«الحج المفتون».. جنون السوشيال ميديا ينتقل إلى ساحة الحرم

السبت 01 سبتمبر 2018 | 09:41 مساءً
كتب : محمود صلاح

مشهد عالمى ممزوج بالروحانيات والمشاعر الدينية يتكرر كل عام، ينتظره المسلمون فى شتى أنحاء العالم، ليتموا أركان دينهم ويتمتعوا بالطواف حول الكعبة المشرفة، حيث جعل الله الحج ركنا من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلًا، ولكن رغم الروحانيات التى يتحلى بها المكان، والأجر والثواب الذى يحصل عليه الزوار هناك، يقع العديد من الحجاج فى الأخطاء التى من الممكن أن تفسد أمنيته التى عاش سنوات على أمل تحقيقها طوال حياته دون قصد.

ظهرت هذه المواقف كثيرًا خلال موسم الحاج الذى انتهى هذا العام، حيث تمثلت فى صور التقطها البعض أثناء الطواف أو رمى الجمرات والمناسك الأخرى، وغيرها من الأطفال الذين يلتقطون صورًا مع أبائهم ليراؤون بها فى بلادهم، والتى أحدثت ضجيجًا قويًا على مواقع التواصل الاجتماعى، وهناك العديد من المخالفات الأخرى التى يرتكبها البعض دون قصد، نستعرض بعضا منها خلال السطور التالية.

 

سيلفى الشيطان فى نطاق الحرم

لم يخل موسم الحج من المشاهد المثيرة واللقطات البارزة التى أثارت جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعى، فكان لبعض الحجاج نصيب فى الشهرة والمعرفة، هذا العام من خلال صور التقطوها، وكان أبرز هذه المشاهد "سيلفى الجمرات"، فضلا عن تداول رواد السوشيال ميديا، صورة معبرة لأحد رجال الأمن ونجله الطبيب جمعتهما صورة بها معانى العز والشرف بتقديمهما خدمة لضيوف الرحمن، حيث يشارك الأب بقوة أمن الحرم والابن طبيب بالحج، والدور الإنسانى للمتطوعين فى الكشافة لتنظيم التفويج ومساعدة الحجاج، ولكن هذه المشاهد لقيت انتقادات كبيرة من الناشطين عبر مواقع التواصل.

الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا، علَّق على ظاهرة التقاط الصور أثناء أداء مناسك الحج، قائلًا: لا يستطيع أحد أن يحرمها إلا بوجود نص يدل على ذلك من القرآن أو السنة المطهرة، وذلك لقوله تعالى: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ".

وتابع: "إذًا فإن التقاط الصور لا نقول عليه حراما، ولكن نقول إن الطواف حول الكعبة عبادة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الطواف صلاة يباح فيه الكلام"، ولذلك من شروط صحة الطواف الطهارة، وإذا فقد الطائف الطهارة، يُحسن الوضوء مرة ثانية، وبذلك فإن المرأ حينما يطوف بالكعبة لا بد أن يتعلق قلبه بصاحب الكعبة، وليس هناك مجال لينشغل الإنسان بالتقاط تلك الصور.

وأكد الأطرش، أن الإنسان إذا انشغل بتلك الصور، دخل عمله الرياء، وهذا الرياء، قال عنه الرسول، صلى الله عليه وسلم: "اليسير من الرياء شرك"، والله تعالى يقول يوم القيامة لمن يقصدون بعملهم غير وجهه الكريم: "اذهبوا إلى الذين كنتم تراءُون بأعمالكم فى الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء"، ولذلك لا يصح الانشغال بالصور وهو يطوف حول الكعبة، ولا شك أن هذا الانشغال يفسد أجره وينقص منه، لأن الإنسان فى هذه الحالة لا يخلص عمله لله، وإنما يريد أن يتظاهر بأداء هذه المناسك.

فيما أكد الشيخ أحمد مصطفى، عضو لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف، كلام "الأطرش"، بأن هذه الأفعال التى يرتكبها العديد من الحجاج من التقاط صور وغيرها لا تتناسب مع عظمة المكان، لأن الرسول أكد أن الطواف مثل الصلاة، فلا يجب الكلام فى غير الأمور الدينية فى مثل هذه الأماكن، لأن الكلام لو كان فى الأمور الدنيوية؛ فهو ينقص بلا شك من أجر الحج.

أما عن التقاط الصور فى الطواف والمناسك الأخرى، فهو أمر يتوقف على نية المحرم، فإن كان يقصد الرياء وينشرها على مواقع التواصل للتفاخر، فهذا حجه باطل بلا شك لأن الرسول منع ذلك بقوله: "القليل من الرياء شرك"، وأما إن كان يلتقطها للذكرى الإيمانية فهذا ليس فيه لشىء، ولكن النصيحة لا يفعل أحد هذه الأفعال ليكون فى الصحيح، ولا يكون فى حجه شكوكا.

وأضاف الدكتور حسين عبد المجيد، وكيل كلية الشريعة والقانون بأسيوط ورئيس قسم الفقة المقارن، أن التقاط الصور أثناء الحج عامة لا يبطل الحج، لكنه مكروه وينقص من الأجر، لأن الإنسان فى هذه الحالة ينشغل بغير الله، وهذا غير مباح فى الحج، لكن لا بد أن يتخلى عن جميع الأمور الدنيوية.

 

خدمات الحجاج.. أداء الركن بالتوفير  

ظهر فى الآونة الأخيرة الإقبال على أداء فريضة الحج من خلال العمل فى خدمات الحجاج، وخاصة فى مصر بسبب الارتفاع الكبير فى سعر تذكرة الطيران من مصر إلى السعودية، فضلا عن الحصول على التأشيرة، ولكن هناك شكوك حول قبول الحج من عدمه، لأنه لا يدفع الذى ذهب إلى السعودية بغرض العمل، مثل الحاج الذى دفع الكثير من الأموال بغرض الحج فقط، وهذا الأمر أثار تساؤلات كثيرة حول أداء الفريضة أثناء العمل، فلا بد أن يحدث تقصير فى شىء منهما، ويوضع فى دائرة القبول وعدم القبول، ولذلك وضح علماء من دار الإفتاء والأزهر هذا الأمر.

قال رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا، عبد الحميد الأطرش، إن هناك العديد ممن الأفراد يخرجون فى هذه الأيام لأداء فريضة الحج عن طريق خدمات الحجاج، فالمعروف أن التأشيرة يكون مكتوبا فيها غير مصرح له بالحج، فعندما يذهب للحج وهو غير مصرح له بذلك، فلا شك أن فى ذلك مخالفة للقوانين السعودية، وأكل أموال الناس بالباطل، حيث إن السعودية تفرض على الحجاج أموالا مقابل إقامته هناك وتوفير المأكل والمشرب والمواصلات له، كل ذلك أموال يدفعها الحجاج، والذى يخرج من بلده على أساس خدمات، ثم يقف بعرفات ويطوف بالبيت، فيكون أدى الحج مثلهم، لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة"، لكن هناك أيضًا من شروط قبول الحج أن تكون النفقة حلالا، أما هذه النفقة ليست حلالا، فحينما يقول المحرم "لبيك اللهم لبيك" يقول الله: "لا لبيك عبدى ولا سعديك حجك مردود وذنبك غير مغفور، وارجع مأزورًا غير مأجور".

وأضاف رئيس لجنة الإفتاء، أنه ومن فضل الله على عباده أنه لم يفرض الحج إلا على من استطاع إليه سبيلا، فالذى لم يكن مستطيعًا لماذا يكلف نفسه ويخرج بطريق غير شرعى، وفى النهاية ليقال عنه الحاج "فلان"، ولم يدر أن نفقته لا تجوز فى ذلك الحج.

وأكد الدكتور حسين عبد المجيد، وكيل كلية شريعة والقانون بأسيوط ورئيس قسم الفقة المقارن، أن من يؤدى فريضة الحج أثناء العمل والخدمات، اتخذ طريقًا مشبوها ولا يتساوى بمن دفع أموالًا خالصة لله لكى يؤدى الفريضة، وفى هذه الحالة الحج صحيح ولكن ليس مثل الذى عزم على أن يكون كل وقته لله، ومثلهم كمثل الذى يصلى بخشوع، والذى يصلى ويفكر فى أمور الدنيا، ولا يوجد تساوى فى الثواب، ولكن فى الحالتين سقطت الفريضة على الاثنين، والاختلاف فقط فى الثواب.

وأشار الدكتور محمد عبد العاطى، رئيس قسم الدراسات الإسلامية فى كلية التربية بجامعة الأزهر الشريف، إلى أن الحج له شروط وأركان، ومن هذه الشروط أن لا يكون خاضعًا للحج فقط، وبذلك فالحج صحيح إذا أدى الأركان مثل غيره، وهو يحاسب قانونًا فقط وليس عليه وزر شرعًا.

 

الهاربون من العمرة إلى الركن

دائرة مغلقة يلعب فيها العديد من الحجاج فى شتى أنحاء العالم، وبالذات من يقومون بأداء العمرة قبل الحج بأشهر قليلة، فبعد أداء العمرة يتخلف معظمهم عن السفر إلى بلده ويظل مقيمًا فى مكة متخفيًا من الجهات الأمنية، ولا يخرج إلا مع حلول وقت الحج، وتوافد الحجاج من أنحاء العالم إلى بيت الله الحرام، لكى يؤدى معهم الفريضة دون دفع أمول طائلة مثلهم، وفى ذلك إثارة شبهات حول صحة الحج من عدمه.

وعلق على ذلك الشيخ مصطفى أحمد عضو لجنة الإفتاء، أن من يتخلف من العمرة ويظل ماكثًا فى مكة إلى الحج، فهذا مخالف للقوانين التى فرضتها الدول من عقوبات إدارية وغيرها، وهذه الأفعال كانت تحدث قديمًا، قبل التشديدات الأمنية فى الحرم المكى، ولكن إذا تكررت حاليًا، وأدى مرتكبها مناسك الحج كلها من الوقوف على عرفة والطواف وغير ذلك، فيكون الحج صحيحا لقول الرسول: "الحج عرفة"، ولكن هناك شكوك فى القبول من الله تعالى لأنه مخالف، ولم يكن يؤدى الحج بالأوراق الرسمية التى فرضتها الدول على جميع الزوار أمثاله، ولكن هذا نادر حاليًا لأن القوات الأمنية تسأل عن التصريحات حتى مع المقيمين فى مكة نفسها.

وأكد الدكتور محمد عبد العاطى، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية فى جامعة الأزهر، أن من أدى العمرة وهرب من السفر وظل جالسًا فى مكة حتى الحج، وأدى الفريضة، فى هذه الحالة حجه صحيح، ويعاقب قانونًا فقط، لأنه خالف القانون، وليس عليه وزر شرعا، فإذا حُبس أو اعتقل فى كل الحالات حجه صحيح، ولو كانت هناك شكوك، فهى فى القبول والرفض، وهذا لا يعلمه إلا الله تعالى، ولا يبطل الحج إلا عند عدم الوقوف على عرفات فقط.

 

أداء الفريضة أثناء زيارة الأقارب

أسلوب جديد ظهر فى السنوات الأخيرة، خاصة بعد الغلاء الذى شهدته التأشيرات فى أنحاء العالم، تتمثل فى ذهاب بعض الأشخاص إلى ذويهم المقيمين فى إحدى مدن المملكة، بغرض الزيارة التى يحدد موعد لانتهائها، ولكن معظمهم يتخلفون عن هذا الموعد، ويظلون فى السعودية، حتى يحين وقت الحج، فيتسللون من بيوتهم إلى أبواب الحرم لكى يقضوا المناسك مثل غيرهم ممن دفعوا أموالًا وسافروا من أنحاء العالم إلى هناك، وهذا الأمر بدأ يظهر بشكل كبير خلال هذه السنوات.

وأكد عضو لجنة الإفتاء، الدكتور مصطفى أحمد، أن من يفعل هذا الأمر، يجب عليه أن يسعى جاهدًا فى إخراج التصريح الذى يسمح له بأداء الحج مثل غيره من الحجاج، فإن لم يتمكن؛ يجب عليه ألا يفعل ولا يؤدى مناسك الحج، ولكن لو أدى المناسك كاملة يكون الحج صحيحا.

اقرأ أيضا