مفتي الجمهورية: الإسلام لم يكتفِ بالدعوة إلى بر الوالدين بل جعل الأمر واجبًا

السبت 08 مارس 2025 | 06:32 مساءً
الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية
الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية
كتب : محمود عبد الرحمن

أكد فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن بر الوالدين يُعد من أعظم القيم الأخلاقية التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، مشددًا على ضرورة قيام العلاقة بين الأبناء والآباء على أسس من الاحترام والرحمة، لما لذلك من أثر في بناء شخصية متزنة وإيجابية.

وفي حديثه اليومي خلال شهر رمضان مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي"، الذي يُبث عبر فضائية صدى البلد، أشار فضيلته إلى اتساع الفجوة بين الأجيال داخل العديد من الأسر، مما يؤدي إلى ظهور سلوكيات تخالف الفطرة والقيم الإسلامية، كما أن هذه الفجوة قد تتسبب في تفاقم مشكلات الجفاء وغياب التراحم بين أفراد العائلة.

وأوضح مفتي الجمهورية أن القرآن الكريم رفع من شأن الإحسان إلى الوالدين، حيث جاء مباشرة بعد الأمر بالإيمان بالله، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، مما يدل على عظمة هذا الخُلق في ميزان الإسلام.

 كما أشار إلى أن الله تعالى نهى حتى عن أدنى درجات الأذى تجاه الوالدين، كما جاء في قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]، موضحًا أن الإيذاء لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد ليشمل الأذى النفسي من خلال الكلمات القاسية أو التصرفات الجارحة.

الإسلام لم يكتفِ بالدعوة إلى بر الوالدين بل جعل هذا الأمر واجبًا

وأكد فضيلته أن الإسلام لم يكتفِ بالدعوة إلى بر الوالدين، بل جعل هذا الأمر واجبًا حتى في حال اختلاف العقيدة، مستشهدًا بحديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عما إذا كان عليها صلة والدتها المشركة، فأجابها بقوله: "نعم، صِلي أمَّك".

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن العقوق من كبائر الذنوب التي قد تحرم الإنسان من الجنة، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما صعد المنبر وقال ثلاث مرات: "آمين"، فسأله الصحابة عن السبب، فأوضح أن جبريل جاءه وقال له: "يا محمد، من أدرك والديه أو أحدهما ولم يحسن إليهما فليتبوأ مقعده من النار، قل آمين، فقلت: آمين".

كما شدد فضيلته على ضرورة التحلي بالإحسان إلى الوالدين في كل الأحوال، حتى لو وقع منهم بعض التقصير تجاه أبنائهم، مستدلًا بقوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].

 تعزيز قيم البر والتراحم بين أفراد الأسرة

وفي ختام حديثه، دعا فضيلته إلى ضرورة تعزيز قيم البر والتراحم بين أفراد الأسرة، لا سيما خلال شهر رمضان، باعتباره فرصة عظيمة لإصلاح النفوس وتقوية الروابط العائلية. كما أكد على قاعدة "الجزاء من جنس العمل"، مستشهدًا بقوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60].

وفي سياق متصل، أجاب فضيلته عن عدد من أسئلة المشاهدين، من بينها فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، مؤكدًا أنها ليست مجرد ذكر مستحب، بل ضرورة روحية تبعث الطمأنينة في القلوب، مستدلًّا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

وأوضح أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تُسهم في قضاء الحوائج وتفريج الكروب، مستشهدًا بتجارب الصالحين الذين واظبوا عليها في أوقات الشدة فكانت سببًا في تيسير أمورهم. 

كما بيّن أن من صلى على النبي مرة، صلى الله عليه بها عشرًا، ومن صلى عليه عشرًا، صلى الله عليه بها مائة، ومن واصل الصلاة عليه، حرَّم الله جسده على النار.

أما عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أكد فضيلته أن الحب الصادق يتجلى في الاتباع والاقتداء به، استنادًا إلى قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]. 

وأشار إلى أن الاقتداء بالنبي يظهر في حسن الخلق والالتزام بسنته الشريفة، بالإضافة إلى توقير أهل بيته وصحابته الكرام.

وفي ردِّه على سؤال حول فدية الصيام، أوضح أن الإسلام دين رحمة وتيسير، فلا يُلزم الإنسان بما يفوق طاقته، مستشهدًا بقوله تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. 

كما ذكر قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعترف بوقوعه في معصية خلال نهار رمضان، فأمره النبي بالكفارة، لكنه لم يكن قادرًا على الوفاء بها، فسمح له بأخذ الصدقة التي قدمها النبي بدلًا من إخراجها، مما يدل على رحمة الإسلام وتيسيره على العباد.

واختتم فضيلة المفتي حديثه بالتأكيد على أهمية الالتزام بروح الشريعة الإسلامية التي تقوم على الرحمة والتسامح، داعيًا المسلمين إلى الاستفادة من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم لتحقيق السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة.

اقرأ أيضا