شهدت مصر في السنوات الأخيرة تحولًا رقميًا كبيرًا في مختلف المجالات، خاصة في القطاع الحكومي والمالي.
ودفعت الحكومة المصرية بعجلة التحول الرقمي من خلال مبادرات وبرامج تهدف إلى تحسين كفاءة الأداء الإداري، وتسهيل الإجراءات للمواطنين والشركات، وتعزيز الشفافية والعدالة في النظام الضريبي والمالي.
تبنت وزارة المالية في هذا المجال حلولًا تكنولوجية مبتكرة تهدف إلى رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والشركات على حد سواء، إذ أطلقت الوزارة مجموعة من البرامج والمبادرات التي تعمل على التحول الرقمي في المعاملات المالية، ومنها:
إطلاق تطبيق "إي فاتورة"
من بين أبرز المبادرات التي أطلقتها وزارة المالية في هذا السياق هو تطبيق "إي فاتورة"، الذي يُعتبر خطوة كبيرة نحو رقمنة النظام الضريبي في مصر.
يهدف هذا التطبيق إلى تسهيل تقديم الإقرارات الضريبية للشركات الصغيرة والمتوسطة، من خلال منصة إلكترونية تتيح لهم إصدار الفواتير الإلكترونية وربطها مباشرة بنظام الضرائب.
تفاصيل المبادرة
يُعد تطبيق "إي فاتورة" سهل الاستخدام، إذ يوفر واجهة مرنة تتيح للشركات إتمام معاملاتها الضريبية في دقائق معدودة.
ويهدف التطبيق إلى تقليل التهرب الضريبي وزيادة الشفافية في المعاملات التجارية، مما يعزز الثقة بين الشركات والدولة.
كما تقوم وزارة المالية بتنظيم ورش تدريبية للمحاسبين على كيفية استخدام التطبيق، لضمان تطبيقه بشكل صحيح وفعّال في مختلف الشركات.
يُسهم تطبيق "إي فاتورة" في تحسين الكفاءة التشغيلية للشركات، حيث يوفر الوقت والجهد على أصحاب الأعمال.
كما يُساعد في توفير بيئة أعمال أكثر جذبًا للاستثمار، ويُعزز من مكافحة التهرب الضريبي مما يساهم في زيادة الإيرادات الحكومية.
بطاقة "ميزة" للدفع الإلكتروني
تسعى مصر أيضًا إلى تعزيز الشمول المالي من خلال مبادرات مثل بطاقة "ميزة"، التي تهدف إلى تمكين المواطنين من دفع فواتيرهم الإلكترونية بكل سهولة.
بالتعاون بين وزارة الاتصالات والبنك المركزي المصري، تم توسيع نطاق استخدام هذه البطاقة لتشمل جميع المحافظات، بما يتيح للمواطنين دفع فواتير الكهرباء، المياه، الغاز، ورسوم المدارس والجامعات إلكترونيًا.
تفاصيل البطاقة
تمكن بطاقات "ميزة" المواطنين من إجراء المدفوعات الحكومية بطرق أكثر سرعة وسهولة، مع تقديم خصومات تصل إلى 20% على بعض الخدمات الحكومية.
كما أن التوسع في استخدام هذه البطاقة يعكس حرص الدولة على تحقيق أهداف الشمول المالي، الذي يهدف إلى دمج جميع المواطنين في النظام المالي بشكل آمن وفعّال، وقد وفرت هذه البطاقة على المواطنين الوقت والجهد، خاصة في ظل تزايد الطلب على التعاملات الإلكترونية.
نظام "نافذة" الجمركي
من أبرز النجاحات التي حققها التحول الرقمي في مصر هو تطبيق نظام "نافذة" الجمركي، الذي يهدف إلى تيسير عمليات الإفراج الجمركي على البضائع.
في خطوة كبيرة لتحسين بيئة الأعمال التجارية، يربط هذا النظام بين المنافذ الجمركية والبنوك، مما يسرع من عمليات دفع الرسوم الجمركية ويقلل من الوقت المستغرق للإفراج عن البضائع.
مزايا النظام
يتيح نظام "نافذة" تقليص وقت الإفراج الجمركي بنسبة 50% مقارنة بالأساليب التقليدية، مما يعزز من كفاءة النظام الجمركي.
كما يُساهم في تقليل الأخطاء البشرية وزيادة دقة البيانات، وهو ما يعزز من سمعة مصر في مؤشرات ممارسة الأعمال العالمية.
وقد تم إنجاز أكثر من 1.5 مليون معاملة من خلال هذا النظام في عامه الأول، وهو ما يدل على النجاح الكبير لهذا التحول في تبسيط الإجراءات الجمركية.
بوابة مصر الرقمية
أطلقت الحكومة أيضًا مشروع بوابة "مصر الرقمية"، الذي يهدف إلى توفير منصة موحدة للخدمات الحكومية عبر الإنترنت.
وتهدف هذه المنصة إلى تسهيل وصول المواطنين إلى الخدمات الحكومية من خلال هاتفهم المحمول أو أجهزة الكمبيوتر.
تتيح خدمة "مصر الرقمية" للمواطنين استخراج الأوراق الرسمية مثل شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية، دفع المخالفات والضرائب العقارية، بالإضافة إلى إمكانية متابعة الشكاوى والمقترحات.
كما تم تصميم المنصة لتكون متوافقة مع الهواتف المحمولة، مما يسهل على المستخدمين الوصول إلى الخدمات بسهولة، بالإضافة إلى دعمها للغات متعددة لتلبية احتياجات جميع فئات المجتمع.
دعم الشركات الناشئة
وفي إطار دعم التحول الرقمي، تم إطلاق "برنامج الابتكار الرقمي"، الذي يستهدف الشركات الناشئة التي تعمل في مجالات التكنولوجيا المالية والدفع الإلكتروني.
يهدف البرنامج إلى توفير تمويل للمشروعات المبتكرة في هذا المجال، وتقديم استشارات تقنية وقانونية لمساعدة الشركات على النمو والتوسع.
يدعم البرنامج الشركات الناشئة من خلال تقديم تمويل يصل إلى 2 مليون جنيه، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات لاختيار أفضل الحلول التكنولوجية.
ومن أبرز الأمثلة الناجحة في هذا المجال، شركة "فوري"، التي أصبحت من الشركات الرائدة في تقديم خدمات الدفع الإلكتروني في السوق المصري.
التحول الرقمي مفتاح للنمو الاقتصادي
أشاد الدكتور سعيد الفقي الخبير الاقتصادي بعملية التحول الرقمي، قائلا إن التحول الرقمي في مصر يمثل خطوة هامة نحو تحسين بيئة الأعمال وتعزيز النمو الاقتصادي.
أضاف الفقي في تصريح خاص لموقع "بلدنا اليوم"، أن التحول الرقمي لا يقتصر فقط على تحسين الخدمات الحكومية، بل يمتد أيضًا إلى زيادة كفاءة الشركات وجذب الاستثمارات، مؤكدًا على أن التطوير المستمر للبنية التحتية الرقمية وتوسيع قاعدة المستخدمين هو المفتاح لتحقيق أقصى استفادة من هذا التحول.
واختتم تصريحاته قائلاً: "التحول الرقمي في مصر يمكن أن يكون بمثابة محرك قوي للنمو الاقتصادي في المستقبل، خاصة إذا استمرت الحكومة في توسيع رقعة الخدمات الرقمية وتسهيل الوصول إليها من خلال تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد".