تبذل مصر بالتعاون مع شركة إيني الإيطالية، جهودًا مكثفة لزيادة الاستثمارات في حقل غاز ظهر، الذي يعد من أبرز مصادر الغاز الطبيعي في البلاد، حيث يسهم بنحو 40% من إجمالي إنتاج الغاز في مصر.
وتطمح الخطة الجديدة إلى ضخ مبلغ يصل إلى 15 مليار دولار في غضون 3 سنوات، وهو رقم يفوق الخطة السابقة بمقدار 3 مليارات دولار، التي كانت مقدرة بـ 12 مليار دولار، والهدف من هذه الزيادة هو تعزيز إنتاجية الحقل من خلال حفر 5 آبار جديدة، وذلك بهدف تحقيق استفادة أكبر من هذا المورد الطبيعي الاستراتيجي.
ومع هذه التطورات الهامة، يطرح العديد من الأفراد والمتخصصين تساؤلات حول الاستراتيجية الاستثمارية في مصر، خصوصاً في ظل وجود خيارات بديلة مثل الطاقة الشمسية والاستثمار في مجالات بحث أخرى.
في هذا السياق، يستعرض تقريرنا اليوم آراء الخبراء حول هذا الموضوع الحيوي، ويسلط الضوء على المسارات المحتملة لتطوير قطاع الطاقة في مصر.
في البداية تؤكد الدكتورة وفاء علي، أستاذة الاقتصاد والطاقة، على أن صناعة الغاز والنفط والبحث عنها تتطلب الصبر والالتزام بالقواعد الحاكمة لهذا الملف.
وأوضحت وفاء علي، أن من أهم هذه القواعد ما يُسمى بـ"نقطة الاتزان"، والتي تعني أن البحث والاستكشاف والتنقيب يخضع لعوامل طبيعية وصناعية ترتبط بمعدلات انخفاض وزيادة مناسيب الحقول، وليس بالنضوب.
وأضافت الخبيرة أن النهج العالمي الصحيح هو استغلال الاستثمارات في تنمية الحقول الموجودة، وحفر آبار جديدة، وذلك للحفاظ على الاحتياطيات وتجنب "السحب الجائر".
كما أشارت إلى أن تقارير شركات البترول العالمية أثبتت أن المسح السيزمي لمنطقة شرق المتوسط لا يزال بحاجة إلى المزيد من الاستثمارات المباشرة للبحث والتنقيب، وهو ما خططت له مصر لولا التداعيات الجيوسياسية في المنطقة.
وفي نفس الرأي عبر الدكتور محمد البهواشي، أستاذ الاقتصاد والطاقة بجامعة السويس، عن ترحيبية بخطط شركة إيني الإيطالية في ضخ 15 مليار دولار في استثمارات لتطوير حقل ظهر للغاز الطبيعي في مصر.
وأوضح البهواشي، أن هذه الاستثمارات الضخمة تُمثل شهادة ثقة من قبل إيني، الشركة العالمية الرائدة، في إمكانات وجدوى هذا الحقل العملاق، وستتضمن هذه الخطة حفر 5 آبار إضافية جديدة.
ووفقًا للخبير الاقتصادي، فإن قرار إيني جاء بعد دراسات معمقة وبناءً على معلومات موثوقة تؤكد القدرة على تحقيق عوائد استثمارية كبيرة لمصر من هذا المشروع.
وأضاف البهواشي، أن هذه الاستثمارات ستؤدي إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بشكل كبير، ما سيعزز من مكانة مصر كدولة رئيسية في هذا المورد الحيوي، ويمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى الدول المجاورة.
كما سيكون لتطوير حقل ظهر آثار إيجابية على مختلف قطاعات الاقتصاد المصري، من خلال خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الابتكار في الصناعة والنقل وغيرها.
وفي رأي آخر يقول الدكتور هاني النقراشي، خبير الطاقة الدولي وعضو المجلس الاستشاري العلمي لرئيس الجمهورية للشئون الطاقة الأسبق، إن وزارة الكهرباء المصرية أعلنت أن الشبكة المصرية تمتلك احتياطي توليد كهرباء يزيد عن 50%، ولكن بعد أسبوعين من هذا الإعلان، حدثت انقطاعات كهربائية في مصر، وكان التفسير الرسمي لذلك هو نقص في الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء.
وهذا يطرح تساؤلاً مهماً: ما الفائدة من امتلاك محطات كهرباء حديثة إذا كانت معطلة بسبب نقص الوقود؟ فهذا يشبه صناعة دبابات حديثة دون توافر الذخيرة اللازمة لتشغيلها، مثلما حصل مع صادرات الغرب لأوكرانيا.
ويقترح النقراشي، حلا لهذه المشكلة من خلال بناء 20 محطة من نوع "خميس" لتوليد الكهرباء، فهذه المحطات تعمل بالطاقة الشمسية المجانية الوفيرة في مصر، ولا تحتاج إلى وقود تقليدي، والتخزين الحراري بها يكفي لتشغيلها ليل نهار، باستثناء أيام الغيوم النادرة.
وأوضح خبير الطاقة الدولي، أن تكلفة إنشاء هذه المحطات أقل من تكلفة الوقود اللازم لتوليد نفس كمية الكهرباء في محطات تقليدية، كما أنها نظيفة وآمنة تماماً في الاستخدام، ولا تتأثر بأي انقطاعات أو حروب تؤثر على إمدادات الوقود.
لذلك ينصح الدكتور هاني النقراشي، بتبني هذا الحل الفعال والاقتصادي، من خلال بناء 10 إلى 20 محطة "خميس" سنوياً لتغطية الزيادة في الطلب على الكهرباء، وفي الوقت نفسه يمكننا بناء محطات مشابهة للتصدير إلى أوروبا، نظراً لتعثر مشاريعهم للطاقة المتجددة وارتفاع الطلب عليها بنسبة تصل إلى 3% سنوياً."