ضربت الأمثال الشعبية لما يخرج من وحي خيال كاتب، بل خرج من واقع مر به السابقون، وبمعنى أوضح فلا يوجد انفصال بين الأمثال الشعبية والواقع الذي نعيشه، ونظرًا لبراعة السابقون وفطنتهم، تمكنوا من تلخيص الواقع بكلمات وجيزة، تحولت على مر السنين إلى حكم وأمثال، يتناقلها الأجيال جيل تلو الآخر، كما أن لكل مثل من هذه الأمثال، قصة ساهمت في خروجه ونشأته، لذا ففي السطور القادمة، سنقدم لكم واحد من أشهر هذه الأمثال وهو مثل "ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت".
يرجع أصل هذا المثل إلى قديم الزمان، حيث كان هناك رجل يدعي "ابن جدعان"، ففي يوم من الأيام وجد ثدي ناقته كاد ينفجر من كثرة حليبها، وكان طفلها يشرب من حليبها ويفيد منه الكثير.
وكان لابن الجدعان جار فقير لديه سبع بنات، فقرر ابن الجدعان أن يمنحه ناقته بطفلها، ففرح الرجل الفقير جدًا بما قدمه له ابن الجدعان، وقرر الفقير أن يشرب هو بناته من حليبها، وينتظر طفلها حتى يكبر ليبيعه.
وعند قدم فصل الصيف، بدأ البدو يترحلون بحثا عن الماء والطعام، وذهب ابن الجدعان هو وابنائه الثلاثة للبحث عن بئر الماء، وبالفعل وجدوا بئر ونزل ابن الجدعان في هذا البئر، ولكنه لم يتمكن من الخروج وظل أولاده الثلاثة ينتظرون خروجه لمدة ثلاث أيام حتي فقدوا الأمل وتركوه، ظننا منهم أن ثعبان لدغه ومات.
وعادوا الأبناء الثلاثة إلى المنزل، وقرروا أن يقتسموا التركة بينهم، حتى أن أحدهم تذكر الناقة التي أعطاها أبيهم إلى جارهم الفقير، وبالفعل طلبوا الناقة وطفلها من الرجل الفقير، ولما قال لهم أن أبيهم هو من أعطاها إليه، قالوا له "لقد مات أبينا في البئر، كما أنك لا تستحق هذه الناقة"، فأعطاها لهم، وطلب منهم أن يأخذوه إلى البئر الذي دخل فيه والدهم.
وبالفعل نزل الرجل الفقير إلى البئر، حتى أنه سمع صوت أنين خافت لجاره ابن جدعان، وتمكن الرجل الفقير من إنقاذه، وحكى ابن الجدعان كيف استطاع أن يمكث طوال هذه المدة في هذا البئر، حيث أنه كان يشرب من الحليب الذي كان يتساقط في بعد الأحيان، لكنه تعجب من انقطاع الحليب منذ فترة، ولكنه لا يعلم السبب، فقال الرجل الفقير ما قام به أولاده، وأنهم أخذوا الناقة منه، التي كان الله يرسلها له وهو في محنته، فلهذا السبب انقطع الحليب.
واعتقد ابن الجدعان أنه لن يخرج من هذا البئر أبدًا، وأنه سوف يموت خاصة بعد انقطاع الحليب، فحمد ابن الجدعان ربه، وشكر جاره، وقال له مقولته الشهير "ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت"، التي لا تزال يرددها الكثيرون، عندما ينقضي لهم أمرًا بعد فقدانهم الأمل وظنهم أنه لن ينقضي أبدًا.