حمل الاتفاق الذي وقعته وزارة التضامن الاجتماعي، مع وزارة المالية، بشأن سداد أموال التأمينات والمعاشات المستحقة لصالح الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بصندوقيها تطبيقا للمادة رقم 111 من القانون رقم 148 لسنة 2019 بإصدار قانون التأمينات والمعاشات، الصادر بتاريخ 19 أغسطس 2019، بشرى سارة لأصحاب المعاشات نظرًا لأنه يحمل في طياته ضمانات عديدة، لفض التشابكات المالية ورد أموال أصحاب المعاشات لأصحابها.
وأتت تلك التحركات نتيجة توجيهات وتحركات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن رد أموال أصحاب المعاشات لأصحابها، بعد عدة تحديات وعواقب أدت إلى تكدس مديونية التأمينات لدى المالية، وخلال السطور التالية نرصد التطورات وكل ما يخص تفصيل المديونية.
قصة مديونية التأمينات
تعود أزمة أموال التأمينات الاجتماعية مع الحكومة لعام 1980 مع إنشاء بنك الاستثمار القومي، الذي كان يتبع وزارة المالية سابقا، ويتبع حاليا وزارة التخطيط، وضمن مهامه استثمار أموال صناديق التأمينات، ومنذ هذا التاريخ أصبحت أموال التأمينات بالكامل تابعة لوزارة المالية.
وفي 2005 صدر قرار بضم وزارة التأمينات الاجتماعية إلى وزارة المالية، على أن يكون وزير المالية هو الوزير المختص بتنفيذ تشريعات التأمين الاجتماعي ويحل محل وزير التأمينات.
وبعد هذا القرار أنشأ وزير المالية الأسبق، يوسف بطرس غالي، حسابا بنكيا موحدا أضاف فيه العمليات المالية الخاصة بصناديق التأمين الاجتماعي إلى العمليات المالية لقطاع الموازنة العامة للدولة وبنك الاستثمار القومي بداية من يوليو 2006.
وبعد ثورة 25 يناير، أصبحت هيئة التأمينات الاجتماعية تابعة لوزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية التي تم استحداثها في حكومة كمال الجنزوري، والتي تغير اسمها فيما بعد إلى وزارة التضامن الاجتماعي.
وبعد تغيير تبعية الهيئة، طالبت النقابة المستقلة لأصحاب المعاشات باسترداد أموال التأمينات التي بحوزة المالية.
أزمة التشابك المالي
التشابك المالي جاء نتيجة العديد من العوامل، منها أنه كان هناك قانون 119 لسنة 1980 يلزم بنك الاستثمار القومي بأن الجهات الحكومية عليها أن تودع فوائد أموالها بنسبة قدرها 95% من أموال بنك الاستثمار القومي ، وكانت العوائد التي تأتي من بنك الاستثمار تتراوح مابين 9لـ11%، ولم تعط الهوائد في ذلك الوقت على الأمول مباشرة، فكان بنك الاستثمار يرسمل العوائد، حيث كان يضع العوائد على أصل المبلغ، ويبدأ بدفع الفوائد من جديد، لأن بنك الاسثمار القومي في هذا الوقت كان يأخذ أموال التأمينات ويبدأ يقرضها لبعض الجهات الحكومية التي تقوم بعمل تنمية داخل البلد.
أما التشابك الثاني فكان من الخزانة العامة والمالية، وقد جاءت نتيجة الزيادات السنوية وهي أن الدولة منذ هام 1978، قررت منح زيادات سنوية، وقامت الدولة بعمل ذلك نتيجة أن القوانين الاجتماعية الحالية لايوجد بها مواد قانونية تنص أن المعاشات تزيد، كما أن المادة 8 تنص على أنه لو كان هناك فائض اكتواري يسد العجز، ولو كان خلل مالي ، والباقي من الأموال يتم عرضه على رئيس الجمهورية، وإصدارقرار بزيادة المعاشات"، وكانت الدولة تتدخل وتصدر تلك التشريعات وتعطي زيادة سنوية، ونتيجة الزيادات السنوية المالية في بعض الأحيان لم تسدد الالتزامات الناتجة عن الزيادات السنوية مما أدت إلى زيادة المبالغ المالية.
ونتيجة تلك الزيادة المالية اندمج معها بنك الاستثمار القومي والهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية وأصبحوا كيان واحد في عام 2006، وفي وقت عدم سداد بنك الاستثمار العوائد حدث عجز في صندوق التأمينات الاجتماعية العام والخاص، فلم يكن معه أموال لسداد المعاشات، وتدخلت المالية وقررت نقل مبلغ من المديونية من بنك الاستثمار القومي لوزارة المالية، وهذا المبلغ سيكون له عائد استثماري والتحصيل سيكون "كاش" ، ووصل إجمالي المبلغ لـ 198مليار جنيه.
تكدس الأموال
وأدت التشابكات المالية إلى تحمل الخزانة العامة جزء كبير من الأموال بنسبة 60% والصناديق تتحمل 40 %.
تدخل الرئيس
في مارس الماضي، وجه السيسي الحكومة برد إجمالي المديونية المستحقة لصناديق المعاشات طرف وزارة المالية وبنك الاستثمار القومي، من خلال إعداد تشريع خاص ينظم تلك الإجراءات. وقال بيان لرئاسة الجمهورية إنه من المقرر أن يبدأ تنفيذ التسوية اعتباراً من موازنة العام المالي الجديد 2019-2020.
تحركات حكومية
شكلت وزارة المالية لجنة من الجهات الثلاثة لحصر هذه الأموال على أن تعرض نتائج الدراسة والحصر على الرئيس عبدالفتاح السيسي.
في المقابل، بدأت وزارة التضامن الإجتماعي التفكير في إنشاء كيان تكون مهمته استثمار أموال التأمينات والمعاشات بعد استردادها من وزارة المالية.
وأعلن محمد سعودي،رئيس صندوق التأمين الاجتماعي للعاملين بالقطاع الحكومي، في حوار له أجرته صحيفة بلدنا اليوم، أن حجم المديونية المستحقه والتي تتكون من جزأين أولهما تتمثل في أموال التأمينات، والثانية هي التزامات وزارة المالية تجاه أصحاب المعاشات والتي لا تسددها وزارة المالية، مضيفا أن أموال التأمينات تتكون من الصكوك ووديعة ببنك الاستثمار القومي ومديونية تحت التدقيق، وإجمالي هذه الأموال 640 مليار جنيه.
وأكد أن الدراسة التي أعدتها وزارة التضامن الاجتماعي وأقرها الجهاز المركزي للمحاسبات، انتهت بالتزام وزارة المالية والخزانة العامة بسداد الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي قسط سنوي قدره 160 مليارجنيه ونصف، تزاد بـ5.7 مركبة سنوية لمدة 50 عامًا.
قانون التأمينات والمعاشات الجديد
كان قد صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي، على قانون التأمينات والمعاشات الجديد، والذي حمل رقم 184 لسنة 2019، والذي يعد أهم التشريعات التى أقرها مجلس النواب، بدور الانعقاد الرابع والذى جاء متوافقاً مع نصوص الدستور ومعالجاً للثغرات الموجودة بالتشريعات الحالية ومتوافقًا مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية فى مجال الحماية الاجتماعية، جنباً إلى جنب أنصاف العاملين بتضمينه عددًا من المزايا الاجتماعية لأصحاب المعاشات.
ظلت الحكومة تبحث عن طريقة من أجل تنفيذ توجيهات الرئيس السيسي برد مديوينة التامينات والمعاشات، حتى استقرت على تخصيص بابًا كاملًا بمشروع قانون التأمينات الموحد والتي تقدمت به الحكومة للبرلمان، وذلك لفض التشابك بين أموال هيئة التأمينات الاجتماعية ووزارة المالية.
وألزم مشروع القانون، الخزانة العامة للدولة بتقسيط قيمة أموال التأمينات على 50 سنة، بواقع 160.5 مليار جنيه قسطًا سنويًا يزاد بنسبة 5.7% مركبة سنويًا.
موافقة برلمانية
في 10 يوليو الماضي، وافق مجلس النواب على مواد مشروع قانون التأمينات والمعاشات المقدم من الحكومة، في مجموعه، وقرر إحالته إلى مجلس الدولة لمراجعته تمهيدا لإصداره بشكل نهائي ومن ضمن المواد التى تمت الموافقه عليها المادة 111 والخاصة بفض الإشتباك بين وزراتي المالية والتضامن بخصوص أموال المعاشات .
في 22 أغسطس الماضي نشرت الجريدة الرسمية في عددها رقم 33 مكرر (أ) الصادر بتاريخ 19 أغسطس 2019 تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي على القانون رقم 148 السنة 2019 بإصدار قانون التامينات الاجتماعية والمعاشات وبذلك دخل القانون حيز التنفيذ.
وبعد 170 يوما من توجيهات الرئيس، شهد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مراسم توقيع اتفاق بين وزيرة التضامن الإجتماعي، ووزير المالية، بشأن الإطار العام لتطبيق المادة رقم 111 من القانون رقم 148 لسنة 2019 بإصدار قانون التأمينات والمعاشات، الصادر بتاريخ 19 أغسطس 2019.
اتفاق تاريخي
صرحت وزيرة التضامن الاجتماعي بأن الاتفاق مهم جدا وتاريخي، ويعتبر الخطوة الأولى التي ستستمر لسنوات لفض التشابكات المالية المزمنة، موضحة أن اتفاق اليوم يساهم في فض التشابكات بين وزارة المالية والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بصندوقيها، تنفيذاً لقانون قانون التأمينات والمعاشات الذي صدر منذ أسابيع قليلة، والذي تصدى بشكل جذري لحل مشكلة التشابكات المزمنة.
وأوضحت الوزيرة أنه بناء على هذا الاتفاق سيتم سداد المديونية والفوائد والالتزامات للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بصندوقيها، لافتة إلى أن المبلغ الذي يتم تقسيطه هذا العام يبلغ نحو 160.5 مليار جنيه، وهذا المبلغ سيستمر سداده بزيادة 5.7 % مركبة سنوياً، لمدة 50 سنة، هذا المبلغ تم تحديده بعد دراسات مطولة من أطراف متعددة، وهو ما يغطي هذه المديونية، ويفض التشابكات ويفض التداخل.
المديونية
من جانبه أوضح وزير المالية أن الوزارة تلتزم في ضوء هذا الاتفاق بسداد القسط السنوي الأول للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، البالغ 160.5 مليار جنيه، على أجزاء شهرية، بقيمة 13.375 مليار جنيه لكل جزء، عن السنة المالية الحالية 2019/2020.
وأضاف أن وزارة المالية تلتزم كذلك بإدراج هذا القسط السنوي بزيادة مركبة قدرها 5.7% سنوياً، لمدة 50 سنة، ضمن اعتمادات الموازنة العامة للدولة سنوياً، وتتحمل الخزانة العامة المعاشات الاستثنائية المقررة في ضوء قرار رئيس الجمهورية رقم 71 لسنة 1964 والتي تتقرر اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون، وتتحمل الخزانة العامة أي مزايا إضافية تتقرر بعد تاريخ العمل بهذا القانون وتتحمل بها الخزانة العامة سواء بزيادة المزايا أو استحداث مزايا اضافية لبعض الفئات.
ونوه الوزيران إلى أنه الاتفاق على عقد اجتماع سنوي بين وزيري التضامن الاجتماعي، والمالية، في شهر مارس للوقوف على آلية سداد القسط السنوي اللاحق، وخطة التدفقات المصاحبة للسداد، مؤكدين أن الاتفاق ينص على ألا تُعتمد المُوازنة العامة للدولة من جانب مجلس النواب، قبل التأكد من سداد المديونية القديمة، وتضمين الموازنة للالتزامات الجديدة.