عبد المنعم سعيد: من الممكن أن يتحول إلى تيار متطرف
حسن سلامة: حمدين صباحى وخالد على نموذجان سلبيان أفقدا الشارع الثقة فيه
سعيد صادق: هزة جديدة بعد اعتقالات «67» وحل الاتحاد السوفييتى فى 1990
عبد الغفار شكر: التيار سيقدم بدلاء جددا بعد أن تخطى مطلبه الوحيد إلى قيم إنسانية عليا
جمال أسعد: نحن فى مرحلة غياب القيادات التاريخية السياسية الحزبية فى مصر
بدأ التيار اليسارى فى مصر عام 1915 عندما وفد عدد من الطلاب المصريين للدراسة فى أوروبا وهم من بدؤوا فى نشر الأفكار الاشتراكية إثر عودتهم فى بداية العقد الأول من القرن العشرين، إلا أن العمل الأول للفكر الماركسى فى مصر والمنشور فى عام 1915، كتبه باحث شاب، لم تسنح له فرصة السفر إلى أوروبا قط، وهو مصطفى حسين المنصورى، ولكنه كان على اتصال بفكر كارل ماركس من خلال الترجمات الأولى والدوائر الثقافية للأجانب المقيمين فى مصر.
وفى عام 1923 بدأ دعم حقوق الطبقة العاملة، عندما كان الحزب الشيوعى المصرى حزبا وليدا، وقد نجح آنذاك فى أن يلعب دورا جوهريا فى المجال العمالى والنقابى بالإسكندرية، وصولا إلى السيطرة على الاتحاد العام، حيث استطاع الأخير أن يعتمد على 20 ألف عضو وهو الأمر الذى أفزع السلطة الاستعمارية البريطانية آنذاك.
عاد التيار اليسارى إلى النشاط بشكل قوى فى 1940، حيث تكونت 3 حركات ماركسية لها أسماء شهيرة فى التاريخ المصرى وهى: "الحركة المصرية للتحرر الوطنى، والشرارة، وتحرير الشعب".
وقام اليسار بدور بارز خلال تلك الحقبة فى مساندة مطالب المجتمع المصرى الغاضب من عجز البرلمان والأحزاب عن إيجاد حل مناسب لمسألة الاستقلال الوطنى والأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تلت الحرب العالمية الثانية.
عبد الناصر واليسار
ومع قيام ثورة يوليو 1952، رحبت غالبية المثقفين بأنباء التغيير الثورى، وكان هناك عدد من اليساريين فى حركة الضباط الأحرار وسرعان ما حدث الصدام الأول بين جمال عبد الناصر واليسار الماركسى مع قمع النظام لإضراب عمال كفر الدوار وإعدام قائدى الاحتجاج "خميس والبقرى"، ولم يسلم اليسار من موجة اعتقالات عام 1954.
وعاد اليسار المصرى إلى الاقتراب من السلطة بشكل ملحوظ بين عامى 1955 و1958، والواقع أن مشاركة ناصر فى مؤتمر باندونج والاتفاقية العسكرية مع تشيكوسلوفاكيا، كان لهما أثر كبير على الماركسيين حتى أولئك الذين كانوا فى المعتقل.
وإن كان الخلاف الرئيسى بين ناصر وقطاع كبير من اليساريين آنذاك قد تركز على رغبة الأول فى دمج كل القوى الوطنية فى حزب واحد.
وخلال تلك الفترة حاول ناصر أن يرأب الصدع بينه وبين قطاع كبير من اليساريين، حيث حاول النظام السياسى دمج جزء كبير منهم فى أجهزة الدولة، وتأسست مجلة "الطليعة" تحت إدارة لطفى الخولى.
السادات وتأسيس حزب التجمع
ساعد القرار التاريخى لأنور السادات فى نوفمبر 1976 بالعودة إلى التعدد الحزبى، قطاعا كبيرا من اليساريين على تأسيس حزب مستقل عن الدولة، وهو حزب التجمع، أو بمعنى آخر، التحول من يسار حكومى إلى يسار معارض.
ولكن سرعان ما وقع الصدام بين الدولة والحزب الوليد مع نشوب الانتفاضة الشعبية فى يناير 1977، والتى اعتبرها السادات "مؤامرة شيوعية" شارك فيها حزب التجمع، واعتقل على أثر هذا الاتهام 200 من أعضاء الحزب.
وعلى الرغم من الملاحقات والضغوط القمعية لنظام السادات الذى اتخذ طابعا ليبراليا، نشأت حركة يسارية قوية -حتى خارج إطار الحزب الرسمى- خاصة بين شباب الحركات الطلابية الذين تأثروا بنماذج بديلة للنموذج السوفييتى.
فترة الازدهار
كانت فترة الستينيات والسبعينيات هى الأقوى للتيار اليسارى فقد كان له دور كبير فى الحياة السياسية والشارع المصرى ولكن مع نهاية السبعينيات بدأ يختفى التيار اليسارى.
الرجوع من جديد
ومع بداية التسعينيات، حاول التيار أن يرجع مرة أخرى ولكن لم يستطع أن يستمر بسبب عدم وجود رؤية حقيقية لهم، واستمر اليسار فى التدهور والاختفاء من الحياة السياسية والحزبية بسبب المتغيرات التى حدثت.
القشة التى قسمت ظهر البعير
وأخذ التيار فى الترنح مع بداية الألفية الجديدة حتى جاء العام 2018 هو بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير بسبب رحيل 4 قيادات كبرى من اليساريين الذين أسسوا حزب التجمع وهم "خالد محيى الدين ورفعت السعيد وصلاح عيسى وأخيرًا الكاتب الصحفى حسين عبد الرازق".
وحول هذا الشأن أوضح عدد من المفكرين والمحللين السياسيين أن عام 2018 هو بداية التطرف للتيار اليسارى وبداية انتهاء تيار العدالة الاجتماعية، فيما أكد البعض الآخر منهم أن التيار سيصبح غير مأمول فيه، ولن يُلبى طلبات الشارع.
الرجوع للخلف
قال جمال أسعد المفكر السياسى، إن هناك عوامل كثيرة تؤثر على غياب التيار اليسارى عن المشهد السياسى الآن ليس برحيل عدد من القامات الكبيرة مثل حسين عبد الرازق أو رفعت السعيد وصلاح عيسى وغيرهم، وإنما توجد عوامل أخرى مثل الظروف السياسية والمتغيرات التى حدثت فى الشارع جعلته يتوارى، وبالتالى لا نستطيع أن نقول إن حركة اليسار الآن، ليست كما كانت عليه فى الستينيات والسبعينيات، وأن الكوادر فى هذا التيار كان لهم دور كبير وتأثير مباشر لا يستطيع أحد أن ينكره، موضحًا أنه وبكل موضوعية لن نرى كوادر يسارية بعد هذا الجيل تقود هذا الدور وتكون بنفس الإجادة.
غياب عن المشهد السياسى
وأوضح "أسعد" أن الأحزاب والحركات السياسية غابت عن المشهد السياسى بعد 25 يناير، غيابا حقيقيا، وبالتالى ما ينطبق على تلك الأحزاب ينطبق على التيار اليسارى وحزب التجمع، متمنيًا أن يعود هذا التيار إلى حركة جماهيرية تتبنى مطالب الشعب بعيدًا عن التنظيرات.
حالة مزرية
وأضاف المفكر السياسى أن مصر ولادة ولا نستطيع أن نقول إنه لا يمكن أن نرى قيادات يسارية أخرى، فمن الممكن أن تخرج قيادة جديدة ومن الممكن أن يكونوا أفضل من سابقيهم، مطالبًا أن تكون هناك رؤية حقيقية لاكتشاف الكوادر لتتعامل معه، وتجهزه لأن يكون قامة كبيرة.
وأشار إلى أن حزب التجمع الآن فى حالة مزرية كنا لا نتمنى أن نجده عليها، فالأحزاب حاليا فى فترة نستطيع أن نطلق عليها "غياب القيادات التاريخية السياسية الحزبية فى مصر".
وأكد "أسعد" أن الحركة اليسارية بعيدة تمامًا عن التطرف بل هى بعيدة أيضا عن الوجود المأمول الذى يجب أن يكون بشكل مباشر ويتمناه الشعب المصرى.
خسارة التيار اليسارى
وفى ذات السياق، أوضح الدكتور عبد الغفار شكر، مؤسس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، أن التيار اليسارى خسر خسارة كبيرة برحيل هذه القامات عن التيار، ولكن هذا لا يحكم عليه بالموت، لأنه بدأ فى مصر منذ 1895، وما زال مستمرا حتى الآن فى الشارع، والحركة السياسية بفضل تتالى الأجيال.
قيادات جديدة
وأكد "شكر" أن اليسار استطاع أن يعيش قرنا وربع القرن، فمن المؤكد أنه يقدم قيادات جديدة، ويواصل وجوده لأنه يتمسك بقضية العدالة الاجتماعية والديمقراطية، وهى قضايا رئيسية للشعب المصرى.
وأضاف شكر أن الثوابت فى التيار اليسارى قائمة ومستمرة والأجيال الجديدة تكتسب خبرة عبر السنين حتى تكون قيادات كبيرة، مؤكدًا أن التيار به قيادات كبيرة على الساحة.
واستبعد "شكر" تحول التيار اليسارى لتيار متطرف لأنه يُلمِّس مع قوى أخرى، مثل تحالف الناصريين مع اليسار الاشتراكى، وهم يميلون للديمقراطية وليس التطرف لكى يكسبوا شعبية فى المجتمع، فلم يعد المطلب الوحيد لليساريين هو العدالة الاجتماعية وإنما أُضيف لها قيم إنسانية عليا من أهمها الديمقراطية والحرية.
ومن جانبه قال الدكتور عبد المنعم سعيد، المفكر السياسى، إن خالد محيى الدين ورفعت السعيد وحسين عبد الرازق هم قامة وقيمة كبيرة سواء فى التيار اليسارى بشكل خاص أو فى المجتمع المصرى بشكل عام، وكان لديهم مبادئ وقيم وكرسوا أنفسهم للمبادئ التى كانوا يعتقدونها ولم تتغير فى يوم من الأيام، مؤكدًا أنهم لم يستخدموا المبادئ طريقة لإدانة الآخرين.
وأوضح "سعيد" أن هذه القامات لم يكن لديهم أى تأييد لأى شىء له علاقة بالعنف أو القوة ولم يكن لديهم أى استعداد للانتهازية السياسية بمعنى أو بآخر، لافتًا إلى أن التيار اليسارى عندما ظهر، كان فى معظمه -سواء الاشتراكيين الثوريين والشيوعى المصرى أو بعض الجماعات الأخرى- كانوا متشددين ولكن محيى الدين ورفعت وعبد الرازق كانوا معتدلين ويمثلون يسار الوسط الرئيسى الموجود فى مصر.
تيار متطرف
وأكد المفكر السياسى أن التيار اليسارى سيخسر خسارة كبيرة جدًا برحيل مثل هذه القيادات الكبير التى أثرت فى الشارع المصرى ككل وليس فى التيار اليسارى على وجه الخصوص، وربما يتحول إلى تيار الأكثر تطرفًا وكلما زاد التطرف فى أى جماعة سواء يسارية أو دينية تتحول إلى عدة مجموعات، ولن تستطيع أن تتكون فى حزب واحد، ويكون بداخلها انشقاقات كثيرة.
وتابع أن بعد رحيلهم ربما يزداد التيار اليسارى تطرفًا لأنه يوجد تغير فى الفكر كون هذه الشخصيات الراحلة كانت تلعب دورا كبيرا فى الاعتدال، ولا يستطيع أحد أن يزايد عليهم، مشيرًا إلى أنه من الصعب أن يخرج مثل هذه القيادات من التيار اليسارى فى الفترة القادمة وأن القيادات الحالية التى خرجت من هذا التيار وتتلمذوا على يديهم وتحولوا لناصريين لا نستطيع أن نطلق عليهم قامات.
تراجع كبير فى الفترة القادمة
وفى ذات السياق قال الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه، ومن حيث المبدأ، لا يوجد تيار معين يقف على أشخاص محددة، ولكن بكل تأكيد فإن رحيل مثل هذه القيادات سيؤثر بشكل كبير على التيار اليسارى، وسيؤدى إلى تراجع كبير للتيار فى الفترة القادمة.
وأوضح "سلامة" أن التيار اليسارى كان موجودا ومعروفا بعد عهد عبد الناصر وعصر الانفتاح، وأصبح حديث الغرف المغلقة لأنه كان يميل للتنظير أكثر من التعامل على أرض الواقع، ولم يتلاحم مع قطاعات شعبية كبيرة، على عكس أفكارهم، لافتًا إلى أن القيادات الجديدة قد لا تروج للأفكار التقليدية لليسار، لأنه فى الوقت الحالى، لا نتحدث عن اشتراكية أو رأسمالية صِرْف، وإنما عن خليط، وهو ما يسمونه "الطريق السالك" الذى يمزج بين الاثنين.
الأهواء الشخصية
وأكد أستاذ العلوم السياسة، أنه فى الوقت القادم لا نرى قيمة وقامة مثل خالد محيى الدين أو صلاح عيسى، سنحتاج إلى وقت كبير لذلك، خاصة أن القيادات الحزبية الآن تتنازعها الأهواء الشخصية، مؤكدًا أن القيادات اليسارية الموجودة الآن مثل حمدين صباحى وخالد على، أثرا على التيار اليسار فى مصر، وأصبح الشارع لا يثق فيه لأن وجود نماذج سلبية تؤثر على التيار ككل.
ولفت "سلامة" إلى أن التيار اليسارى اختفى من الشارع بعد الثمانينيات، وذلك بسبب سيطرة الأهواء الشخصية على بعض القيادات، وتشويه البعض الآخر لصورة التيار اليسارى، ولم تكن هناك رؤية واضحة متبلورة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، كل هذا أسهم فى تراجع التيار على أرض الواقع، وأصبح تيارا غير مأمول به، لأن به بعض القيادات لا يؤمنون بالمبادئ، وإنما يستغلون الفرص ويعملون لمصالحهم الشخصية.
هزة عنيفة
ومن جانبه قال الدكتور سعيد صادق، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إن التيار اليسارى نشأ منذ أكثر من قرن، وشهد تغيرات كثيرة، مؤكدًا أن هزة عنيفة حدثت له فى العهد الناصرى بعد 67، وحدث ذلك أيضا بعد حل الاتحاد السوفييتى فى 1990، وتقلص دور اليسار بشكل كبير وانحصر فى المجلات والجرائد.
انشقاقات كثيرة
وأوضح "صادق" أن الأنظمة تحالفت مع التيار اليسارى بعد انهيار الاتحاد السوفييتى لمواجهة الإسلام السياسى، وكان لها هدف معين فى الإعلام لمواجهة الأخير، مشيرا إلى أن التيار اليسارى حدثت به انشقاقات كثيرة وخرجت منه حركات عدة ولم تأت بجديد.
تشويه التيار اليسارى
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أن تيار اليسار "انضرب" بصفة كبيرة، وأن وفاة قياداته وقاماته خلال العام الحالى سيقضى عليه فى الفترة القادمة، خاصة أنه لا توجد خطة ورؤية واضحة، فهو لا يمتلك قيادات فى الوقت الحالى والموجودون على الساحة أمثال "حمدين صباحى وخالد على" شوهوا اليسار والشارع لا يثق بهم على الإطلاق وخاصة بعد ثورة 25 يناير، وقد فقدت أغلب التيارات المعارضة فى مصر، الثقة، وأصبحت لا توجد لديها مصداقية، بسبب أنهم يحاربون بعضهم البعض، ويسعون لمصالحهم الشخصية.
ومن جانبه، أكد صلاح فوزى، المفكر السياسى والقانونى، أن وفاة خالد محيى الدين ورفعت السعيد وصلاح عيسى وأخيرًا الكاتب الصحفى حسن عبد الرازق، ستؤثر على التيار اليسارى بشكل كبير وعلى الشارع المصرى كذلك، لأنهم كان لهم تأثير كبير من خلال كتاباتهم، فضلا عن أنهم كانوا يتميزون بالحكمة والحس الوطنى والعلم الشديد، خاصة الكاتب الصحفى حسين عبد الرازق كان رجلا حكيما.
وأوضح "فوزى" أن هذه الشخصيات والقامات الكبيرة لها أثر إيجابى لا يخفى على أحد، حيث قاموا بإعداد كوادر لحزب التجمع، ما جعل عددا كبيرا من الأشخاص داخل الحزب يتأثرون بوفاتهم، مشيرا إلى أن الراحلين تركوا ميراثا بشريا مهما، ومسيرتهم سيستكملها غيرهم.
موضوعات متعلقة:
-«التجمع» حسين عبد الرازق علمًا من أعلام اليسار في مصر
-عبد المنعم سعيد: «اليسار» سيتحول لتيار أكثر تطرفًا بعد رحيل قيادتة