شهدت مدينة غريان الليبية، السبت الماضي، مجزرة مروعة عندما اقتحمت عناصر من ميليشيات طرابلس مستشفى غريان، وقامت بتصفية نحو 40 جريحا من عناصر الجيش الليبي، دون أي احترام للمواثيق والقوانين الدولية بشأن معاملة جرحى وأسرى الحروب.
وبالرغم من تفاصيلها الصادمة، فإن تلك المجزرة لم تكن الأولى أو الأخيرة التي ترتكبها الميليشيات الإرهابية في ليبيا، ما لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة لردعها.
جاء ذلك بعد يومين من استعادة ميليشيات طرابلس السيطرة على غريان، التي تعتبر القاعدة الخلفية الرئيسة للجيش الليبي في معاركه جنوب العاصمة، واتهم المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، تركيا بدعم الميليشيات في السيطرة على المدينة.
وبالرغم من نفي حكومة فايز السراج، التي تحظى بدعم من العناصر الإرهابية، التهمة بضلوعها في الهجوم، فإن الصور كانت كفيلة بتأكيد ذلك، مما دفع قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، بتوعدها برد "قاس وسريع".
وفي هذا الإطار، كشف الكاتب والمحلل السياسي الليبي، عبد الباسط بن هامل، تفاصيل بشأن المجزرة، توضح مدى تورط حكومة السراج فيها، قائلاً: "السراج وفتحي باشاغا، الذي يحمل صفة وزير داخليته، يتحملان مسؤولية الهجوم".
وأوضح بن هامل أن السراج وباشاغا "تسترا على الإرهابيين الذين كانوا في مقدمة من نفذوا المجزرة، وهم من أنصار الشريعة ويعرفون في لبيبا باسم (شورى مدينة بنغازي)، وقد هربوا من بنغازي عقب تحريرها وتمركزوا في مناطق غرب ليبيا، وانخرطوا في القتال، ولديهم حقد مضاعف على القوات المسلحة الليبية".
وفيما يتعلق بالأدلة التي تثبت تورط حكومة السراج وميليشياتها في المجزرة، أشار بن هامل إلى وجود صور لبعض الأشخاص الذين دخلوا غريان، منهم شخص يدعى علي الراجحي، وهو مصور كان مرافقا في السابق لوسام بن حميد، أحد أبرز العناصر الإرهابية التي قتلها الجيش في بنغازي.
وتابع: "هذا يؤكد أن العناصر الإرهابية متغلغلة داخل حكومة السراج"، معربا عن "استغرابه الشديد" من عدم صدور إدانات دولية واسعة لتلك الميليشيات ولحكومة السراج.
هذه المجزرة التي ارتكبتها ميليشيات طرابلس، لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبق وأن قتل مدنيون وعسكريون في الجيش الليبي، في هجمات مماثلة شنتها الميليشيات.
تاريخ أسود من المجازر الدموية
ففي 18 مايو من عام 2017، شنت ميليشيات، تابعة لحكومة السراج، هجوما على مقر قيادة اللواء 12 التابع للجيش الوطني الليبي في قاعدة براك الشاطئ، الواقعة على بعد نحو 700 كلم جنوبي العاصمة طرابلس.
وأسفرت عمليات القتل الميدانية التي نفذتها الميليشيات، عن مقتل أكثر من 100 شخص.
ويضم تحالف الميليشيات التي شنت الهجوم، جماعات إرهابية من بقايا تنظيم أنصار الشريعة (القاعدة) وميليشيات متطرفة كالجماعات التي يقودها إسماعيل الصلابي وغيره.
وشهد يونيو 2016، مجزرة أخرى تم تنفيذها بخطة شيطانية، إذ تم الإفراج عن 17 شخصا من المعتقلين السياسيين في سجن الرويمي، الواقع شرقي طرابلس، فقط ليتم إطلاق النار عليهم عقب خروجهم.
يذكر أن 17 سجينا سياسيا كانوا معتقلين في السجن الذي تسيطر عليه "الجماعة الليبية المقاتلة"، حصلوا على أحكام بالإفراج في الأسبوع الذي سبق المجزرة، من قضايا سياسية تتعلق في مجملها بتأييد نظام الزعيم الراحل معمر القذافي.
وفي طرابلس تم العثور على جثث 17 شخصا ملقاة بمكانين مختلفين، حيث وجد عدد منها بمنطقة "وادي الربيع" شرقي المدينة، وأخرى بالقرب من مركز طرابلس الطبي وسط المدينة.
حيث تم السماح لهم بمغادرة سجن "الرويمي"، ومن ثم قامت سيارات مسلحة باللحاق بهم وتصفيتهم رميا بالرصاص على طريق عودتهم لديارهم وحرق جثتين منهم، حسب المصادر.
وفي يونيو 2016 أيضا، وقعت مجزرة أخرى في مدينة القرة بوللي، الواقعة على بعد 61 كم شرق طرابلس، راح ضحيتها نحو 25 شخصا.
وذكرت تقارير ليبية أن المجزرة وقعت بعد اندلاع اشتباكات بين السكان المحليين والميليشيات، تخللها انفجار مخزن للذخيرة.
وأوضحت أن المخزن الذي تعرض للانفجار كان تحت سيطرة جماعة مسلحة من مدينة مصراتة، لكن الجماعة كانت قد تركت معسكرها بعد اشتباكها مع سكان.
وكشف، وقتها، عضو مجلس النواب عن منطقة القره بوللي علي الصول، أن المليشيات "ضربت حاوية ذخيرة كانت موجودة خلف المعسكر، في الوقت الذي كانوا المدنيين بالقرب منها، بقاذف (أر بي جي)".
مجازر بدعم خارجي
ولعل أكثر ما يزيد الأمور تعقيدا، هو عدم انحصار الأزمة في ليبيا فقط، وذلك لتدخل جهات خارجية في دعم الجماعات الإرهابية، وأبرزها تركيا.
وفي هذا الشأن، قال بن هامل: "تتدخل تركيا بشكل سافر في الشأن الليبي، ويشمل هذا التدخل الجوانب العسكرية، إذ يقود ما يعرف بـ(غرفة العمليات الرئيسية في غرب ليبيا)، التابعة للميليشيات، ضباط أتراك من ذوي الرتب العليا في الجيش التركي، مما يؤكد أن هناك معركة، حتى وإن لم تكن واضحة ظاهريا، فهي حقيقية ما بين تركيا وليبيا".
وبرر الكاتب والمحلل السياسي، التدخلات التركية في ليبيا على وجه الخصوص، بعدد من العوامل، أبرزها الموقع الجغرافي المتميز لليبيا، والموارد المالية الموجودة فيها.
وأضاف: "ليبيا تحتكم على جغرافيا مهمة في شمال أفريقيا، وتحد دولا مهمة مثل مصر والجزائر والسودان وتشاد والنيجر، وبالتالي فهي بمثابة بوابة يمكن من خلالها تصدير الأزمات والإرهاب إلى تلك الدول".