"قُل للمليحة في الخمار الأسود.. ماذا فعلت بناسك متعبد"، ربما سمعت يومًا أحد كبار الفنانين يردد كلمات ذلك البيت الشهير، لكن لن تجد جميع من يردد تلك الكلمات على دراية بقصتها ومن هو الشاعر صاحب هذه الكلمات الجميلة والعذبة.
المدينة المنورة هى واحدة من أهم المدن التي خرج منها الشعراء فى عصور الجاهلية وأيضًا ما بعد الإسلام، وكان أحد تجارها على درجة كبيرة من التعبد، وكان عمله قائم على بيع الخمار في سوق المدينة وكان يبيع جميع الألوان فوجد أن النساء يقبلن على شراء جميع الألوان وتأبى أن تشتري الأسود منها حتى تراكمت لديه كميات من البضاعة ذات اللون الأسود، فحزن لذلك حزنًا شديدًا لكساد البضاعة، فأشار إليه أحدهم وقال: إذا أردت أن تبيع خُمرك فاقصد مسكين الدارمي فهو خلاصك" ومن هنا كانت البداية .
"ناسك متعبد"
هو الشاعر ربيعة بن عامر الدارمي، الذي لُقب بـ"مسكين الدرامي"، عاش في فترة الخلافة الأموية، كان معروفًا بين كبار الشعراء، ولكنه عكف في أواخر حياته على العبادة والصلاة والزهد، حتى وقع له هذا الحادث الطريف، وهو معرض قصتنا وموضوعنا .
ذهب التاجر إلى "مسكين دارمي" في المسجد، وروى عليه قصته، فما كان من إلا أن رفض مساعدته وكان مبرره لذلك أنه انقطع عن هذه الأمور وزهد عنها، فقال له التاجر وقد خيم الحزن عليه: أنا رجل غريب، وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل، ورجاه وتوسله حتى أقنعه، فخرج "مسكين" من المسجد وعمل هذه الأبيات وشهرها بين الناس، وهي:
قل للمليحة في الخمار الأسود .. ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمّر للصلاة ثيابه .. حتى قعدت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه .. لا تقتليه بحق دين محمد
ردي عليه صلاته وصيامه .. لا تقتليه بحق عيسى وأحمد
لتكون هذه الأبيات أول إعلان وإشهار في التاريخ، فشاع بين الناس خبر أن مسكين الدارمي عاد إلى مجونه وعشق فتاة ذات خمار أسود، فانكبت النساء يشترين الخُمر السود، وباعها التاجر بأضعاف ثمنها، وعاد إلى دياره غانما مبتهجا، وعاد مسكين بدوره إلى تعبده.