يعد صلاح نصر من أبرز الشخصيات في تاريخ المخابرات المصرية، حيث لعب دورًا بارزًا في تطوير الجهاز وتوسيعه خلال فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، ورغم إنجازاته الأمنية، إلا أن مسيرته لم تخل من الجدل والاتهامات التي أثرت على سمعته وأدت في النهاية إلى محاكمته وسجنه.
وفي ذكرى وفاته، نسلط الضوء على محطات حياته، إنجازاته، انحرافاته، وعلاقته بالفنانين، إضافةً إلى الأحداث التي قادت إلى سقوطه.
النشأة والمسيرة المهنية
ولد صلاح نصر في 8 أكتوبر 1920، والتحق بالكلية الحربية ليبدأ مشواره العسكري الذي قاده لاحقًا إلى رئاسة جهاز المخابرات العامة المصرية في عام 1957، كان من المقربين لعبد الناصر، وساهم في تطوير الجهاز، ما جعله أحد أكثر رجال المخابرات نفوذًا في تلك الفترة.
لعب نصر دورًا رئيسيًا في العديد من العمليات الاستخباراتية التي ساهمت في تأمين الدولة، ولكنه تورط أيضًا في تجاوزات أثرت على سمعة الجهاز وأدت إلى محاكمته لاحقًا.
الانحرافات والاتهامات
على الرغم من إنجازاته، إلا أن فترة رئاسته لجهاز المخابرات شهدت العديد من التجاوزات، حيث وجهت إليه اتهامات باستغلال السلطة لأغراض شخصية.
في كتابها "اعتماد خورشيد شاهدة على انحرافات صلاح نصر"، كشفت اعتماد خورشيد عن ممارسات غير أخلاقية نسبت إليه، مشيرة إلى استغلاله للفنانات في عمليات المخابرات، وقد أثار الكتاب ضجة عند صدوره عام 1988، وتم سحبه من الأسواق بقرار قضائي.
كذلك، أشيع أن جهاز المخابرات في عهده استخدم فنانات للإيقاع بالجواسيس، وهو ما أكده ابنه في تصريحات لاحقة، مشيرًا إلى وجود قسم يعرف باسم "قسم السيطرة" كان مسؤولًا عن هذه المهام.
علاقته بالفنانين ودور المخابرات في الوسط الفني
شهدت فترة الستينيات والسبعينيات علاقة متشابكة بين جهاز المخابرات المصرية والفنانين، حيث كانت هناك محاولات لاستخدام بعضهم في عمليات استخباراتية، أو مراقبتهم لضمان عدم خروجهم عن الخطوط الحمراء السياسية.
وقد تسببت هذه العلاقة في معاناة بعض الفنانين، إما من خلال استغلالهم أو تقييد حرياتهم، وحتى تصفيتهم في بعض الحالات بسبب مواقفهم السياسية أو الاجتماعية.
سقوطه ومحاكمته
بعد نكسة 1967، بدأت الدولة في محاسبة المسؤولين عن الهزيمة، وكان صلاح نصر من بين الذين تم توجيه الاتهامات إليهم،حيث أمر الرئيس جمال عبد الناصر باعتقاله وتقديمه للمحاكمة بتهمة "انحراف جهاز المخابرات".
وفي عام 1968، صدر بحقه حكم بالسجن لمدة 15 عامًا مع غرامة مالية 2500 جنيه مصري، بالإضافة إلى حكم آخر بالسجن 25 عامًا في قضية "مؤامرة المشير عبد الحكيم عامر".
ورغم الأحكام القاسية، لم يقض نصر المدة كاملة، حيث تم الإفراج عنه في 22 أكتوبر 1974 بعد تولي أنور السادات الحكم، وذلك بمناسبة الاحتفال بعيد النصر.
صلاح نصر ونكسة 1967
تكشف الوثائق الأمريكية أن صلاح نصر لعب دورًا في نكسة 1967، حيث تسبب في تسريب معلومات حساسة عن وحدة رادار حصل عليها عبد الناصر من الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى كشفها وتدميرها من قبل إسرائيل، ويعد هذا أحد العوامل التي ساهمت في الهزيمة العسكرية المفاجئة.
مذكراته ورؤيته للأحداث
في مذكراته، تطرق صلاح نصر إلى العديد من القضايا الحساسة، مثل الخلافات بين عبد الناصر ورفاقه، وكواليس حربي 1956 و1967.
وكشف نصر أن عبد الناصر كان شخصًا ذكيًا ومراوغًا، وكان يحرص على معرفة أدق التفاصيل عن حياة رفاقه من خلال مصادر مختلفة، بما في ذلك مراقبة الهواتف عبر أجهزة تنصت سرية في منزله.
كما تحدث عن دوره في المخابرات، ومحاولاته لتطوير الجهاز رغم الضغوط السياسية والتحديات الداخلية.
الوفاة والإرث المثير للجدل
رحل صلاح نصر عن عالمنا في 5 مارس 1982، لكن الجدل حول مسيرته لم ينتهِ. لا يزال اسمه مثار نقاش بين من يرونه رمزًا لتطوير المخابرات المصرية، ومن يعتبرونه مسؤولًا عن انحرافات خطيرة شوهت سمعة الجهاز والدولة.
ومع مرور العقود، تبقى قصته واحدة من أكثر القصص غموضًا وإثارةً في تاريخ الاستخبارات المصرية، حيث يختلط فيها النجاح المهني بالاتهامات الخطيرة، ما يجعله شخصية يصعب تصنيفها بين البطولة والخيانة.