أعد الملف: مصطفى الخطيب - محمود صلاح - آية عتريس
أقنعنى بأنني أعاني من سحر خطير، ويتوجب على أن أتبع كل أوامره، جردني من ملابسي تمامًا، وأوقفني فى إناءٍ ممتلئ بالمياه، بدأ يسكب الماء فوق جسدى ويدلكه بلمسات شهوانية للغاية، فيبدو وكأنه رجل شيطانى وليس معالجًا بالقرآن كما يدعون، بدأ يهرتل بكلمات ليست لها صلة بالقرآن الكريم، يغمض عينيه ويفتحها محدقًا فى مواضع حساسة، ها أنا عارية تمامًا أمامه وفى انتظار الشفاء، وها هو يحدق فى وينتظر اللحظات الحاسمة لينقض على لإشباع رغبته التى استغل القرآن من أجلها.
كنت في العشرين من عمري، ضاقت بىَّ الدنيا بما رحبت بعدما انفصلت عن فارس أحلامى بفترة الخطوبة، وتلاعبت بى الأوهام حتى ضللت الطريق وتعرفت على شيخ "معالج بالقرآن" كما قالت صديقتى التى عالجها قبل أشهر ودلتنى عليه، على الفور تواصلت معه عبر "الواتساب" على أمل أن أجد بحوزته العلاج الذى يريح جسدى من التعب وبالى من التفكير، راسلته كما طلب منىَّ، فكانت أولى طلباته إرسال صورة شخصية ليكشف عنى من خلالها، بالطبع أرسلتها وانتظرت الرد لقرابة ساعتين، وكانت المفاجأة: "عليكِ جن عاشق ويحتاج إلى تكاليف عالية من إنفاق للأموال وغير ذلك لإخراجه".
على الفور امتثلت لكل أوامره، ووفرت له كل سبل الراحة التى تساعده على معالجتى، جاء منزلى فى أول لقاء بيننا، جلست بجواره وبدأ يقرأ القرآن، وفى الغالب عندما استمع إلى القرآن يرتاح قلبى وأشعر بهدوء، ولكن معه لم أشعر بهذا الإحساس قط، صوته مرتفع للغاية، قراءته همجية، نظراته غريبة، وفجأة توقف؛ وأمر والدتى بالخروج من الغرفة، بقيت بجواره وحدى، بدأ يضع يده على جسدى وهو يتلو القرآن، ثم أخبرنى بأن دقات قلبى تتعالى فوضع يده على صدرى، ارتجف بدنى كله مع وضع يده، وتظاهرت بأن صداعًا امتلك رأسى ليتركنى فاستجاب، ولكنه أكد أننى أحتاج إلى متابعة مستمرة حتى تنتهى هذه المعاناة.
"الجن العاشق الذى سكن جسدى لا يخرج بسهولة" على حد قوله، وبالتالى كان على أن أشترى "مسك إنجليزى وبخور" تخطى ثمنها ألف جنيه، وأن استعملها حتى يحين موعد اللقاء الثانى، وبالطبع فى المرة الثانية دخلت بمفردى معه فى الغرفة، جردنى من ملابسى ليرصد تحركات هذا الجن العاشق الذى بداخلى؛ لأنه من المتوقع خروجه بأى مكان فى جسدى على حد قوله، وقفت فى إناءٍ كبير ممتلئ بالمياه، واختنقت الغرفة بدخان البخور الذى أشعله.
أمىّ تقف على باب الغرفة ترتجف من القلق، وأنا بالداخل أقنعتنى كلماته التى يقولها إن جسدى يسكنه جن فعلًا، ويتوجب على سرعة التحرك والامتثال لأوامره لكى ينتهى، نظراته كانت تغوص فى قلب جسدى، ثم وضع يده على ويحركها من الأعلى للأسفل مرددًا: "الجن هيخرج" ويضيف: "اطلع عايز أشوفك متأذهاش، وكلمات كثيرة كان يقولها والغرض منها التمتع بجسدى لا غير".
انتهى اللقاء الثانى بإغمائى ووقوعى على الأرض، حيث طلب 800 جنيه لجلب علاج معين، وأخذ 3000 جنيه أخرى، مؤكدًا أننى أصبحت بخير، وكل ما أعانى منه هى مجرد أوهام ستنتهى مع مرور الوقت، وفر هاربًا ولم يعد، حاولت التواصل معه كثيرًا ولكن دون جدوى، وبعد أيام راسلته على الواتساب لمحاولة إقناعه للمجىء إلى بيتنا، ولكن كان رده غريبا، حيث فاجأنى أنه معجب بىَّ ويريد الزواج منى، ومع مرور الوقت علم بأننا اكتشفنا سره، فأغلق هواتفه ولم نعرف عنه شيئا حتى الآن.
فى النهاية اكتشفت أنّ ما كنت أعانى منه هو حالة نفسية، بسبب الظروف التى مررت بها فى خطوبتى، وعالجنى طبيب نفسى وأصبحت على ما يرام.
بلدنا اليوم خاضت مغامرة مع عدد من مدعى العلاج بالقرآن، وتسللت لأوكارهم عبر منصات التواصل الاجتماعى لمعرفة الخبايا التى يلجأون لها من أجل النصب على المواطنين، وتحقيق المكاسب غير شرعية.
أول مغامرة
كانت أولى المغامرات مع شخص يُدعى "الشيخ إدريس" أنشأ صفحة لنفسه على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" تحمل عنوان "إدريس الشيخ للعلاج والجلب"، للتواصل من خلالها وترويج عمله الذى يزاوله على الملأ.
محرر بلدنا اليوم، تواصل من المدعو إدريس سالف الذكر من خلال صفحة أنشأها على الفيس بوك باسم فتاة، واحتفظ بتوثيق من المحادثة التى دارت بينهما، حيث تساءلنا عن كيفية معرفة أن يكون الشخص به أذى أم لا، الأمر الذى طلب إدريس على خلفيته إرسال اسمى واسم والدتى وصورتى الشخصية، وعلى الفور تم إرسالها، مرفقة بالبيانات التى طلبها بعد ذلك.
بعد مرور فترة من الوقت فيما يبدو أنه حاول التأكد من أن من يراسله فتاة، طلب صورة شخصية بدون مكياج، وبالطبع امتثلنا لأوامره، وكانت المفاجأة فى رده على تلك الصورة قائلًا: " انتى بيكى سحر وقرين العاشق من الجن"، مضيفًا: "أنا هخلى القرين مش يقرب منك الليلة لو عايز تقومى بالعلاج أرسلى صورتك وانتى بدون ملابس حتى تشفى".
الشهوة الجنسية جعلت الدجال يفقد صوابه، ولا يحترم القرآن الذى يتحدث من خلاله، حيث طلب بعد ذلك إرسال صورة بدون ملابس، الأمر الذى قابلناه بالرفض فى بدايته، واستمر هو فى الإلحاح، وعندما وجد الرفض سيد الموقف، عرض عرضًا آخر بإرسال صورة بدون الوجه، قائلًا: "إن شاء الله هقدر أساعدك".
استمر إدريس فى طريقة الإقناع لإرسال الصورة، حيث قال إنه توجد حالة مشابهة لحالتى تمامًا، عليها قرين عاشق، ولكنها رفضت العلاج ومازال القرين معها حتى الآن، مؤكدًا أن هذا القرين يسبب لها مشاكل عدة كعدم الارتباط والزواج ومشاكل نفسية عديدة تصل للانتحار، ولكن فى نهاية المطاف حظر الدردشة بيننا على الفيس بوك بسبب رفض إرسال الصورة.
لم تكن هذه المغامرة السابقة هى الفريدة من نوعها، حيث رصدنا عددًا من الدجالين الذين يعملون بهذا النمط، سنعرض أبرزهم خلال السطور التالية.
نموذج واحد
فيما يبدو أن هؤلاء الدجالين يستخدمون نموذجًا واحدًا فى المحاكاة والتحدث مع الآخرين، وهذا ما يظهر من الحديث الذى أجريناه مع المدعو "الشيخ محمد" والشهير بـ"الشيخ أبو أحمد" فى منطقة إمبابة، الذى أعلن أنه يعالج السحر بالقرآن، فبعد محاولات كثيرة للتواصل معه عبر الهاتف، طلب صورة شخصية للكشف عنها، مثل الدجال السابق.
بعد إرسال الصورة الشخصية أكد أنه يسكن جسدها "جن عاشق" ويجب المعالجة منه على الفور؛ لأنه من الممكن أن يتسبب فى أضرار قد تودى بحياتها، ومن الأعراض التى تنشأ بسبب الجن العاشق، ورم الجسد وضيق النفس وغير ذلك، الأمر الذى دفعه لطلب مقابلة فى أسرع وقت، ولكن رفض بشتى الطريق أن تكون المقابلة فى منزله، الذى يجرى فيه مهنته المخالفة للشرع والقانون.
"علاجى غالى ومش هتقدرى عليه".. بهذه العبارات رد الشيخ "مصطفى" على محرر بلدنا اليوم، الذى لجأ إليه وعلى أمل إيجاد علاج للمعاناة التى يعيشونها خلال الأيام الماضية، ولكنه رفض فى بدء الأمر مؤكدًا أنه يعمل مع أشخاص معينين يدفعون له الكثير من الأموال التى يطلبها، وبعد إلحاح طويل، نظر الدجال بعين الرحمة ووافق على المعالجة لتظهر المفاجأة فى النهاية مع أولى الطلبات التى تشبه السابقين.
"ابعتى صورتك" على الفور نفذنا مطالبه ووصلته الصورة فى بضع ثوانٍ، ليرد الآخر بأن صاحبة الصورة يسكن جسدها "جن عاشق" ولا بد من معالجتها بالقرآن على الفور لإخراجه من جسدها؛ لأن الأمر يتطور تدريجيًا، مع أن الصور التى أرسلناها إلى جميع الدجالين السابقين، ليست صور الشخص الذى يتحدث، ولكن حصلنا عليها من خلال مواقع التواصل الاجتماعى.
ممسوس من جن قبطى وتعالج بالقرآن
محروس شاب فى الخامسة والعشرين من عمره، ملامحه دقيقة رقيقة، مفتول العضلات، أنيق يظهر فى كل حالاته بشكل منسق للغاية، اعتاد الذهاب يوميًا عقب صلاة العشاء، إلى صالة الجيم فى منطقة مجاورة من بلدته بمحافظة البحيرة، ويعود فى منتصف الليل بعد قضاء ساعات بالتدريب للحفاظ على هيئته، ولكن القدر فى يومٍ ما، أراد أن يفسد تلك المسيرة التى اعتاد عليها منذ قرابة عامين.
بعد الانتهاء من التمرين فى أحد الأيام عاد بعد منتصف الليل ماشيًا على قدمه بسبب عدم وجود سيارات، الطريق مظلم للغاية بين ترعتين ممتلئتين بالمياه، حيث فوجئ بحفرة كبيرة بجانب الطريق وقع فيها، مما أصابه بخضة- على حد تعبيره- كادت أن تشيب شعر رأسه، الأمر الذى تدهورت على خلفيته حالته الصحية والمعنوية، عاد إلى منزله مهرولًا لا يستطيع النوم، أصبح لا يصلى كعادته، تملكته حالة مرعبة عندما يستمع إلى القرآن، عيناه تحدقان بشكل مخيف، ويكسر فى كل شىء يقابله فى المنزل، استمر على هذا الحال شهورًا لا يعرف أحد ما أصابه.
لم يستطع والده الجلوس هادئًا طيلة هذا الوقت عرضه على عدد من الأطباء النفسيين، ولكن الأمر لم يجد، فهو يجلس فى حالة طبيعية معهم، وعندما يستمع إلى قرآن تنقلب حالته رأسًا على عقب، حتى أنه من الممكن أن يتطور به الأمر بأن يضرب أحدهم.
وقتها تأكدوا بأن هناك شيئًا يؤثر عليه عند سماع القرآن، وعلى الفور استعانوا بإمام المسجد الذى كشف سر تدهور حالة محروس منذ أن جلس معه فى أول مرة، حيث بدأ يحدثه بالقرآن، فقابله الآخر بالاعتداء عليه بالضرب، فتأكد الشيخ بأنه ممسوس من قبل جن من طائفة قبطية ولا يحب القرآن، ومنذ ذلك الحين بدأ الشيخ فى معالجته مرة تلو الأخرى حيث نجح بعد عدة مرات فى إخراج هذا الجن من جسده.
يقول محروس: مررت بظروف صعبة للغاية خلال هذه الفترة، كنت لا أستطيع سماع القرآن، ولا أحب الصلاة، وعندما تحدثنى والدتى عن هذا أحاول التخلص منها، ولكن بعد أن جلست مع إمام المسجد لعدة مرات، وقرأ على أجزاء من القرآن، عدت إلى طبيعتى، مضيفًا: "المكان اللى وقعت فيه، وأنا راجع من الجيم، وقعت فيه حادثة ومات فيها جميع أفراد السيارة، وكان يوجد بقايا جثث فى هذا المكان لم يعثر عليها المسعفون".
السحر والقرين موجودان
الدكتور عبد الله رشدى الداعية الإسلامى، قال إن السحر والحسد موجودان بالفعل، ومذكوران فى القرآن الكريم، كما أن القرين مذكور أيضا، لافتا إلى أن الشخص الذى يصاب بالسحر أو الحسد يجب أن يعالج بالقرآن الكريم وهذا العلاج الصحيح، يقوم المعالج بالرقية الشرعية للسحر والحسد، ومن يقوم باستخدام أى شكل آخر من أشكال العلاج بغير القرآن فهو نصب واحتيال، ضاربا مثالا "اقفى على الطشط دا شوفى القمر دا أو ابعتى صورتك واسم أمك كذا"، هذا كله نصب واحتيال و"خزعبلات".
وأضاف أن من يعالج بأى شىء آخر غير القرآن الكريم فهو كذب واحتيال على الأشخاص؛ لأنه يوجد من يفعل ذلك وهو طلب صور واسم الأم يكون هذا خارج عن القرآن وهذا ليس علاجا، مستشهدا بقوله تعالى "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ" سورة (38)، وفى سورة ص قال تعالى "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ" (41)، الجن موجود بالفعل ولكن علاج هذا هو القرآن فقط ولا شىء آخر كما يدعى البعض.
وأوضح الداعية الإسلامى، أن الصفحات المنتشرة الآن على مواقع التواصل الاجتماعى هى نصب واستغلال للمواطنين، مطالبا أولياء الأمور بعدم الانسياق وراء هؤلاء الدجالين ولا بد من البعد عنهم، قائلا "من يقوم بفعل هذا ويتحدث باسم أن العاشق الذى يمتلك الفتاة لا يخرج من جسدها إلا بالطرق التى يستخدمها وهى البخور والأفعال الأخرى فهو كذب واحتيال ونصب".
صفحات مشبوهة
أكد اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الخارجية الأسبق والخبير الأمنى، أن أمن المعلومات يستهدف فى المقام الأول الصفحات التى تنشأ على مواقع التواصل الاجتماعى، لتحريض المواطنين على السلطات الأمنية، وبث الأفكار الإرهابية المتطرفة التى تسعى إلى خلق فتن بين الطوائف الدينية.
أضاف أن الصفحات التى تستخدم للنصب من خلال الادعاء بالمعالجة بالقرآن والشفاء من السحر وغير ذلك، لا يتم التعامل معها إلا من خلال البلاغات المقدمة من المواطنين، والتى تفيد باستخدام هذه الصفحات بالنصب عليهم، ويكون ذلك فى الإدارة العامة للمعلومات والتكنولوجيا، وعلى خلفية البلاغات يتم تتبع هذه الصفحات حتى الوصول إلى أصحابها.
أشار نور الدين إلى أن هذه الصفحات المشبوهة تكون بأسماء مستعارة وفى الغالب ترسل من دول خارجية، وهدفها بث الفتن بين المواطنين، مؤكدًا: أنه يجب أن تتم متابعة الصفحات المشبوهة منذ بداية إنشائها ورصد نشاطاتها لحظة بلحظة، وإذا كانت تبث من داخل مصر، فيجب استئذان النيابة والقبض على أصحابها على الفور، وإذا كانت من الخارج فيجب التحذير منها من خلال بيانات من الجهات المعنية بذلك.
وقال الخبير الأمنى إن الأمر لا يتوقف على الصفحات الإلكترونية فقط، ولكن يوجد قنوات تليفزيونية تبث إعلانات جنسية وغيرها، دون وجود رقابة تحاسبها على ذلك، من المجلس الأعلى للإعلام والجهات المعنية، ويجب أن يكون هناك توعية من الجهات المختصة للمواطنين وتحذيرهم من هذه الصفحات والوسائل المحرضة.
البلاغ أولا
ويؤكد أحمد غانم نقيب بمباحث الإنترنت، أن هناك تفاعلا مع البلاغات المقدمة من المواطنين، إلا أنه لا بد من الإبلاغ عن هؤلاء الذين يقومون بالنصب على المواطنين، وعمل محضر لهم داخل أقرب قسم، حتى تستطيع مباحث الإنترنت اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
أضاف أنه توجد بلاغات كثيرة، ويتم أخذ الإجراءات ضدها وهذا ما ينص عليه القانون الجديد للرقابة على الإنترنت قائلًا: "الدولة مش هتتحرك غير ببلاغ"، مضيفًا أنه يتم تتبع الصفحات المشبوهة منذ إنشائها ويتم التعامل معها قانونيًا.
أرقام خطيرة
المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، كان قد أعلن فى دراسة العام الماضى، حول الدجالين، أن أكثر من 500 ألف شخص مصرى يعملون فى "الدجل والشعوذة"، من بينهم 87% يستغلونها فى النصب على المواطنين بمختلف المحافظات، كما أصبحت مصدرًا آخر لفتح باب رزق كبير للعطارين الذين يعملون بالبخور والأعشاب التى يستغلها الدجالون.
الإحصائيات التى ذكرتها الدراسة، أكدت أنه رغم الظروف الاقتصادية السيئة التى تمر بها مصر إلا أن أكثر من 60% من المواطنين المصنفين تحت خط الفقر، ينفقون أموالهم القليلة على النصابين "المشعوذين"، حيث يتم إنفاق أكثر من 25 مليار جنيه على الدجل والشعوذة، فيما أضافت أن إجمالى الأموال المنفقة على أعمال السحر تصل إلى مليار جنيه تقريبًا كل عام.
وأشارت الدراسة إلى أن المعتقدات التى يسير عليها الكثير من المصريين، جعلتهم يؤمنون بدور الدجالين فى حل المشاكل المستعصية، من خلال أعمال السحر وتسخير الجن، مثل تأخر سن الزواج، أو عدم الإنجاب والعقم، أو علاج الضعف الجنسى، أو المشاكل الزوجية، مؤكدة أن هناك أكثر من 385 طريقة يستخدمها الدجالون فى النصب على المواطنين.
وأوضحت أن الفئات الأقل دخلا هى الأكثر تعرضًا لعمليات النصب من الدجالين؛ لإيمانهم الكبير بالسحر، وتصل نسبتهم إلى 68%، بالإضافة إلى أن هناك نسبة كبيرة الأثرياء وأصحاب الطبقات الراقية فى المجتمع لعمليات نصب من قبل الدجالين والمشعوذين.
عدم اتزان نفسى
وحلل الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى، شخصية الذين يلجأون إلى الدجالين لمساعدتهم، بأنها شخصية هيسترية إيحائية، تبحث عن ملجأ بسبب الضغوط الحياتية التى تؤرقه من الحياة، سواء ضائقة مالية، أو خلافات أسرية أو غير ذلك، وفى الغالب يبحثون عمن ينجيهم، رغم أنهم يعلمون بأن شفاءهم ليس فى يد هؤلاء الدجالين، ويعلمون بأن هؤلاء الأشخاص مدعو العلاج بالقرآن يزاولون هذا العمل من أجل الكسب فقط وليس معالجة الناس.
وأكد أن هناك أشخاصا لا يحبون تناول الحبوب والعلاج، وفئات أخرى لا تفضل التعامل مع دكاترة الطب النفسى، وبالتالى يلجأون إلى مستغلى القرآن فى العلاج، ولكن فى النهاية هذا ينشأ من خلال الجهل والطمع، وينتهى المطاف فى أغلب الأوقات بالنصب عليهم ووقوعهم فى شباك النصب والدجالين.
وأضاف أن معظم من يلجأون إلى الدجالين فى مصر هم الفتيات اللاتى وقعن ضحية العنوسة، وبالتالى يبحثن عن زوج حتى ولو كان هذه سيأتى عن طريق الدجالين والنصابين.
وأشار إلى أن هؤلاء الأشخاص يسلكون طرقا غير سوية؛ لأنهم لو سلكوا الطريق الصحيح لن يتحقق لهم ما يتمنون، ولكن الدجالين يتلاعبون بالأوهام، فيوهمون الأشخاص بتحقيق الشفاء أو الزواج أو الغنى، فى الأيام المقبلة مقابل دفع الأموال، وبالتالى تتحقق الجريمة كما يريدها الدجالون بالضبط.
وأمَّا عن شخصية الدجالين ذاتهم، فيقول فرويز إن هؤلاء أشخاص ليس لديهم شعور وأحاسيس، وعندهم لا مبالاة وبالتالى هم قادرون على استغلال أى شىء مقابل تحقيق المكاسب والأموال، وسيكرر نفس الخطأ ولن يتعظ من الذنوب التى يرتكبها.
وعن معالجة هذه الظاهرة التى تؤرق المجتمع المصرى، أكد فرويز أنها لن تنتهى إلا من خلال زيادة الوعى وتثقيف المجتمع، من خلال الجهات المعنية، وخاصة بالتركيز على محدودى التعليم والأميين فى المناطق العشوائية والريفية، وأيضًا العمل على الحد من الصفحات والقنوات التى تبث ذلك، وتهديدها بالغلق إذا لم تصلح من محتواها الذى تقدمه إلى المجتمع.
ورأى فرويز أن انخفاض المستوى الثقافى للمجتمع هو الذى أدى إلى انتشار الدجل والشعوذة، ويؤكد أن لجوء المواطنين إلى الدجالين والمشعوذين ظناً منهم أنهم قادرون على حل مشاكلهم، موروث قديم من المورثات التى توارثتها الأجيال، مؤكدا أنها قد لا ترتبط بالمستوى العلمى للأفراد، وأن بعض المتعلمين فى المجتمع يلجأون إلى الدجالين والمشعوذين.
وتابع: لقد استقبلت بعض الحالات المرضية التى ترددت على دجالين ومشعوذين، وكان من بينهم أبناء أطباء كبار، وتبين بعد الفحص والكشف الطبى على إحدى الحالات أنها تعانى من مرض الزهايمر، وعلى الرغم من ذلك ظن ولى أمرها، أنها تعانى من مس يجعلها تفقد الذاكرة، وتحتاج إلى علاج روحانى.
وعن استغلال بعض الدجالين للسحر والشعوذة فى إقناع ضحاياهم بممارسة الجنس معهم، يقول "فرويز" إن بعض الدجالين يقنع ضحاياه من النساء بأن طاقتهن ضعيفة، وأن هذه المشكلة تسبب الوسواس أو الاكتئاب والأمراض النفسية والعضوية، ومن أجل القضاء على تلك المشكلة، يجب عليها ممارسة الجنس مع شخص ذى طاقة قوية حتى تنتقل إليها قوة طاقته، ويقنعها أنه يملك قوة الطاقة، مؤكدا أن بعض السيدات يقعن فريسة لهذه الأكاذيب.
صفحات للنصب
قال النائب إيهاب الطماوى أمين سر لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، إن مواقع التواصل الاجتماعى، الغرض منها التواصل بين الأشخاص بعضهم البعض، لافتا إلى أنه لا يجوز استخدام السوشيال ميديا فى علاج المرضى.
وأشار إلى أن صفحات الدجل والشعوذة التى يستخدمها البعض ما هى إلا نصب من قبل الدجالين والمشعوذين الذين يقومون باستغلال الناس بأنهم مرضى ولا بد من علاجهم فى أسرع وقت حتى لا تسوء حالتهم، مؤكدا أن هذه الأعمال يعاقب عليها القانون .
وأوضح أمين سر اللجنة، أن قانون العقوبات يجرم مثل هذه الأفعال والتى تصنف على أنها نصب، لافتا أن العلاج من السحر والجن العاشق وهو نوع من أنواع النصب والاستفادة منها هو الركن المادى، وبالتالى استخدام شبكات التواصل الاجتماعى بطرق غير مشروعة يحق العقاب عليها، ولا بد من عقاب مرتكب هذه الأفعال بالعقوبة المنصوص عليها فى القانون، وهى الحبس لمدة ٣ سنوات مع الشغل والنفاذ.
وأكد "الطماوى" أن استخدام شبكة التواصل الاجتماعى لهذا يعتبر ترويجا لأفعال مخالفة للقانون، ضاربا مثالا "نشر عمليات مصطنعة يدعون فيها الأمراض أو غير ذلك فهذا يعد جريمة أخرى"، لافتا إلى أن قانون العقوبات المصرى يجرم هذه الأعمال التى يقوم بها الدجالون والنصابون، وأن العقوبة تكون بالمادة ٣٣٦ من قانون العقوبات.
الحبس 5 سنوات
قال الدكتور فؤاد عبد النبى الخبير القانونى، إن استغلال الدجال مواقع التواصل الاجتماعى للعلاج باسم الدين، هو نوع من أنواع النصب والاحتيال؛ لأنه يقوم بنشر صورة واقعة صحيحة بواقعة غير صحيحة، فتعريف النصب أنه خداع المجنى عليه بإحدى وسائل التدليس المحددة قانوناً.
وأوضح أن المادة 336 من قانون العقوبات، تنص على أنه "يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول وكان ذلك لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل بحدوث ربح وهمى أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور وإما بالتصرف فى مال ثابت أو منقول ليس ملكاً له ولا له حق التصرف فيه وإما باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، حدد المشرع وسائل التدليس على سبيل الحصر وهى الطرق الاحتيالية واتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، وبناء عليه لا تقوم الجريمة إلا إذا لجأ الجانى إلى إحدى هذه الوسائل.
أما من شرع فى النصب ولم يتممه فيعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة ويجوز جعل الجانى فى حالة العود تحت الملاحظة مدة سنة على الأقل سنتين على الأكثر.
وتابع أن هذه الحيل من الممكن أن تدخل تحت طاولة الأعمال الإرهابية؛ لأن المشرع فى قانون الإرهاب 94 لسنة 2015 تحدث عن الحبس 5 سنوات لمن روج أو حاول الترويج بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لارتكاب أى جريمة سواء بالقول أو الكتابة أو أى وسيلة أخرى، والترويج للأفكار والمعتقدات.
أفعال مخالفة للسنة النبوية
قال الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى السابق: إن الدجل والشعوذة لم تكن وسيلة الأميين والجهلة فقط، ولكنه سيطر على قلوب المتعلمين أيضًا، حيث قال الرسول –صلى الله عليه وسلم- "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ فَصَدَّقَهُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً".
وأكد الأطرش أن الله سبحانه وتعال لا يعطى علمه لأحد، ولو أعطى لكان أولى به الملائكة أو الأنبياء، واستشهد بالآية: "إنىَّ أعلم ما لا تعلمون" والله هنا يخاطب الملائكة، مضيفًا: أنه لا أحد يعلم غيب السماوات والأرض إلا الله، وبالفعل يوجد علاج بالقرآن ولكن أن يعالج الإنسان نفسه بنفسه مستشهدًا: "وننزل من القرآن ما هو شفاءً للناس".
وتابع أن هؤلاء الدجالون يختلون بالنساء، ويضعون أيديهم على أجسادهن، وهذا يخالف السنة النبوية؛ لأن النبى نهى عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، ولو كانت عجوزا يأكلها التراب.
وأضاف رئيس الفتوى الأسبق، أنه انتشر مؤخرًا ما يسمى بعلم الأبراج، ويظهر ذلك على شاشات التلفاز، وهذا ليس علمًا من الأساس، ولكنها وسيلة للدجل والنصب على المواطنين، فعلم الفلك معروف منذ القدم عند العرب وغيرهم، وفقًا لقوله تعالى: "وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون".
واستطرد أن الحكم الدينى فى ذلك واضح وصريح وفقًا لما جاء فى الحديث النبوى: "يا عائشة كذب المنجمون ولو صدقوا"، وقول الله تعالى: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام".
وتابع: أن حيل الدجالين من قول "جن عاشق وقرين" كاذبة؛ لأن الجن مخلوق من نار والإنسان خلق من طين فكيف يختلط النار بالطين؟، مضيفًا لا يوجد شىء يسمى لبس، أن يلبس جن شخصا ويتحدث من جسده، هذا كذب وليس صحيحا، حيث يقول الله "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ".