وسط احتقان شعبى شهد العراق الأيام الماضية، أحداث صعبة ومريرة لتحرير أرض الفرات من أيدى مغتصبيها من أصحاب السلطة، حتى خرج الشعب ليصل إلى استقالة حكومة وتغيير بطش نظام برمته، حيث بدأت تلك المظاهرات فى بغداد عفويا بدون أى تدخل لتنظيم سياسي أو لمصالح شخصية، ولكن لتحسين مستوى المعيشة والقضاء على الفساد والبطالة، وأخذت تلك الأحتاجات طابعاً سياسياً قوياً مطالباً برحيل الحكومة وفى الجانب الأخر تبلور الأمر فى كيفية التعامل والتخلص من المتظاهرين.
وعلى ضوء ذلك قال مدير مركز الإعلام العراقى فى واشنطن، نزار حيدر، أن العراق شهد الآلاف مثل التَّظاهرات الحاليَّة التي تخرج في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات الوسطى والجنوبية، لكن الذي ميزها هذه المرة ثلاثة أمور؛ اتساعها، العنف والتخريب الذي صاحبها والاستخدام المفرط للقوة الحية ، ولذلك كان عدد القتلى والمصابين بالمئات، بينهم عدد من عناصر القوات الأَمنيَّة.
وكل هذا النَّوع من التَّظاهرات تبدا بالأساس مطلبية بسبب شعور المواطن العراقي بالظلم والغبن الذي لحق به جرَّاء فساد وفشل الطبقة السياسيَّة الحاكِمة المشغولة بصراعاتها الفئوية للحصول على المزيد من السُّلطة والنُّفوذ والمكاسب، تاركة المواطن يئن تحت آلام الفقر والعوز والبطالة وسوء الخدمات وغياب ابسط اسباب ومقومات الحياة الحُرَّة الكريمة.
ولذلك لا يمكن ابداً ان نطلق عليها صفة [ربيع جديد] لانها لا تريد تغيير النِّظام السِّياسي بقدر دعوتها للتشديد في مكافحة الفساد وخلق المزيد من فُرص العمل وتحسين الخدمات وغير ذلك.
وأضاف ، نزار حيدر ، أن التوقيت حالة طبيعيَّة، فكما قلت فان التَّظاهرات تعم في كل مرة مناطق معينة من البلاد، وهي لو ندقق فيها للاحظنا بانها مستمرة ولَم تنقطع، لكنها تتسع وتتقلص حسب الظُّروف الأَمنيَّة تارة وحسب قدرة الشَّارع على الثَّبات والاستمرار والصمود، وكلُّنا نتذكَّر فان الخطاب المرجعي لفت الانتباه اكثر من مرة، وهو يحرض مؤَسَّسات الدَّولة على وجوب وضرورة تحقيق مطالب المُتظاهرين، الى ان الشَّارع قد يهدأ ولكنه سيعود بشكل اشد وأَوسع، وبالفعل فهذا ما حصل الْيَوْم.
وأكد "مدير المركز الأعلامي" أنه اذا نجحت الحكومة في قمع الشَّارع هذه المرة كما حصل في المرات السابقة، فهذا لا يعني انه نهاية المطاف، اذ ستتبعه جولات وجولات الى ان يحقق الشَّارع مطلبه الأساسي و بذل مؤَسَّسات الدَّولة كل ما بوسعها لخلق فُرص ومقومات وأَسباب الحياة الحُرَّة الكريمة للمواطن في إِطار الدُّستور والقانون بعيداً عن الفساد والمُحاصصة، او فليرحلوا اذا عجزوا.
وهذه التَّظاهرات لا علاقة لها بمشاريع التقسيم لا من قريب ولا من بعيد، فالعراق الذي فشل الارهاب في تقسيمه على الرَّغمِ من خطورة مشاريعه التدميريَّة وقساوة أدواته، فكيف يمكن لمثل هذه التَّظاهرات ان تقسم العراق؟!. والتَّظاهرات شعبية بلا نقاش، لم تحركها اياد خفية او جهات مجهولة او ما الى ذلك من العناوين والاسماء والمسميات.
وأن الذي يحرك الشَّارع هو الدُّستور الذي ضمن للمواطن حق التَّظاهر والاعتصام والتجمع للمُطالبة بالحقوق المسلوبة والمسحوقة، وما بعد التحرك، نعم هناك جهات داخلية وخارجية تسعى لاستغلال الفوضى مثلاً لأجنداتها الخاصة، وهو امر يحصل في كل بلدان العالم الثالث التي تشهد حراكاً شعبياً من نوع ما، اما حوادث التخريب والاعتداء على الأملاك الخاصة والعامة، فهي لحد الان مجهولة السَّبب والمصدر، فقد تكون وراءها ميليشيات احزاب السُّلطة لتشويه سمعة وصورة الحراك وللطعن بمصداقيته.
هذا الكلام لا أقوله رجماً بالغيب، فلقد شهدت تظاهرات سابقة مماثلة وقعت قبل عامين في محافظة السليمانية، حالات تخريب طالت مقرات الحزبين الحاكمين في الإقليم تبين فيما بعد انها من عمل الحزبين لتصفية حساباتهما مع بعض ولايجاد الذَّريعة لاستخدام الرصاص الحي ضد المُتظاهرين، وبالفعل فقد اسفر استخدام السُّلطات المحلية للقوة ضد المُتظاهرين عن سقوط العشرات من الضَّحايا خلال يومين فقط.
وأشار نزار حيد ، أنه فضلاً عن ان المُتظاهرين ليسوا ملائكة لننتظر منهم ان يتعاملوا بطريقة حضارية وملائكية وهم في حالة غضب وفوران وعصبية، الأ ان كل التَّظاهرات في كل العالم، بما فيه الدول الديمقراطية كفرنسا مثلاً، تشهد مثل هذه الحالات التخريبية، وكلُّنا تابعنا عمليات التخريب التي تعرَّض له شارع الشانزيليزيه في باريس العام الماضي على يد تظاهرات ما اطلق عليهم باصحاب السترات الصفراء، طبعاً، هذا لا يبرر عمليات التخريب التي تصاحب اية تظاهرات ولكن الذي اريد قوله هو ان ذلك طبيعة الاشياء، كما ان من طبيعة الاشياء هو ما يتعرَّض له المتظاهرون دائماً وأبداً، للطَّعن والتشويه من قبل اْبواق السُّلطة من خلال التعريض بهويتهم وولائهم ووصفهم بالمتآمرين تارة والخونة اخرى والمأجورين تارة ثالثة وهكذا، فعل هذا نظام الطَّاغية الذَّليل صدام حسين ضد العراقيِّين كلما تظاهروا وانتفضوا، وتفعله الْيَوْم سُلطة الاحزاب الفاسِدة والفاشِلة وأبواقها وذيولها.