"بك أستجير فمن يجير سواكا.. فأجر ضعيفاً يحتمي بحماك، إني ضعيف أستعين على قوى.. ذنبي ومعصيتي ببعض قواك، أذنبت ياربي وآذتنـي ذنـوب.. مالهـا مـن غافـر إلاك".. صوت صادح هز أرجاء استديو "كلام بنات" في أول ظهور لها، وبمجرد سماعك له تشعر وكأنك بحضرة مداح للرسول، قضى حياته في سلطنة الهائمين، ونشأ ونمَّى موهبته في الموالد والحضرات، إلا أنك ستفاجأ حينما تعلم أن صاحبة ذلك الصوت ترعرعت على ترانيم الكنيسة.
الأربعاء 12 سبتمبر الجاري، كان أول ظهور لابنة الإسكندرية عروس الغناء ميرنا كرم، صاحبة التسعة عشر عامًا الطالبة بالفرقة الأولى كلية الآداب، ظهرت خلال احتفالات إحدى القنوات الفضائية بالعام القبطي والذي تزامن مع قدوم العام الهجري، وكانت المفاجأة أن الفتاة مسيحية الديانة، وهو ما تراه الفتاة أنه لا يعيق طريقها في المدح"، وأطربت مسامع الجمهور بعدد من ترانيم الكنيسة والأناشيد الدينية، والتي خطفت بها قلوب الجميع سارحة بأرواحهم في رحلة "دروشة مع المدح".
ومن خلال الفيديو الذي انتشر بسرعة فائقة، لم تكن تعلم الفتاة أنه سيصل لهذا الكم من المشاهدات والتفاعل والمشاركات، والذي أظهر الفتاة التي ارتسم على وجهها الابتسامة وتحلت بالثقة حتى أنك تشعر وكأنك أمام إحدى الفنانات اللاتي تعودن على الظهور والتعامل مع الكاميرات بكل نجومية، فمن الصعب أن تشعر أنه أول لقاء لها، وبعيونها المغلقة من الإحساس، وقلبها الذي ينتفض منه الإحساس، وحنجرتها الذهبية، يرتفع الصوت مدويا على مسامع الحاضرين "برضاك يا خالقي"، ليصفق الجميع وينتفضون من مجالسهم.
الجميع أحبوا موهبة "ميرنا"، إلا أنهم لا يعرفون قصتها الكاملة، وكيف اكتُشفت الفتاة، ومن اكتشفها، ومع أي فريق تعمل ومن يدربها، وغيرها من التساؤلات التي طرحناها عليها للوقوف على قصتها.
بدأت رحلة ميرنا التي نِشأت في أسرة مسيحية، ربها صاحب مكتب استيراد وتصدير في الملابس، والمكونة من 5 أفراد الأب والأم و3 فتيات كانت هي تتوسطهم سنًا، ومنذ نعومة أظافرها وهي تذهب مع أسرتها في الصلوات إلى الكنيسة، وترددت على مسامعها الترانيم، وبينما كان الجميع يستمع؛ كانت الفتاة في سرها تسمع وتغنى معهم، وظلت على هذا الحال لا أحد يعلم عنها شيئا خاصة وأن سنها كان صغير جدًا.
وبينما هي في السادسة من عمرها وكانت مع والدتها في المنزل، إلا أنها كانت في غرفتها، سمعت أمها صوت الترانيم تزين البيت، فهمت نحو مصدر ذلك الصوت كأي سيدة؛ فإذ بها تفاجأ وتندهش أن صغيرتها هي التي تشدو بترانيم الكنيسة.
"أمك وحدها من سيؤمن بك وإن أعطاك الجميع ظهره".. من هنا أعجبت الأم بطفلها وموهبتها وفور عودة الأب إلى البيت أبلغته بأن لديه فنانة، واستمع الأب هو الآخر لفلذة كبده، فانبهر أن ابنته الوسطى لها مستقبل غنائي، وبدأ الوالدين في دفع الضربية ومشوارهما من الدعم والتشجيع لها منذ ذلك الحين، وإن كان الطريق به صعوبة بعض الشيء حيث أن العائلة لا يوجد بها أي عرق فني، إلا أن إيمانهما بموهبتها؛ كان كافيًا للبحث عن فرصة لها.
في البداية تحولت الأم لمدربة، "ماما بدأت تحفظني ترانيم وأغاني كتير"، وكانت تحب ميرنا كلًا من "أم كلثوم وفيروز ووردة وشيرين عبدالوهاب" وتستمع لهم، وعن المدائح: "هي ماما كانت بتسمعني بس مش كتير بالإضافة إلى أني لما كبرت بدأت أنا اللي أسمع واحفظ بمساعدة الأم أيضًا"، وكان هذا مؤقتا لحين أن تجد لها كورال تتدرب نجلتها بها، وبتوفيق من الله- كما تقول الفتاة- نجحت والدتها في ضمها لصفوف كورال الكنيسة، "ومن ساعتها وأنا بأتدرب هناك لسه".
وعن تقديمها لإحدى مسابقات اكتشاف المواهب، تحلم الفتاة أن تكون منافسة وليس مجرد مغنية يكتشفها البرنامج، الذى ترى أنه لا بد من إعداد وتدريب أكبر وقت حتى تتمكن من تحقيق حلمها،: "عاوزة أكون أقوى عشان انافس مروحش واطلع من التصفيات"، في إشارة منها إلى أنها شاركت في مسابقة محلية تحمل اسم ""alex got talen، وتخطت المرحلة الأولى إلا أنها لم توفق في الثانية وخرجت من المسابقة.
منذ ذلك الحين ونشاط "ميرنا" وموهبتها مقتصرة على الكنيسة،: "معملتش حاجة بعد كده غير كورال الكنيسة زي ما أنا"، وقدمت خلال تلك الفترة العديد من الحفلات وشاركت في المهرجات التابعة للكنسية وكانت الفتاة محتلة لمكانها في المراكز الأولى،: "بس كل أنشطتي في الكنيسة".
وعلى الرغم من أنها تسعى إلى الشهرة وتصبح نجمة كبيرة، ومؤمنة بموهبتها وأسرتها وأصدقائها يساندوها، إلا أنه لم يخطر ببالها ولا بخاطر الداعمين لها، أن تستخدم الفتاة "السوشيال ميديا" لنشر موهبتها حتى يتبناها أحد، وقبل أيام قليلة حدثت نقلة جديدة في حياة "ميرنا" الفنية، حيث أنها ستظهر على إحدى الفضائيات المعروفة، في مناسبة الهجرة النبوية، تمدح الرسول.
من حسن حظ "ميرنا" أن لها صديقة مقربة اسمها كلارا ميلاد، صاحبة مبادرة "شرطية مصرية"، والتي كانت على معرفة برئيس تحرير تنفيذي لبرنامجي "كلام بنات" و"اخر النهار"، محمود خليل، فعرف "خليل" موهبة ميرنا من خلال صديقتها وآمن بموهبتها، ورأى أنه لا بد من ظهورها بعد أسبوع من معرفة موهبتها، معه في البرنامج خلال احتفالات القناة بالعام الهجري الجديد، وبالفعل كان،: "الحمد لله إن الحلقة نجحت، ومبسوطة جدًا بمعاملتهم، وهما ناس محترمين جدًا".
وفوجئت الفتاة بدعم الجمهور، والتي لم تكن تتوقع أنها ستلاقى إعجاب الجميع، فلم ينتقدها أحدًا، لذا قررت أن تنمي موهبتها،: "الفترة الجاية هشتغل على نفسي كتير، عشان اطلع أقوى في أي حاجة اظهر فيها بعد كده"، كما تبحث عن فرصة للالتحاق بالأوبرا،: "بحاول ألاقي حد يدربني في كورال الأوبرا، أو يوصلني بيهم أكيد هستفيد منهم وهيضفولي حاجات كتير".
وأكدت أنها لن تترك الكنيسة،: "وهفضل بردو في الكنيسة.. إحنا خلاص شهور وهنبتدي تدريبات في الكونسرفتوار"، كما انها ستستغل التحاقها بكلية الآداب من خلال الانضمام لفرقة الجامعة.
وعن دمجها ضمن فريق "حور"، أول فريق للإنشاد الديني في مصر (حديث الإنشاء)، قالت "هي الأستاذة نعمة فتحي، مؤسسة الفريق، خدت رقمي، بس لسه مكلمتنيش، قالتلي إنها هتكلمني"، وعن الانضمام نفسه للفريق فلا يوجد عائق أمامها سوى ان تكون طريقة الإنشاد غير ملائمة لصوتها،: "زي ما قولت، أنا معنديش مشكلة من الإنشاد ولا الانضمام لفرق إسلامية، بس هو علي حسب طريقه الإنشاد، هقدر إني اشارك معاعهم أو لا.. أنا إنشادي زي برضاك أو غفرانك أو بلجأ لمين بك استجير"، في إشارة منها إلى أن هناك طرقا من الإنشاد يصعب عليها أدائها.
ميرنا تحلم بأن تصبح مشهورة وأن تغني مع شيرين عبد الوهاب، وفي الصفوف الأولى بين أصحاب الأصوات النادرة، حتى تصبح في أعلى الأماكن، ولها من ذلك قصد،: "نفسي أساعد الناس ماديًا ومعنويًا"، كما أنها تشكر كل من دعمها وفرحها في أولى خطوتها، خاصة: "بابا وماما وكلارا ميلاد والأستاذ محمود خليل".