تحتفل مصر اليوم بالذكرى الـ 51, لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة, ويعد نصر أكتوبر أهم نصر عسكري فى تاريخ الدولة المصرية والأمة العربية حيث نجحت القوات المسلحة المصرية في إسترداد الأرض المغتصبة من الكيان الصهيوني , وتقينه درسًا قاسيًا لن ينساه أبد الدهر.
وبهذه المناسبة تستعرض بلدنا اليوم في هذا التقرير الظروف الاقتصادية التي واكبت اندلاع حرب السادس من أكتوبر عام 1973, والتي لم لم تكن بأفضل حال حيث عاش المصريين وقتها ظروفًا غاية في الصعوبة
.
بالتأكيد لم يكن انتصار حرب أكتوبر المجيدة انتصار عسكري أو سياسي فقط ولكنه كان انتصار فى مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة نتيجة حصار اقتصادى غاشم على الدولة المصرية نفذته دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية .
الاقتصاد المصري قبل حرب اكتوبر
كان الاقتصاد المصري خلال السنوات التي سبقت حرب اكتوبر المجيدة يستهدف تحقيق نمو حقيقي زاد فوق الـ 6% بقدوم عام 1965، وسجل معدل الاستثمار ارتفاعًا بقيمة 17.8% من الناتج المحلى بدل من 12.5 % فى نهاية الخمسينيات، وارتفع نصيب الصناعة فى الصادرات إلى 25 % بدلا من 18%، وزادت العمالة الصناعية خلال السنوات دي بأكثر من ضعف الزيادة فى إجمالى القوى العاملة.
توقف القروض والمعونات الأجنبية
وبرغم هذه الإرتفاعات تعرض الاقتصاد المصري لحالة من الانهيار المفاجئ , نتيجة توقف القروض والمعونات الأجنبية والتي كانت تمثل حولي 20% من الاستثمارات في ذلك الوقت.
وجاءت نكسة 67 والتي بدورها قضت على أمال وطموحات الشعب المصري والحكومة في تحقيق التنمية الشاملة وخلفت النكسة وراءها انتكاسة اقتصادية تعادل انتكاسة الهزيمة العسكرية..
وبعد نكسة 67 شهد الاقتصاد المصري تراجع كبير فى موارد العملات الأجنبية كما فقدت مصر آبار البترول فى سيناء وخربت معامل تكرير البترول فى السويس وأغلقت قناة السويس اللى كانت تدخل للدولة المصرية سنويًا حوالي 164 مليون دولار وذلك فى السنوات الـ7 التي سبقت الحرب، إضافة لتراجع كبير فى إيرادات السياحة اللى كانت تجذب لمصر حوالى 100 مليون دولار سنويًا.
كل هذه الظروف نتج عنها ارتفاع ديون مصر الخارجية لـ 5 مليارات دولار .
ترشيد الإنفاق وتوجيه الناتج لصالح القوات المسلحة
ورغم هذه الظروف الصعبة والقاسية لم يكن أمام الدولة المصرية إلا خيار واحد هو خيار الحرب لاسترادا الأرض الغالية على جميع أفراد الشعب المصري.
ومع بدء العد التنازلى لحرب اكتوبر المجيدة طبقت الحكومة المصرية برئاسة الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء وقتها, خطة اقتصادية هدفها ترشيد الإنفاق الحكومى لتوجيه الناتج لصالح القوات المسلحة وتم تشكيل اللجنة العليا للمعركة لتحديد الإجراءات المطلوب تطبيقها فى جميع المجالات استعدادا للحرب والتي أعلنت قبل الحرب بـ 9 شهور تحديدًا في شهر يناير 1973 و تخصيص مليار جنيه سنويا للقوات المسلحة المصرية ..
وفي بداية عام 1973 شهد الاقتصاد المصري تحسنًا ملحوظًا أكدته بيانات البنك المركزي وقتها , وكشف أحمد زندو، محافظ البنك المركزى، في ذلك التوقيت قيام الدولة المصرية بسداد جميع التزاماتها الخارجية فى المواعيد المحددة لها . .
وفي 16 يناير 1973 أعلنت وزارة التخطيط المصرية وضع خطة تستهدف زيادة الدخل القومى 6%، ليصل إلى 6206 ملايين جنيه، مع الاستثمار فى عدد من المشروعات التنموية، على رأسها تخصيص 100 مليون جنيه للتعاقد على تنفيذ مشروع مترو الأنفاق لمدة تصل لـ10 سنين، واعتماد 50 مليون جنيه لمشروعات القطاع الخاص.
وفى فبراير 1973 وأمام مجلس الشعب أعلن الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء ما أسماه بـ«ميزانية المعركة»، ضمن إجراءات التعبئة الاقتصادية التي سيتم تطبيقها فى حال نشوب الحرب، وتتمثل فى تحويل الموازنة العامة إلى موازنة المعركة لتوفير جميع طلبات القوات المسلحة خلال الحرب، مع الحفاظ على سرية البيانات الخاصة بالجيش، وتمويل كل المتطلبات الناتجة عن الحرب، مثل المتطلبات الصحية، والتهجير، والأمن، والنقل، والمواصلات، و إعادة النظر فى خطة التصدير والاستيراد لتوفير النقد الأجنبى، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية بديلا للمستوردة وتخفيض الاستثمارات مع تأجيل تنفيذ المشروعات التنموية الطويلة الأجل.
ملحمة النضال الوطنى
وبعد قيام الحرب طرحت الحكومة المصرية «سندات الجهاد»، وهي شهادات استثمارية كان الهدف منها دعم الدولة والقوات المسلحة فيما يخص الحرب والمتطلبات الناتجة عنها، وتم طرحها للمواطنين، تحت شعار "شارك فى ملحمة النضال الوطنى"، فى البنك المركزى وفروعه وجميع البنوك التجارية وفروعها، وتضمنت الفئات المالية "«50 قرش، وجنيها ، 5و جنيه و10 جنيه و 100 جنيه"، بفائدة 4.5% سنويا ومعافاة من الضرائب، ويمكن الاقتراض بضمانها من البنوك، وبلغت حصيلة السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 مليون جنيه
و أعلن الدكتور عبدالعزيز حجازى، نائب رئيس الوزراء ووزير المالية، في ختام عام 1973 فى بيان له أمام مجلس الشعب حول الموازنة المالية لعام 1974، أن الدولة دعمت القوات المسلحة بالموازنات المالية منذ عام 1967 وحتى عام 1973 بحوالى 5 مليار جنيه، بينها 760 مليون جنيه خلال حرب أكتوبر، وتم تخصيصها للقوات المسلحة والدفاع المدنى والطوارئ، وأعلن أن الموازنة الخاصة بعام 1974، اللى أطلق عليها «ميزانية التضحية والأمل»، تبلغ 5981 مليون جنيه، مقابل 4808 ملايين لعام 1973، وتم تخصيص 25 مليون جنيه علاوات للعاملين بالحكومة رغم ظروف الحرب، مع تخصيص 564 مليون جنيه لمشروعات التنمية.