دعا الكاتب الأمريكي، توماس فريدمان، الحزب الديمقراطي في بلاده إلى دراسة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ومحاولة الاستفادة منها في سعيهم إلى الإطاحة بالرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي مقاله بصحيفة النيويورك تايمز، رأى فريدمان إمكانية استفادة الساسة الديمقراطيين في أمريكا من مشهد الانتخابات الأخيرة في إسرائيل التي تعتبر نموذجًا مصغرًا.
ونوّه الكاتب عن تعمُّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نشْر أفكار عنصرية ضد عرب إسرائيل مستهدِفا من وراء ذلك تحفيز قاعدته الانتخابية في اليمين المتطرف للحصول على أصواتهم.
وكان أنْ طفح الكيل بعرب إسرائيل في نهاية المطاف، وفي الانتخابات الأخيرة أعطوا أصواتهم بأعداد كبيرة لثالث أكبر حزب في إسرائيل مُضعفين بذلك قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة جديدة، وهكذا انقلب السحر على الساحر.
ونوّه فريدمان إلى أمر ثانٍ في المشهد الإسرائيلي وهو انتشار نتنياهو في كل مكان، على شاشات التلفاز وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، على خلاف منافسه الرئيسي بيني غانتس، زعيم حزب "أزرق وأبيض"، والذي اتسم بالهدوء والرصانة.
وكان أنْ حذّر الناس غانتس من أن نتنياهو يأكل لحمه على مواقع التواصل الاجتماعي، فماذا حدث؟ .. حدث أن آلاف الإسرائيليين ضجروا من ظهور نتنياهو في كل مكان فتحوّلوا عنه بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة، رافعين حزب بيني غانتس على حزب نتنياهو (الليكود).
الأمر الثالث والأخير الذي أشار إليه فريدمان في المشهد السياسي الإسرائيلي هو أن عددا كبيرا من ناخبي اليسار في إسرائيل لم يصوتوا في الانتخابات الأخيرة لأحزابهم اليسارية كما كان مفترضا؛ مفضلين حزب غانتس في الوسط، وذلك لتخوفهم من أن فترة حُكم أخرى لنتنياهو –بما يبذره من تفرقة وبهجماته التي لا تتوقف على الإعلام ومؤسسات الدولة كالقضاء والشرطة- كفيلة بالإضرار بالديمقراطية في إسرائيل – وهو ما يخشاه هؤلاء أكثر من خشيتهم من الفلسطينيين.
لقد أراد هؤلاء الإسرائيليون شخصًا ليس فقط قادرا على هزيمة نتنياهو، بل وعلى أنْ يكون ترياقا لما نفثه الأخير من سموم – يريدون شخصا قادرًا على علاج انقسامات دولتهم.
ثم انتقل الكاتب إلى المشهد الأمريكي، قائلا: إن الاختلاف بين إسرائيل وأمريكا قد يكون كبيرًا جدًا ولكنْ ثمة دروسٌ في المشهد الإسرائيلي المشار إليه آنفا يمكن أن يستفيد منها الديمقراطيون في أمريكا وهم يختارون مرشحهم الرئاسي.
وقال فريدمان إنه لا فكرة لديه عما إذا كان في مقدور مايكل بلومبرج الفوز بترشيح الديمقراطيين، لكنه مع ذلك سعيد بدخوله السباق.
ونوه الكاتب إلى أن بلومبرج ليس مجرد شخص ثري جمع أمواله من المضاربة في بورصة وول ستريت، وإنما هو شخص جازف بالبدء بكل ما يملك في مشروع ونجح على كل منافسيه من العمالقة وتخطاهم وعزز الإنتاجية في البلاد.
كما شغل بلومبرج منصب عمدة نيويورك ثلاث فترات، وله سِجِلّ من الإنجازات، وهو أيضا صاحب مواقف تقدمية قوية، وداعم مالي قوي لقضايا عامة كبرى كالسيطرة على حيازة الأسلحة والتغير المناخي وغيرها.
وقال فريدمان إنه مما لا شك فيه أن الرأسمالية لم تعد تصنع بريقا في أعين الكثير من الأمريكيين اليوم؛ لكن من غير الممكن الاحتفاظ بالطبقة الوسطى وبالديمقراطية التي تدعمها دون استحداث طرق لتقليص الفجوة المتسعة بين الدخول، وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطى، والذي يتطلب بدوره تشجيع رجال الأعمال على الاستثمار.
وأعرب عن سعادته بفكرة دخول بلومبرغ السباق، لأن الأخير سيدفع على الطاولة بأجندة ديمقراطية تصبو إلى النمو والابتكارية والاستثمار، دون نسيان القضايا الاجتماعية الرئيسية.
ورأى صاحب المقال أن المرشح الديمقراطي الناجح بحاجة إلى إعطاء صوت للقاعدة الانتخابية الغاضبة في الحزب من أبناء الطبقة الوسطى بما يجعلهم يلتفُّون حوله مؤيدين له.
أمر ثانٍ يحتاجه المرشح الديمقراطي لكي ينجح هو أن يكون قادرا على بثّ الثقة في النفوس، لا سيما في أوقات التوتر والفزع، إنهم يريدون قائدا قويا.
وقال فريدمان: "إن ترامب، الذي أمقته، يجيد فِعلَ ذلك."
واختتم الكاتب الأمريكي: "إن بلومبرغ احتمالٌ قائم. لكني أعتقد أن دخوله السباق –حتى لو لم ينتهي به إلى الفوز- يسلط الضوء على بعض القضايا الضرورية لنجاح الديمقراطيين، ويزيد فُرصَهم في الدفع بمرشح رئاسي يمتلك السمات المتطلبة للفوز في الانتخابات وإدارة شؤون الحكم بنجاح".