مختار غباشي في حوار لـ"بلدنا اليوم": خطة إعمار غزة مرهونة بالضغط العربي والالتزام الإسرائيلي

الخميس 20 مارس 2025 | 10:42 مساءً
مختار غباشي
مختار غباشي
كتب : أحمد عطا

في ظل التطورات الأخيرة المتعلقة بملف إعادة إعمار غزة، وبعد إعلان الرئيس الأمريكي ترمب عدم دعمه لتهجير سكان القطاع، تتزايد التساؤلات حول مدى جدية هذا الموقف، ومصير الخطة المصرية التي حظيت بإجماع عربي. في هذا الحوار، نستضيف الدكتور مختار غباشي، رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، للحديث عن هذه القضايا.

 هل تعتقد أن تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن عدم تهجير سكان غزة تمثل تراجعًا حقيقيًا في موقف واشنطن؟

 لا يمكن اعتبار ما حدث تراجعًا حقيقيًا، كما يفسره البعض. فتصريح ترمب جاء خلال مؤتمر صحفي عندما وُجّه سؤال إلى رئيس وزراء أيرلندا، إلا أن الرئيس الأمريكي تدخل للإجابة قائلاً: "لن يتم طرد أحد من غزة". ولكن على أرض الواقع، ما تقوم به إسرائيل من حصار خانق، ومنع دخول المواد الأساسية، وقطع الكهرباء والوقود، كلها أدوات ضغط لإجبار السكان على المغادرة. بالتوازي، هناك إعادة هيكلة جغرافية في الضفة الغربية، حيث تم تدمير مخيمات بالكامل مثل جنين ونور شمس وطولكرم، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف.

ما الذي يميز الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة مقارنة بالمبادرات السابقة؟

ما يميزها أنها جاءت كاستجابة مباشرة للاعتراض المصري القاطع على أي شكل من أشكال التهجير القسري أو الطوعي لسكان القطاع. مصر قدمت هذه الخطة كبديل عملي، وتمكنت من حشد دعم عربي لها في القمة الاستثنائية، مما منحها شرعية قوية. لكنها تظل مرهونة بتوفير بيئة آمنة عبر انسحاب إسرائيل عسكريًا من غزة، وإعلان وقف إطلاق نار دائم، إضافة إلى إنهاء السيطرة الإسرائيلية على المعابر، خصوصًا محور فيلادلفيا. بدون ذلك، لن يكون هناك أي مجال لتنفيذ عمليات إعادة الإعمار.

 ما أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ الخطة؟

التحدي الأكبر هو استمرار السيطرة الإسرائيلية على غزة، وغياب وقف إطلاق نار مستدام. كيف يمكن إدخال المعدات الثقيلة ومواد البناء بينما إسرائيل تتحكم في المعابر وتمنع حتى دخول الغذاء والدواء؟ كما أن نجاح الخطة يعتمد على دعم أمريكي وضغط دولي على إسرائيل، وهو ما لم يتحقق بعد.

 هل يمكن للموقف العربي الموحد أن يشكل ورقة ضغط حقيقية على الإدارة الأمريكية وإسرائيل؟

حتى الآن، الموقف العربي لا يزال نظريًا ولم يُترجم إلى خطوات عملية على أرض الواقع. البيانات والتصريحات الداعمة للخطة المصرية ليست كافية. يجب أن يتجاوز العرب مرحلة التنديد إلى استخدام أدوات ضغط أكثر فاعلية، مثل المصالح الاقتصادية والاستراتيجية، تمامًا كما فعل الغرب عندما فرض عقوبات على روسيا بعد غزو أوكرانيا.

ما هي أبرز أوراق الضغط التي يمتلكها العرب ولم يتم استخدامها؟

هناك العديد من الأدوات القوية، مثل وجود أكثر من 63 قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة العربية، منها 13 قاعدة في إحدى دول الخليج وحدها، وهناك استثمارات عربية في الولايات المتحدة تفوق 2.4 تريليون دولار، بالإضافة إلى أكثر من 252 مليار دولار من السندات الأمريكية، بجانب استثمارات عربية ضخمة في أوروبا والعالم الغربي تتجاوز 2.8 تريليون دولار. أضف إلى ذلك الموقع الاستراتيجي والعلاقات الاقتصادية التي تربط الدول العربية بالغرب. لكن المشكلة ليست في الأدوات المتاحة، بل في غياب الإرادة السياسية.

 هل هناك سوابق تاريخية لاستخدام العرب لأدوات ضغط فعالة؟

نعم، وأبرز مثال هو استخدام سلاح النفط في حرب 1973. كان هناك موقف عربي موحد أدى إلى تأثير مباشر على السياسات الغربية. على سبيل المثال، عندما طلب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر، من الملك فيصل تزويد طائرته بالوقود، رد عليه الملك قائلاً: "لقد بلغت من العمر ما يجعلني أتمنى أن أصلي في المسجد الأقصى قبل وفاتي." كان ذلك رسالة واضحة أن النفط لن يُستخدم لدعم أعداء القضية الفلسطينية.

لماذا لم يتم تكرار هذا النموذج اليوم؟

 للأسف، اليوم لا تتوفر الإرادة السياسية لاستخدام هذه الأدوات. العالم العربي لا يسعى إلى ترجمة نفوذه إلى أفعال ملموسة، بل يكتفي بردود الفعل الدبلوماسية التقليدية.

 إذًا، كيف يمكن تحقيق تغيير حقيقي في المعادلة؟

 التغيير لن يأتي إلا عبر إرادة عربية موحدة تترجم إلى خطوات عملية على أرض الواقع. يجب استثمار النفوذ الاقتصادي والاستراتيجي في فرض حلول عادلة، وإجبار المجتمع الدولي على اتخاذ مواقف حاسمة تجاه الجرائم الإسرائيلية. دون ذلك، ستظل الخطط والمبادرات مجرد حبر على ورق.

اقرأ أيضا