مع بدء عرض المسلسل التاريخي «معاوية» على شاشة MBC خلال شهر رمضان، تجدد الجدل حول واحدة من أكثر الشخصيات إثارة للخلاف في التاريخ الإسلامي.
المسلسل، الذي يتناول حياة معاوية بن أبي سفيان منذ صراعه مع الإمام علي بن أبي طالب حتى تأسيسه الدولة الأموية، أثار ردود فعل واسعة، خاصة من المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف، الذي اعتبر أن تجسيد الصحابة في الأعمال الدرامية مرفوض شرعًا.
معاوية.. شخصية مثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي
وُلِد معاوية قبل البعثة النبوية بخمس سنوات، ونشأ في بيت امتلأ بالعداء للإسلام، حيث كان أبوه، أبو سفيان، أحد قادة قريش في مواجهة النبي محمد (ﷺ)، بينما اشتهرت أمه، هند بنت عتبة، بقتلها حمزة بن عبد المطلب، عم النبي، في معركة أحد.
لم يكن معاوية بعيدًا عن هذه الأجواء، إذ تشير مصادر تاريخية إلى مشاركته في معاداة الرسول في صغره، ثم في شبابه عندما قاتل مع قريش ضد المسلمين في غزوات بدر وأحد والخندق. وبعد فتح مكة، أظهر إسلامه، لكن كثيرًا من الروايات تصفه بأنه أسلم نفاقًا.
معاوية والصراع مع الإمام علي
لعب معاوية دورًا بارزًا في الفتنة الكبرى التي عصفت بالدولة الإسلامية بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان، حيث رفض مبايعة الإمام علي وطالب بالقصاص لعثمان، وهو ما أدى إلى اندلاع حرب صفين عام 37 هـ، والتي راح ضحيتها سبعون ألفًا، حيث سقط من جيش معاوية بن أبي سفيان خمسة وأربعون ألف مقاتل، في حين فقد جيش الإمام علي بن أبي طالب خمسة وعشرون ألفًا.
ورغم اتفاق التحكيم بينه وبين الإمام علي، استمر معاوية في توسيع نفوذه حتى استولى على الحكم بعد استشهاد الإمام علي وابنه الحسن بن علي، ليؤسس الدولة الأموية في الشام، التي اعتمدت على نظام الوراثة في الحكم لأول مرة في تاريخ الإسلام.
سياسة معاوية في الحكم
تميزت فترة حكم معاوية بإجراءات مثيرة للجدل، منها سنُّ سياسة سبِّ الإمام علي على المنابر، وهو الأمر الذي وثقته كتب الحديث، ومنها صحيح مسلم وسنن الترمذي وسنن النسائي. كما وُجِّهَت له اتهامات بتصفية معارضيه سياسيًا، واضطهاد الأنصار، ونبش قبر حمزة بن عبد المطلب، عم النبي، انتقامًا منه.
إلى جانب ذلك، اتُّهم بمعاداة أهل البيت ومحاولة نبش قبر والدة النبي في الأبواء، إلا أن بعض الروايات تشير إلى أن الله ابتلاه بالمرض قبل تنفيذ ذلك، وأصيب بـ"الدُّبَيْلَة"، وهو داء شديد جعله يعاني حتى وفاته عام 60 هـ.
موقف معاوية بن يزيد من أفعال أبيه وجده
في شهادة نادرة من داخل البيت الأموي نفسه، روى المؤرخون أن معاوية بن يزيد، ابن يزيد بن معاوية، أقرَّ في خطبته الوحيدة بأن جده معاوية قد "نازع الأمر أهله" في إشارة إلى الإمام علي، وأن والده يزيد لم يكن أهلًا للحكم، مشيرًا إلى أن الأسرة الأموية ارتكبت أخطاء كبيرة، أبرزها قتل عترة النبي وإباحة المحرمات.
ما بين التاريخ والدراما.. هل ينصف المسلسل الحقيقة؟
بين المؤيدين والمعارضين، يظل معاوية بن أبي سفيان شخصية خلافية في التاريخ الإسلامي، تختلف حولها الروايات بين من يراه مؤسسًا قويًا للدولة الإسلامية، ومن يعتبره مسؤولًا عن تحويل الخلافة إلى مُلْكٍ عَضُوض، كما أشار إلى ذلك بعض الصحابة.
ويبقى السؤال: هل سيتناول المسلسل الجوانب الخفية من حياة معاوية، أم سيقتصر على تقديم صورة مغايرة لما ورد في المصادر التاريخية؟ وهل ستنجح الدراما في نقل وقائع التاريخ بموضوعية، أم أنها ستثير جدلًا جديدًا يُضاف إلى ما سبقه من خلاف حول شخصية أول ملوك الدولة الأموية؟