التحولات الاستراتيجية .. هل تتعلم إسرائيل من دروس الفشل الاستخباراتي؟

الخميس 19 ديسمبر 2024 | 01:32 مساءً
"التحولات الاستراتيجية: هل تتعلم إسرائيل من دروس الفشل الاستخباراتي؟"
"التحولات الاستراتيجية: هل تتعلم إسرائيل من دروس الفشل الاستخباراتي؟"
كتب : محمود أمين فرحان

تقرير بلدنا اليوم.. شهدت إسرائيل العديد من الأحداث المفصلية التي كانت نتاجًا لإخفاقات استخباراتية، كان أبرزها فشل "الإنذار" الذي سبق حرب أكتوبر 1973. ورغم مرور أكثر من 50 عامًا على تلك الحادثة، إلا أن فشل "الإنذار" الأخير في 7 أكتوبر 2023، الذي أتى بعد هجوم مفاجئ من حركة حماس، وضع إسرائيل أمام اختبار حاسم في قدرتها على استخلاص الدروس من أخطاء الماضي، في محاولة لتجنب تكرارها.

هذه المقالة تستعرض تطورات المواقف الإسرائيلية عقب الهجوم في أكتوبر 2023، مسلطة الضوء على أهمية إجراء مراجعات شاملة للمجتمع الاستخباراتي الإسرائيلي، مع التركيز على السياسات الحالية التي قد تؤثر في هذه العملية الإصلاحية.

1. الدروس المستفادة من فشل "الإنذار" في حرب 1973

في أعقاب حرب 1973، كان لفشل تقديرات الأجهزة الاستخباراتية بشأن التهديدات العسكرية العربية تداعيات كبيرة على الأمن القومي الإسرائيلي. هذا الفشل دفع إلى إجراء تغييرات هيكلية هامة في مجتمع الاستخبارات، بما في ذلك تعزيز عمليات جمع وتحليل المعلومات. من الممكن مقارنة هذا الفشل بالاستخبارات الأمريكية قبل الهجوم الياباني على بيرل هاربر عام 1941، الذي أثار هو الآخر تغييرات هيكلية في جهاز المخابرات الأمريكي، رغم أن الأخطاء الاستخباراتية كانت مكلفة للغاية.

لقد ساهمت هذه الأخطاء التاريخية في دفع الدول إلى إجراء إصلاحات واسعة لضمان عدم تكرارها في المستقبل. ولكن، ما يعنينا هنا هو ما إذا كانت إسرائيل ستستطيع تكرار هذا النهج الإصلاحي بعد فشل الإنذار في أكتوبر 2023.

2. فشل 7 أكتوبر 2023: إسرائيل أمام مفترق طرق

الهجوم المفاجئ من حماس في 7 أكتوبر 2023 شكل صدمة مدوية لإسرائيل على عدة أصعدة، مما أثار تساؤلات حول قدرة الأجهزة الأمنية على توفير تحذيرات مبكرة وتقييم التهديدات بشكل دقيق. التقارير الاستخباراتية التي تبنت تقديرات خاطئة بشأن نوايا حماس ساهمت في تعميق الأزمة، إذ اتضح أن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية فشلت في التنبؤ بهذه الهجمات رغم معلومات سابقة كانت تشير إلى احتمال حدوثها.

هذا الفشل قد يعيد إسرائيل إلى نقطة البداية في مراجعة أساليب عمل مجتمع الاستخبارات، مع ضرورة إجراء تقييم شامل للأخطاء التي وقعت لضمان عدم تكرارها في المستقبل.

3. مشروع القانون الجديد: دوافع سياسية أم حاجة عملية؟

في نوفمبر 2023، تم تمرير مشروع قانون في الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى، يهدف إلى إنشاء "دائرة استخباراتية بديلة" تحت إشراف مكتب رئيس الحكومة. ومن المتوقع أن يقدم هذا الجهاز تقارير مباشرة لرئيس الوزراء، مما يتيح له السيطرة على التقييمات الاستخباراتية بشكل أكثر استقلالية عن الأجهزة الأمنية القائمة.

في هذا السياق، يشير سيمانتوف وريمر إلى أن دوافع هذا المشروع قد تكون سياسية وليست ناتجة عن دراسة معمقة لأسباب الفشل الاستخباري في 7 أكتوبر 2023. يبدو أن المشروع وُلد في أجواء من التسرع، دون أن يخضع لتحقيق مستقل يعالج الأسباب الحقيقية وراء الفشل الاستخباري.

4. مخاطر تسييس الاستخبارات

من بين المخاوف الرئيسية المرتبطة بهذا المشروع هو احتمالية تسييس مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي. إذا تم تنفيذ هذا المشروع، قد تصبح الأجهزة الاستخباراتية أداة سياسية تخدم مصالح رئيس الحكومة، مما يعرض استقلاليتها للخطر. وفي تجارب مماثلة، مثل حالة الولايات المتحدة الأمريكية، أدى تسييس الأجهزة الاستخبارية إلى تقديم معلومات مضللة كان لها آثار سلبية على الأمن القومي.

إذا طبق هذا المشروع في إسرائيل، قد يتسبب ذلك في ضعف الثقة بين الأجهزة الأمنية والمجتمع، مما يضر بالأمن القومي على المدى الطويل.

5. ضرورة تحقيق مستقل وشفاف

يشدد سيمانتوف وريمر على أهمية إجراء تحقيق شامل ومستقل حول إخفاقات 7 أكتوبر 2023. التحقيق يجب أن يكون موضوعيًا وشفافًا، بعيدًا عن التأثيرات السياسية، ويهدف إلى تحديد الأخطاء بوضوح والعمل على تصحيحها. بدون هذا التحقيق المستقل، لن يكون من الممكن تحديد أسباب الفشل الاستخباري، مما يعني أن الإصلاحات التي ستتبناها إسرائيل قد تكون مبنية على افتراضات خاطئة.

6. ضرورة تشكيل لجنة تحقيق رسمية

في سياق إصلاحات مجتمع الاستخبارات، يقترح سيمانتوف وريمر تشكيل "لجنة تحقيق رسمية" تضم خبراء في مجال الأمن والاستخبارات. يجب أن تتمتع هذه اللجنة بصلاحيات واسعة لفحص أداء الأجهزة الاستخبارية، على أن تكون مستقلة تمامًا عن التأثيرات السياسية. فالتغطية الإعلامية والاستخبارات الصحفية قد لا توفر التحقيق الشامل المطلوب في مثل هذه القضايا الحساسة.

7. دروس من الإصلاحات السابقة

أشار الكاتبان إلى الإصلاحات التي أجريت بعد حرب أكتوبر 1973، والتي ركزت على تعزيز التنوع في التقييمات الاستخباراتية وضمان الرقابة المتكاملة على العمليات الاستخباراتية. رغم هذه الإصلاحات، لم يتم تجنب أخطاء مثل الهجوم المفاجئ في أكتوبر 2023. وهذا يعكس ضرورة تحديث النماذج الاستخباراتية بما يتناسب مع التطورات الجديدة، وتوفير بيئة تشجع على التعاون بين الأجهزة الاستخباراتية المختلفة.

8. المخاطر المترتبة على الإصلاحات السريعة

تحذر سيمانتوف وريمر من أن أي إصلاحات سريعة بدون دراسة معمقة قد تؤدي إلى تكرار الأخطاء نفسها. إنشاء جهاز استخباري جديد يتبع مباشرة لرئيس الحكومة، كما يقترح مشروع القانون الحالي، قد يسبب ازدواجية في الأجهزة، مما يؤدي إلى تضارب في المسؤوليات وإهدار الموارد. التسرع في الإصلاحات قد يؤدي أيضًا إلى انعدام الثقة بين الأجهزة الأمنية، مما يعرقل التنسيق اللازم بين مختلف الأفرع الأمنية.

9. الحاجة إلى إصلاح ثقافي داخل مجتمع الاستخبارات

إلى جانب الإصلاحات الهيكلية، يشدد الكاتبان على أهمية الإصلاح الثقافي داخل مجتمع الاستخبارات. يجب خلق بيئة تشجع على التفكير النقدي، وتعزز النقاش الداخلي بين الأجهزة الأمنية المختلفة. 

كما ينبغي تعزيز التعاون مع الأوساط الأكاديمية والبحثية لضمان استراتيجيات استخباراتية فعالة. هذه الثقافة التنظيمية ستسهم في تحسين جودة التحليل الاستخباراتي وتقوية قدرة الأجهزة على التكيف مع التهديدات المستقبلية.

الخاتمة

يعد فشل "الإنذار" في 7 أكتوبر 2023 فرصة لإسرائيل لإجراء إصلاحات جذرية في مجتمع الاستخبارات. لكن نجاح هذه الإصلاحات يعتمد على إجراء تحقيقات شاملة وشفافة، بعيدًا عن الدوافع السياسية أو الاستجابات المتسرعة. الإصلاح الحقيقي يتطلب رؤية استراتيجية واضحة، تهدف إلى تعزيز الأمن القومي مع الحفاظ على استقلالية الأجهزة الاستخباراتية.

اقرأ أيضا