شهدت أسعار الذهب قفزات كبيرة خلال الأسابيع القليلة الماضية حيث سجلت رقم قياسي جديد في تاريخها على الإطلاق متجاوزة الرقم القياسي السابق الذي تم تسجيله في عام 2011، وسط توقعات باستمرار الزخم الصعودي للذهب خلال الأشهر القليلة المقبلة، حيث من المحتمل أن يتجاوز مستوى 2000 دولار للأونصة.
هناك عوامل عديدة هي السبب في المكاسب الكبيرة للذهب منها تراجع الدولار الأمريكي والمزيد من الاجراءات التحفيزية الواسعة من قبل الحكومات والبنوك المركزية الكبرى والتضخم.
كما ارتفعت أسعار النحاس في سوق تداول السلع خلال الفترة الماضية مسجلة أعلى مستوياتها في عامين، حيث يتلقى الدعم من تزايد الطلب على شرائه مع استمرار العديد من البنوك المركزية الكبرى والحكومات في بعض دول العالم في تقديم مزيدًا من الإجراءات التحفيزية الداعمة للاقتصاد ضمن خططها لمحو الآثار التي خلفتها جائحة فيروس كورونا.
ودعم أسعار النحاس أيضًا الأخبار التي أفادت باحتمالية حدوث اضراب في مناجم النحاس في تشيلي أكبر منتج للنحاس في العالم مع المخاوف المتزايدة من انتشار فيروس كورونا، مما سيؤدي إلى نقص الانتاج الذي بدوره سيؤثر ايجابيًا على الأسعار.
وقفز النحاس بأكثر من 50% منذ أدني مستوياته التي سجلها في آذار/ مارس الماضي ليصل إلي 6633 دولار للطن في تموز/ يوليو وهو الأعلى منذ عامين.
العوامل التي ساعدت على الارتفاع
إن القفزات الكبيرة التي حققتها أسعار الذهب في الأسابيع القليلة الماضية جاءت نتيجة للعديد من العوامل أهمها، الخسائر الكبيرة التي تكبدها الدولار الأمريكي أمام أغلب العملات الرئيسية والثانوية حيث سجل أدنى مستوياته في عامين، وسط شكوك متزايدة من اتخاذ الحكومة الأمريكية تدابير تحفيزية لدعم اقتصادها المتضرر من جائحة فيروس كورونا، خاصة مع تصاعد نبرة الاختلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في حجم الإجراءات التحفيزية.
جاء الموقف الأمريكي مغايرًا لموقف الاتحاد الأوروبي الذي كشف مؤخرًا عن موافقة قادة دول الاتحاد على صندوق التعافي الاقتصادي البالغ قيمته 750 مليار يورو لدعم الدول الأوروبية الأكثر تضررًا بجائحة فيروس كورونا، مما زاد من الآمال في التعافي السريع للاقتصاد الأوروبي الذي يواجه أسوأ ركود منذ الكساد الكبير، وقد وضع المستثمرون الموقف الأمريكي في مقارنة مع الموقف الأوروبي تجاه السياسة التحفيزية مما زاد من الضغوط على الدولار الأمريكي.
زادت مخاوف المستثمرين حيال صحة الاقتصاد الأمريكي في ظل البيانات الاقتصادية المتضاربة واستمرار ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، وابقاء البنك الاحتياطي الفيدرالي على سياسته النقدية دون أية تغييرات في اجتماعه الأخير حيث اكتفي باستعداده لاتخاذ كافة التدابير الممكنة لدعم الاقتصاد، وقد أثقل موقف البنك الاحتياطي النقدي على الدولار الأمريكي الذي انخفض إلى أكثر من أدنى مستوي في عامين.
وقد زادت التوترات بين الولايات المتحدة والصين مؤخرًا حول التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، وتجدد التوترات التجارية بين البلدين مرة أخري.
يعتقد الخبراء أن مخاوف الأسواق الكبيرة تأتي من التوقعات بالارتفاع المطرد للتضخم، نتيجة اجراءات الإغاثة التي وضعها البنك الاحتياطي الفيدرالي وفواتير التحفيز التي تقدر بمليارات الدولارات.
مكاسب الربع الثاني
حققت أسعار الذهب مكاسب كبيرة في الربع الثاني بنحو 9.2% ليرفع بذلك مكاسبه النصف سنوية إلى 14% في النصف الأول من عام 2020.
بعد صعوده من أدنى مستوى في مارس عند 1498 دولار للأونصة ارتفع الذهب بثباتمنهيًا فترة الثلاثة أشهر بالقرب من 1800 دولاروهو الأعلى منذ أيلول/ سبتمبر 2011.
بدأ الربع الثاني بتداول الذهب عند 1621 دولار أمريكي مدفوعًا بالسياسات التحفيزية الواسعة، والتي دفعت المستثمرين نحو فئة الأصول الآمنة، لأن المستثمرون كانوا يبحثون عن مكان أكثر أمانًا مع الانتشار السريع العالمي لكوفيد19.
وبحلول نهاية أبريل أضاف الذهب 3.9% إلى قيمته لينهي المعدن الأصفر الشهر عند 1685دولار وهو أعلى مكسب شهري على مدار الربع.
واستمر الذهب في الارتفاع مواصلًا مكاسبه الشهرية ليقفز لمستويات لم يسجلها في تاريخه متخطيًا 1950 دولار للأونصة في شهر تموز/ يوليو الماضي، الذي سجل فيه مكاسب بأكثر من 11% بأكبر مكسب شهري منذ آب/ أغسطس 2011.
العلاقة بين الذهب والنحاس
يوجد اختصار بسيط لتتبع صحة الاقتصاد العالمييطلق عليه نسبة النحاس إلى الذهب،في الظاهر لا يبدو أن أسعار الذهب والنحاس لها علاقة مباشرة ببعضها البعض،ومع ذلك ، يميل الذهب والنحاس إلى التحرك في نفس الاتجاه معظم الوقت، ومع ذلك، عندما تكون أسعارها متصلة فإنها تنتج مؤشرًا رائعًا عن أداء الأسواق وأسعار الفائدة على وجه الخصوص، والأهم من ذلك أنها مؤشرات جيدة لما ستفعله الأسواق والمعدلات في المستقبل، فإذا كنت تريد أن تعرف كيف يعمل الاقتصاد العالمي تتبع هذا المؤشر البسيط.
النحاس معدن صناعي يزداد الطلب خلال الفترات التي يرتفع فيها الناتج الاقتصادي، والذهب هو مخزن ذو قيمة مع استخدامه في تطبيقات صناعية محدودة، وقد سمحت هذه الاستخدامات المختلفة للمعادن لمؤشرها"CGR" ليكون بمثابة مقياس دقيق للنمو العالمي.
ويتم احتساب نسبة مؤشر النحاس للذهب (CGR) بقسمة سعر السوق للنحاس على سعر السوق للذهب.
انخفاض قيمة المؤشر تظهر اقتصادًا ضعيفًا بينما تظهر القيمة المرتفعة اقتصادًا قويًا، ومع ذلك فإن سر فهم هذه النسبة ليس في القيمة الحالية، ولكن معرفة الاتجاه المستقبلي للوضع الاقتصادي.
فعندما تكون أسعار الذهب مرتفعة فهذا يشير إلى أن الاقتصاد ليس بصحة جيدة، حيث يشتري المستثمرون الذهب كحماية من أزمة اقتصادية أو تضخم، بينما تعني أسعار الذهب المنخفضة أن الاقتصاد سليم، حيث يمتلك المستثمرون العديد من الاستثمارات الأخرى الأكثر ربحية مثل الأسهم والسندات والعقارات.