تتجدد لدى الأذهان بين الفينة والأخرى فتنة إرضاع الكبير، تلك القضية التي كانت ومازالت تثير حالة عارمة من الجدل في أوساط المجتمع الإسلامي، فلا تكاد تنخمد تلك الفتنة، حتى يشتعل صداها في الأرجاء مرة أخرى.
إيقاف عن العمل وإحالة للتحقيق
بدأت الفتنة، عندما أفتى الدكتور عزت عطية أستاذ علم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بجواز إرضاع الموظفة لزميلها في العمل حال وجودهما معا في مكتب واحد لمنع وجودهما في خلوة شرعية، ما أدى إلى إصدار قرار من المجلس الأعلى للأزهر، بإيقاف العالم الإسلامي، وإحالته إلى التحقيق من جراء ما صدر عنه وما تناقلته وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، مما آثار البلبلة في الشارع الإسلامي.
غير أن تلك القضية أثارت العديد من نقاط الخلاف في أوساط العلماء، والتي ترجع في أصلها إلى ورود حديث صحيح عن السيدة عائشة رضي الله عنها، عن "أن النبي ﷺ أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالم مولى أبي حذيفة وكان كبيرًا، وكان مولى لدى زوجها، فلما كبر طلبت من النبي ﷺ الحل لهذا الأمر فأمرها أن ترضعه خمس رضعات".
ونتج عن ذلك خلاف بين أقوال العلماء في ذلك، إلا أنه الصحيح والراجح من قول العلماء أن هذا خاص بسالم وبسهلة بنت سهيل وليس عامًا للناس بل هذا خاص بهما كما قاله غالب أزواج النبي ﷺ، وقاله جم غفير من أهل العلم، وهذا هو الصواب لقوله ﷺ: لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ولقوله عليه الصلاة والسلام: إنما الرضاعة من المجاعة رواه الشيخان في الصحيحين، ولقوله أيضًا عليه الصلاة والسلام: لا رضاع إلا في الحولين.
فهذه الأحاديث تدل على أن الرضاع يختص بالحولين ولا يؤثر الرضاع بعد ذلك، وهذا هو الصواب، والله جل وعلا ولي التوفيق. نعم.
علي جمعة يُشعل الفتنة
وتجددت تلك الفتنة، مرة أخرى، برد الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، ذلك في تساؤل إحدى المتصلات ،بشأن استنكارها للسخرية من حديث السيدة عائشة عن إرضاع الكبير.
ورد جمعه خلال حواره مع الإعلامي حسن الشاذلي ببرنامج "والله أعلم" على فضائية "سي بي سي"، مفسرًا الحديث قائلًا: "إن الغلط أنهم يفهموا أن إرضاع الكبير، يجب أن يضع الشخص فمه بثدي المرأة، وإنما المقصود هو وصول اللبن من ثدي المرأة في فنجان أو ما شابه لجوف الرجل".
وأردف مفتي الجمهورية السابق: " كما أنهم في أمريكا بيتبنوا أطفال، وعندما يدخلوا الإسلام حتى لايرموا هذا الطفل في الشارع بعد أن أصبح شاب، نقول لهم إنه ينبغي أن يصل لبن الأم لجوف الشاب بفنجان"
وأكد أن هذا الفهم حتى رفضه الأئمة الأربعة، مشيراً إلى رفضهم لهذا الحديث، وأنه حالة خاصة في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما طالب بإرضاع شاب حتى تذهب غيرة رجل منه، ولم يُعمل به في أمريكا ولا في "مزيكا".
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يشعل بها مفتي الجمهورية السابق هذه الفتنة، بل دائما ما كان يعيد في عدة مناسبات المختلفة، فتح تلك القضية والخوض في شرحها مرات ومرات.
الحديث في مرمى نيران المجددين
لم يكن الحديث مسار جدل عند الأزهر فقط، بل طالته ألسنة المجددين، فتسبب إحدى الحلقات في برنامج “صح النوم” على قناةLTC، المثيرة للجدل حول فتوى “إرضاع الكبير” في مصر، بانسحاب الشيخ عبد العزيز البري، أحد أئمة الأزهر في حلقة على الهواء مباشرة، وكانت مشادة كلامية حادة نشبت بينه وبينه الباحث الإسلامي عبده ماهر.
وانتقد ماهر الشيخ البري بسبب وجود كتاب تفسير للأحاديث والسنة النبوية في معرض الكتاب، يحتوي حديث “إرضاع الكبير”.
وأشار الشيخ الأزهري في هذه الحلقة التي كانت تتناول موضوع ازدراء الأديان، إلى أن هذا الموضوع عبارة عن فتوى خاصة وليست عامة، أفتاها النبي في ذلك الوقت ولم يكن هناك حل آخر في حينها، مضيفاً أنه قد يكون هناك “سنّة صحيحة” أشد من هذا الموضوع المثار.
وقد اتهم البري الباحث عبده ماهر بـ “إثارة الفتنة”، منتقداً أسلوب الحوار والصوت المرتفع وهجوم الباحث على رموز الأزهر. لكن ماهر واصل هجومه متهماً أحد علماء الأزهر بالغباء، ما دفع الإمام الأزهري الى الانسحاب من الحلقة.