروبا باستخدام ورقة اللاجئين.
كما اتفقت الآراء على أن السياسة الأوروبية الحالية قاصرة عن التعامل بحزم مع نظام أردوغان الأرعن، بل إن تلك السياسة الأوروبية ربما تمثل تشجيعا غير مباشر، بسبب تراخيها، لحكام ديكتاتوريين مثل أردوغان على التمادي في نقضه للعهود والمواثيق الدولية في مختلف الأصعدة.
قال مارك أوتي، رئيس مركز بروكسل الدولي للبحوث وحقوق الإنسان، إن تطورين تحديدا قد وسّعا من رقعة الخلاف بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وهما العدوان التركي على شمال سوريا والمجازر التي ارتكبها نظام أردوغان بحق المدنيين الأبرياء في تلك المنطقة، والآخر استخفافه الكامل بالديمقراطية إثر رفضه لنتائج انتخابات أسطنبول لأنها لم تجيء في صالحه.
وأشار جان دوندار، الصحفي التركي الحائز على جائزة حرية الصحافة الدولية بأنه كان يعوّل على انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن الصورة ما زالت قاتمة، وأن تلك المحاولات لن تنجح طالما استمر أردوغان في تعدياته وانتهاكاته.
أما فردريك ريس، عضو البرلمان الأوروبي والعضو في كتلة "تجديد أوروبا"، فقد أشارت إلى انهيار الحريات الصحفية في تركيا، والتي تحتل المركز 179 من مجموع 180 دولة حول العالم، قائلة إن هذا المعيار يوضح مدى تدهور الأوضاع الحقوقية في تركيا وانحدارها إلى درك غير مسبوق.
بدوره، تطرق كيم فريدبرغ، مدير دائرة الأمن والحماية المدنية والشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الأوروبي إلى ضعف السياسات الأوروبية تجاه تركيا وأنها لا تفي بالغرض، وقال إن من الضرورة على أوروبا اتخاذ سياسات حاسمة إزاء النظام التركي، وتشمل النظر في تجميد مبيعات الأسلحة الأوروبية إلى تركيا طالما استمر نظامها في ضربه عرض الحائط بالمواثيق والاتفاقيات الدولية.
على صعيد ذو صلة، أوضحت أماندا بول، كبيرة محللي السياسات بمركز السياسة الأوروبية بأن تدهور العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا يعود إلى سنين طويل، وأضافت بأن الحلول بيد النظام التركي إذ الأمر رهين بتراجعه عن سياساته الرعناء في تناول الملفات الإقليمية والدولية أو التبعات الكارثية لتحركاته.
من جانبه، قال كالين-لونوت أونغور، نائب رئيس قسم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في خدمة العمل الخارجي الأوروبي، إن الاتحاد الأوروبي سيرحب بانضمام تركيا إليه إذا حققت المتطلبات الديمقراطية اللازمة، وإلا فإن استمرار النظام التركي في تصرفاته الحمقاء سيكون خصما على الجميع، وسيجعل تركيا منبوذة في الساحة الدولية، ودعا نظام أردوغان إلى تحكيم العقل والمنطق والالتزام باحترام سيادة الدول وحقوق الإنسان.
يأتي هذا المؤتمر الذي نظمه مركز بروكسل الدولي علامة فارقة بخصوص كيفية صياغة العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، خاصة وأن المتحدثين قد اتفقوا في توصياتهم على ضرورة اتخاذ موقف أوروبي موحد يكفل تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، ويحافظ على الديمقراطية من انتهاكات أردوغان المتكررة.
أطلق هذا المؤتمر عجلة التحرك الأوروبي الحاسم من عقالها، وصاغ بداية لعهد جديد في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، ويبقى العالم يحبس أنفاسه بانتظار رد الفعل التركي الذي نتمنى أن يرعوي للحق والعقل والمنطق!