في صباح العاشر من مارس عام 2014 استيقظ الجندي المقاتل «عدلي فهمي يونس» أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة اللذين رفعوا العلم المصري على أرض سيناء الغالية، على صوت تدفق المياه الشديد وسط صرخات واستغاثات متتالية من جيرانه وسكان منطقته الواقعة بقرية النواورة بمركز البداري جنوب أسيوط، خرج البطل السبعيني مهرولاً نحو مصدر الصوت لتقديم يد العون والمساعدة دون أن يعلم بالكارثة التي تنتظره، وقف أمام باب منزله المبني من الطوب اللبني القديم في ذهول من هول الموقف، المياه تحيط بمسكنه ويوشك أن يسقط على أولاده وزوجته وأمه المعمرة، بدأ يصرخ ويستغيث كما يفعل جيرانه لكن دون مجيب أو منقذ.
دموع «عم عدلي» المحارب البطل بدأت تتساقط حتى كادت تبلل لحيته البيضاء وهو يروي لـ«بلدنا اليوم» حكايته الأليمة مع سيول 2014 التي ضربت محافظة أسيوط وكبدت أهاليها خسائر فادحة في الأموال والأرواح، يستكمل المحارب حديثه" لم أجد أحد ينقذني وأسرتي وأمي من داخل المنزل الذي أوشك على الإنهيار وسط سيل مفزع من المياه الغزيرة التي لم نشهدها منذ تسعينيات القرن الماضي، حاولت جاهداً أن أخرجهم وتذكرت أيام الحرب، قرعت جلبابي بطرف أسناني ودخلت مغامراً إلى المنزل، حملت أمي فوق ظهري وأولادي وزوجتي يسيرون خلفي تاركين كل أغراضنا ومتاعنا، وسط الوحل والمياه والغزيرة المتدفقة من كل جانب كدنا أن نموت لكن عناية الله كانت تلازمنا حتى وصلنا إلى مكان آمن يبعد عن منزلنا أكثر من 5 كيلو مترات".
يضرب «الجندي المقاتل» يداً على الأخرى مندهشاً ويتابع" قضينا أيام عذاب بلا طعام وزارنا اللواء إبراهيم حماد محافظ أسيوط آنذاك عدة مرات، وأمر بإعادة تشييد المنازل المنهارة ليتمكن النازحين من العودة إليها، وبالفعل بعدها مباشرة أعدت الوحدة المحلية كشفاً بأسماء المتضررين وكنت ضمنهم، لكنني فوجئت برئيس الوحدة المحلية وقتها يقولي أن الحظ لم يحالفني في هذه المرحلة وعليَ الإنتظار للمرحلة القادمة، ومن وقتها وحتى الآن أعيش في العراء رغم أنني حصلت على تقرير من اللجنة الهندسية بأحقيتي في إعادة تشييد منزلي، وتقدمت بعدة شكاوى للمحافظ السابق دون جدوى ووكيل وزارة الإسكان المهندس عبدالحكيم عليان الذي قالي لا توجد ميزانية، أيضاً تقدمت بشكوى للواء جمال نور الدين محافظ أسيوط الجديد منذ أكثر من شهر لكن حتى الآن لم يأتيني أي رد منهم".
الدكتور أحمد عبد المغيث عضو وحدة التغير المناخي بوزارة البيئة يقول أن محافظة أسيوط تعد من أكثر المحافظات عرضة للسيول، بسبب طبيعتها الجغرافية، وسلاسل الجبال التي تحيط بها من الشرق والغرب، بالقرب من التجمعات السكانية في مناطق متفرقة، تأتي في مقدمتها قرية درنكة غرب مدينة أسيوط، والقصير بمركز القوصية، وديروط، وعرب مطير بمركز ساحل سليم، والهمامية، والعتمانية، وعزبة يوسف، والنواورة بمركز البداري، وغيرها من الأماكن القريبة من الجبال ونهر النيل، والتي تضربها الكوارث عند تعرضها للسيول.
وتابع،تعرضت المحافظة لأكثر من ضربة سيول مدمرة، كانت آخرها في عزبة سعيد التي انهار بها عشرات المنازل،وعلى مدار السنوات الماضية فقد الكثير من أبناء المحافظة حياتهم، بسبب صعقات كهربائية نتيجة تجمع المياه بكثافة في أنفاق «المنفذ، والأزهر»، وأيضا في عرب مطير بمركز ساحل سليم، وفي عامي 2014 و 2012 دمرت السيول العديد من قرى المحافظة، مثل قرى النواورة، والعتمانية، وعزبة يوسف، والهمامية التابعين لمركز البداري.
ومن جانبه أكد اللواء جمال نور الدين محافظ أسيوط، أنه كلف أجهزة المحافظة باتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية اللازمة ومراجعة كافة مخرات السيول بنطاق المحافظة وتطهيرها وإزالة العوائق منها والتأكد من جاهزية كافة المعدات الخاصة بمواجهة الأزمات تحسبا لأوضاع الطقس غير المستقرة المتوقع حدوثها خلال موسم الشتاء.
وأشار المحافظ إلى أن المراكز والمدنبدأت فى متابعة مخرات السيول والبدء فى أعمال تطهيرها والتأكد من خلوها من أية عوائق و التأكد من صلاحيتها لتصريف المياه فى حالة حدوث سيول، وتم تجهيز كافة معدات الإغاثة تحسباً لحدوث أى طارىء، وتم القيام بعمل تجربة عملية بالتعاون مع القوات المسلحة وكافة الجهات المعنية لقياس سرعة وكفاءة هذه اللجان على مواجهة أى أزمات محتملة وسرعة استجابتها للتعامل مع الحدث.
وأوضح المهندس رمضان كمال وكيل وزارة الرى بأسيوط أن لجان فنية تقوم بالمرور على مخرات السيول والوقوف على الحالة الفنية لمخرات السيول وسدود الإعاقة، والتى يبلغ عددها 31 سد إعاقة، مشيرًا إلى تنفيذ 6 عمليات للحماية من أخطار السيول بتكلفة إجمالية حوالى 78 مليون جنيه.
وأضاف أنه تم مراجعة خطة تصريف السيول لكل المناطق والتأكد من جاهزية مسارات مخرات السيول لتصريف المياه الزائدة وخلف السدود، كما تم التنبيه على الإدارات العامة للقيام بأعمال التطهير للترع والمصارف وإزالة العوائق أمام الحجوزات والسحارات بالإضافة إلى التأكد من جاهزية مصارف التخفيف وقدرة البوابات للفتح والقفل.
وكانت عزبة سعيد التابعة لقرية المعابدة بمركز أبنوب تعرضت لسيول شديدة منتصف نوفمبر الماضي، تسببت في إنهيار عشرات المنازل ومصرع شاب جرفته المياه، كما لقيت طفلة مصرعها في مركز الغنايم إثر تعرضها لماس كهربائي بأحد الأعمدة الكهربائية نتيجة هطول الأمطار الغزيرة على المركز، واتخذت محافظة أسيوط كافة التدابير اللازمة لمواجهة أي سيول محتملة.