في الأول من مارس عام 1811، الموافق 5 صفر 1226 هجرياً، وقعت واحدة من أكثر الحوادث التاريخية إثارة للجدل في مصر العثمانية، والتي عرفت بـ"مذبحة القلعة" أو "مذبحة المماليك"، نفذها محمد علي باشا، مؤسس الدولة الحديثة في مصر، للتخلص من أعدائه السياسيين من المماليك، الذين كانوا يشكلون تهديدًا دائمًا لسلطته.
خطة محكمة في قلعة صلاح الدين
بمكر سياسي شديد، دعا محمد علي زعماء المماليك وأعيان الدولة إلى حفل ضخم في قلعة صلاح الدين الأيوبي، بمناسبة تولي ابنه أحمد طوسون باشا قيادة الجيش المتجه إلى الحجاز لمحاربة الحركة الوهابية، حضر المماليك وهم في كامل زينتهم، غير مدركين أنهم يسيرون نحو مصيرهم المحتوم.
بعد انتهاء الحفل، دعاهم محمد علي للانضمام إلى موكب الجيش، وساروا في طليعته عبر الممرات الضيقة للقلعة، وما إن خرج الجيش من البوابة حتى أغلقت الأبواب بإحكام، وانهالت عليهم نيران البنادق من كل صوب، ليلقى أغلبهم حتفهم في مشهد دموي مروع، بينما ذبح من نجا من الرصاص على أيدي الجنود، ولم ينج من المجزرة سوى مملوك واحد يدعى "أمين بك"، تمكن من الفرار إلى الشام.
فوضى ونهب في شوارع القاهرة
أثارت المذبحة موجة من الفوضى استمرت لثلاثة أيام، حيث قتل نحو ألف مملوك، ونهبت مئات المنازل، وسط حالة من الذعر سادت العاصمة، ولم تهدأ الأمور إلا بعدما نزل محمد علي إلى الشوارع وأعاد الانضباط بين جنوده.
بين الغدر والحكمة السياسية
أثارت مذبحة القلعة انقسامًا حادًا في الآراء حول دوافعها ونتائجها، فبينما رأى البعض أنها جريمة غدر شوهت سمعة محمد علي، ووصمة عار في تاريخه، اعتبرها آخرون خطوة ضرورية لتثبيت حكمه وإنقاذ مصر من سيطرة المماليك الذين لم يكفوا عن التمرد والطموح إلى السلطة.
الدوافع السياسية للمجزرة
رغم سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين عام 1517، إلا أن نفوذهم استمر لعقود، خاصة عبر تحالفاتهم مع السلطة العثمانية، وعندما طلبت إسطنبول من محمد علي إرسال جيشه للحجاز، أدرك أن ترك المماليك في مصر يشكل تهديدًا لحكمه، فقرر التخلص منهم بشكل نهائي.
مهندس المذبحة.. لاظوغلي باشا
يشير المؤرخون إلى أن لاظوغلي باشا، أحد أبرز رجال محمد علي، كان العقل المدبر للمجزرة، حيث وضع الخطة وأقنع الباشا بتنفيذها، ولا تزال القاهرة تحتفظ بذكراه من خلال "ميدان لاظوغلي"، الذي يحمل اسمه حتى اليوم.
إرث المذبحة في التاريخ المصري
مهما اختلفت وجهات النظر حول مذبحة القلعة، فإنها بلا شك شكلت نقطة تحول في تاريخ مصر، ومهدت الطريق أمام محمد علي لتأسيس دولة قوية، بعيدًا عن تهديد المماليك الذين كانوا يرون أنفسهم الأحق بحكم البلاد.