برغم بعده عن كونه اسما مألوفا في تركيا قبل الإنتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس 2019 ، وعلى الرغم من أن صناديق الاقتراع لم تتوقع فوز السياسي أكرم إمام أوغلو، إلا أنه نجح بفوزه في الانتخابات لرئاسة بلدية إسطنبول على منافسه مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يرأسه رجب طيب أردوغان.
مع وجود قرابة واحد من بين كل أربعة أتراك يعيشون في المدينة ، أكبر مستوطنة والقوة الاقتصادية والصناعية في البلاد، يُعدّ منصب العمدة، الذي تبلغ ميزانيته حوالي 6 مليارات دولار، أحد أهم الجوائز في السياسة التركية.
فقد كانت اسطنبول تخضع لسيطرةٍ سياسية صارمة لحزب العدالة والتنمية الذي يتنزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان منذ عام 1994 ، كان أردوغان عمدة بلدية اسطنبول خلال التسعينيات، حيث وضع أسس استيلائه على السياسة التركية.
وعليه، ترشح إمام أوغلو ضد بن علي يلدريم، رئيس الوزراء الأسبق الذي تم إلغاء منصبه بعد أن نقل أردوغان تركيا إلى النظام الرئاسي، إذ كان من المفترض أن تكون عمادة بلدية اسطنبول جائزة ترضيةٍ ليلدريم.
نشأته
ولد ونشأ إمام أوغلو في أسرة متواضعة ومحافظة بمدينة طرابزون شمالي تركيا عام 1970 ، يعشق كرة القدم ، ومع ذلك، فإن إمام أوغلو بعيد كل البعد عن الشخصية الكمالية العلمانية القوية التي يربطها الكثيرون بحزب الشعب الجمهوري، المعارضة الرسمية التي أنشأها مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك.
فقد قام إمام أوغلو، بتكوين صورة لشخص يحتضن جانبه الديني . فمن السهل، وهو الذي يصف نفسه بـ"الديموقراطي الاجتماعي" الورع، أن يُشكل عنصر جذب للمواطن التركي العادي، لا سيما بعد أن لفت مرشح المعارضة، محرم إينجه، في الإنتخابات الرئاسية عام 2018 والتي شهدت منافسة شديدة، اهتماماً ودعماً غير متوقعين بانفتاحه حول تدينه- وهي سمةٌ جديدة للسياسيين في حزب الشعب الجمهوري.
حياته العلمية والعملية
درس إمام أوغلو ، إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول، أحد أفضل مراكز التعليم في البلاد، قبل الانضمام إلى الأعمال التجارية لعائلته في مجال البناء. بدأ حياته المهنية في السياسة المحلية في عام 2009، حيث فاز في سباق الإنتخابات البلدية في منطقة بيليك دوزو الشهيرة باحتضانها الطبقة الوسطى في إسطنبول، والتي حكمها حزب العدالة والتنمية لمدة عشر سنوات، وتم إعادة انتخابه في عام 2014 وما زال يشغل هذا المنصب حتى اليوم.
فقد نأى الرجل معسول الكلام والفصيح بنفسه عن ادعاءات أردوغان ، بوجود العديد من المخالفات أثناء عملية التصويت في انتخابات اسطنبول، ولربما كان هذا الموقف الأكثر ليونة جزء من استراتيجيته الانتخابية، حيث أظهر أن عقلانيته تمنحه ميزةً أمام شخصية سياسية معروفة مثل يلدريم.
حاكى إمام أوغلو الحملات السياسية الناجحة الأخرى في السنوات الأخيرة، بمن فيهم باراك أوباما في عام 2008، ودونالد ترامب في عام 2016 وبريكسيت، ملقياً بثقله على وسائل التواصل الاجتماعي للظفر بالفوز.
ومع ذلك، فقد أصر على التأكيد أن كلماته كانت أهم أسلحته، فالرسالة مفادها أن هذا النوع من توصية الناخبين يعتمد على سمعته، وعلى عكس العديد من السياسيين الأتراك، وبدلاً من ذلك، عزز سمعته النظيفة وكفاءته كمسؤول، بمنأى عن العلاقات الأيديولوجية.
البراغماتية فوق الاستعراض
حاز هذا النهج على تأييد الناخبين الذين لم تستقطبهم قيادته، في حقبة من سوء الإدارة الاقتصادية واستخدام مشاريع البنية التحتية الضخمة كخيار للمشاكل الاقتصادية، أدار إمام أوغلو حملته وكان شعارها "إذا ما تواجد إمام أوغلو ، هناك حل" - بالبراغماتية التي تُميزه.
كما أنه دفع بلمسته الشخصية، فقد برز على وجه الخصوص عندما زار البازار الكبير في اسطنبول ورفض أحد المؤيدين المتعصبين لحزب العدالة والتنمية مصافحته بداية، فضلا عن حضوره مجموعة مختلفة من الاجتماعات المحلية لمناقشة القضايا اليومية مع الناخبين.
وبينما يكافح المواطن التركي العادي من تبعات انخفاض سعر صرف الليرة لأول مرةٍ منذ سنوات ، فعلى ما يبدو أن هذا الاهتمام الحقيقي بقضايا الناخبين قد أكسبه الاحترام والدعم، كما شكل هذا نقطة تحول في وجه منتقدي حزب الشعب الجمهوري السابقين الذين يعتبرون الحزب منعزلا وبعيدا كل البعد عن المواطن التركي العادي، إذ يبدو أنه يستمد الدعم من الناخبين الجدد ويطمس الانقسامات الإنتخابية التقليدية.
وإلى جانب ذلك، برز إمام أوغلو بعد رد فعله على الغضب الذي أحاط بنتائج الإنتخابات البلدية، فقد أمضى معظم ليلة الانتخابات في عقد مؤتمرات صحفية، في تناقض صارخ مع وكالة الإعلام الحكومية التي أوقفت تغطيتها لمجالس فرز الأصوات عندما بدا أن حزب العدالة والتنمية سيخسر وبالمثل، حافظ على نبرة تصالحية في العديد من ظهوره الإعلامي منذ ذلك الحين، داعياً إلى احترام النتائج وإنهاء الإنقسام السياسي في نهاية المطاف وإعلان أنه سيكون "رئيس بلدية للجميع".
وكان يتوجه الى الناخبين في الأحياء التي تعتبر معقل حزب حزب العدالة والتنمية، ويتجول في شوارعها، ويتحدث إلى الناس في مسعى لكسب ود المواطنين العاديين. وفي المقابل، كان أردوغان يخوض الحملة الانتخابية شخصياً نيابة عن حزبه، لدرجة أنه ألقى ثمانية خطابات أمام الناخبين في اسطنبول في آخر يوم من الحملة الانتخابية.
ورغم تفادي حزب أردوغان، المتحالف مع حزب الحركة القومية التركي المتشدد، استفزاز الناخبين الأكراد خلال الحمة الانتخابية، لكن هذا التحالف كان كفيلاً بخسارة الصوت الكردي لصالح إمام أغلو بكثافة. وقد امتنع حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد عن تقديم مرشحين له في اسطنبول وأنقرة وغيرها من المدن الكبرى التي لا يمثل الأكراد فيها غالبية السكان، وبالتالي ذهبت أصواتهم للمعارضة.