يحتفل العالم كله بمولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم بقراءة بردة العارف بالله الإمام البوصيري والتى مطلعها "مولاي صلّ وسلّم دائمًا أبدًا.. على حبيبك خير الخلق كلهم" باعتبارها ركن أساسيًا للإحتفال بالمولد النبوي في كل بقاع الأرض، ونستعرض في السطور التالية بعض ما توصلت إليه الدكتورة أمنية محسن مدرس الإنثروبولوجيا بجامعة بني سويف والباحثة في سيرة ومسيرة الإمام البوصيري من موضوعات عن الإمام وقصيدته ومسجده.
تناول البحث سيرة الإمام البوصيري وما يحوي ذلك من مرويات شفاهية عن الإمام، كما يرصد المراحل التى مر بها بداية من النشأة والتكوين ومرحلة ما قبل وبعد التصوف، إلى جانب التعريف بقصيدة البردة والمعارضات التى تعرضت لها من الشعراء والتى تزيد عن 185 معارضة منها معارضات لشعراء مسيحيون منهم من مدح الجناب النبوي لسيدنا محمد والآخر مدح الدين المسيحي وسيدنا عيسى بن مريم على نفس القافية والوزن والمحسنات البديعية، وكذلك يشمل البحث التعريف بمسجد الإمام بالإسكندرية من حيث النشأة والوقف الذي وضع من أجل رعاية المسجد، وكذلك الوضع الحالي المتردي للمسجد وتعرضه لبعض التصدع في القبتين الأولى قبة بيت الصلاة والأخرى قبة الضريح، نظراً لوجود تساقط لمياه الأمطار لبيت الصلاة ومقر الضريح عبر القبتين، حيث يستخدم حاليًا لفائف بلاستيكية للحماية من الأمطار.
وتتطرقت المادة البحثية في مضمونها إلى ضرورة التحرك من قبل المسئولين بوزارات (الأوقاف، الآثار، الثقافة والسياحة)، لإنقاذ هذا الأثر الإسلامي الهام طبقًا للقوانين المعدة لذلك.
وتبين من خلال البحث أن الإمام البوصيري هو مصري النشأة والمستقر والوفاة، ومغربي الأصل فقد ولد 608 هــ/1213م، فوالده من قرية "أبوصير التابعة لمركز الواسطى، شمال محافظة بني سويف، وأمه من قرية "دلاص بمركز ناصر، أيضًا شمال بني سويف.
اشتهر الإمام "البوصيري"، بأنه إمام المادحين للجناب النبوي، فقد كان فقيرًا؛ وبدأ حياته خطاطًا على شواهد القبور، ثم أنشأ كتابًا واستكمل دراسته بمسجد عمرو بن العاص بالقاهرة، عرضت عليه وظيفة الحسبة، والتى لا تسند إلا لمن ألم بدراسة علوم الفقه ثم عين كاتبًا في بلبيس بالشرقية وهذه الوظيفة تسند لمن يعرف الأعمال الحسابية ثم بدأ في قراءة مقارنة الأديان ثم انتقل بعد ذلك للإسكندرية وتتلمذ على يد القطب الشاذلي أبي العباس المرسي وأصبح له مسجدًا مميزًا بكم هائل من الكتابات والنقوش والتى تتوافق مع كتابات البردة بجامع محمد على بالقلعة والتى كتبها نفس الخطاط "عبدالغفار"، وكذلك بخمس قباب ويضم المزاولة وهي الساعة الشمسية والتى تبين موعد صلاة الظهر والعصر وحينما كان يبدأ المؤذن بالآذان في مسجد الإمام البوصيري تتوالي كافة المساجد الآذان بعده.
ومن أبرز منشدي البردة الشيخ العطواني، الشيخ النقشبندي الشيخ عبدالتواب البساتيني، الشيخ محمد طه والتهامي، المنشد السوداني، الشيخ الفاتح محمد عثمان الزبير، إسماعيل على ، المريد الصوفي والهندي وحيد ظفار وغيرهم، ومن أبرز من قاموا بالغناء سامي يوسف، مسعود كيرتس، المطربة عايدة الأيوبي وفدوة المالكي وغيرهم، ومن أشهر الفرق الموسيقية فرقة الكوثر والإخلاص والمرعشلي والأخوة أبو شعر والبهاء الجزائرية وغيرهم.
وقد ترجمت البردة إلى الهندية، الفارسية، التركية، الألمانية، الفرنسية، الإنجليزية والسواحيلية.
كما تناول البحث أيضًا تاريخ قرية أبوصير والتى بها مقبرة آخر خلفاء الدولة الأموية "مروان بن محمد" (750م – 72هـ)، والذي هرب من جيوش الدولة العباسية وقتل وكان معه أربعين جنديًا في هذه القرية حيث تقول المرويات في كتب التاريخ القديم أنه حين قتل كان معه القضيب ومخصرة وبردة النبي صلى الله عليه وسلم التى كان أهداها لكعب بن زهير صاحب قصيدة "بانت سعادة" فأخذها خلفاء الدولة العباسية واستمروا في الظهور بها في المناسبات والاحتفالات.
وقد كتبت قصيدة البردة في مئات العمائر القديمة والمنازل والمساجد أبرزها "منزل الرزاز"، "مسجد الليث بن سعد"، "بمسجد"عقبة بن عامر"، ومسجد "الأمير همام" بفرشوط، والمسجد العباسي ببورسعيد" ، وقد كتبت أيضًا بعض أبيات القصيدة على قبة الحجرة النبوية في الشبك النحاسي المذهب التي تمت في العهد العثماني بالمدينة المنورة، وكذلك كتبت على قماش الكعبة عندما كانت تصنع كسوة الكعبة في مصر قبل سنة 1962م، وآخر اسم لحكام مصر كتب على الكسوة كان إسم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وقد حاول الرئيس أنور السادات إعادة فتح المصنع، ولكن الظروف لم تسمح وقتها.