أصبح الشباب أقل سعادة من الأجيال الأكبر سنا لأنهم يعانون من «ما يعادل أزمة منتصف العمر»، حسب بحث علمي أشرف عليه كبير الأطباء الأمريكيين فيفيك مورثي، أيّده تقرير نشرته صحيفة الجارديان بعنوان «تقرير السعادة العالمي لعام 2024».
- احتل البريطانيون الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، المركز 32 في تصنيف تقرير السعادة العالمي، خلف دول مثل مولدوفا وكوسوفو وحتى السلفادور، التي لديها واحد من أعلى معدلات جرائم القتل في العالم.
- احتلت فنلندا والدنمارك وأيسلندا المراكز الثلاثة الأولى في قائمة أسعد البلدان.
- خرجت الولايات المتحدة من قائمة العشرين الأسعد للدول، فيما وصف فيفيك مورثي نتائج البحث بـ «العلامة الحمراء»، على أن الشباب يعانون بالفعل في أمريكا، وبشكل متزايد الآن في جميع أنحاء العالم.
- انخفضت درجات الرفاهية في أمريكا الشمالية في مجموعة تضم أستراليا ونيوزيلندا يتناقض مع فكرة راسخة، مفادها أن الأطفال يبدؤون حياتهم بسعادة أكبر قبل أن ينزلقوا إلى أسفل منحنى U نحو أزمة منتصف العمر.
- يتوقع التقرير حدوث نفس التحول «التاريخي» في أوروبا الغربية.
-أرجع فيفيك مورثي الأزمة إلى فشل الحكومات في تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أفضل خلال السنوات الأخيرة.
يوضح كبير الأطباء الأمريكيين فيفيك مورثي، خلال بحث علمي أشرف عليه بعنوان تقرير السعادة العالمي لعام 2024، أن «معاناة الشباب حقيقة»، مرجعًا ذلك إلى السماح لهم وهم أطفال باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون تنظيم، وهو ما يشبه إعطاءهم دواءً لم يثبت أنه آمن.
استهتار لا حد له
ويلفت مورثي خلال تقرير نشرته صحيفة الجارديان عن البحث العلمي، إلى أن فشل الحكومات في تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أفضل في السنوات الأخيرة كان «جنونا واستهتارا لا حد له».
ويضيف كبير الأطباء: وتظهر طوال البحث بيانات جديدة توضح أن الشباب في جميع أنحاء أمريكا الشمالية أصبحوا الآن أقل سعادة من كبار السن، مع توقع حدوث نفس التحول «التاريخي» في أوروبا الغربية، داعيا إلى اتخاذ إجراءات دولية لتحسين الروابط الاجتماعية الواقعية للشباب.
ويبيّن التقرير خروج الولايات المتحدة من قائمة العشرين الأسعد للدول، وتراجع معدلات الرفاهية تحديدا بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما.
مؤشرات الرضا
ووجد التقرير أن رفاهية الطفولة والصحة العاطفية قد تكون أفضل مؤشر للرضا عن حياة البالغين، وقد خلصت أبحاث سابقة إلى أن المراهقين والشباب الذين يبلغون عن رضا أعلى عن الحياة يحصلون على مستويات أعلى بكثير من الدخل في وقت لاحق من الحياة، حتى مع الأخذ في الاعتبار الاختلافات في التعليم والذكاء والصحة البدنية واحترام الذات.
ويتتبع بحث السعادة العالمي الرفاهية الشخصية باستخدام تقييمات المشاركين لحياتهم ومشاعرهم الإيجابية والسلبية، وسط قلق متزايد بشأن الأزمة السياسية والاقتصادية العالمية، فضلا عن المخاوف بشأن الحرب وتغير المناخ على سعادة الأطفال والشباب.
ويشير: بعد 12 عاما قيس فيها الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما على أنهم أكثر سعادة من الأجيال الأكبر سنا في الولايات المتحدة، يبدو أن الاتجاه قد انقلب في عام 2017، وقد ضاقت الفجوة أيضا في أوروبا الغربية، ويمكن أن يحدث نفس التغيير في العام المقبل.
- تراجعت الولايات المتحدة ثمانية مراكز في التصنيف العام للسعادة لتحتل المرتبة 23 بشكل عام، ولكن عندما سُئل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما فقط، احتلت أغنى دولة في العالم المرتبة 62 - خلف غواتيمالا والمملكة العربية السعودية وبلغاريا.
- إذا تم الاستعانة بآراء الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عاما فما فوق فقط في الاعتبار، فإن الولايات المتحدة كانت في المرتبة العاشرة بين الدول الأكثر سعادة.
- وجد التقرير أنه «بالنسبة للولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، انخفضت السعادة في جميع الفئات العمرية، ولكن بشكل خاص بالنسبة للشباب، لدرجة أن الشباب الآن، -منذ عام 2021 وحتى العام الماضي- الفئة العمرية الأقل سعادة»، عكس عام 2010، كان الشباب أكثر سعادة من أولئك الذين هم في منتصف العمر.
ويرجع مورثي المشكلة إلى أن المراهقين الأمريكيين يقضون ما يقرب من خمس ساعات يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي في المتوسط، ويسهر ثلثهم حتى منتصف الليل في ليالي الأسبوع على أجهزتهم، مناديا بـ «تشريع» للحد من الأضرار التي تلحق بالشباب من وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك تقييد أو إزالة ميزات مثل أزرار الإعجاب والتمرير اللانهائي.
بينما يقول سفير فنلندا في لندن، جوكا سيوكوساري، إن بلاده تمكنت من إنشاء «بنية تحتية للسعادة» بما في ذلك بيئة آمنة ومأمونة، وفرصا ميسورة التكلفة للناس للتعبير عن أنفسهم ثقافيا، ودخل متساو نسبيا، منوها بـ «كل شيء يبدأ بمستويات عالية من الثقة بين المواطنين ومؤسساتنا، ولا يعد اقتصاد الدول المقياص الأوحد لـ سعادة الشباب».
- تراجعت ألمانيا من المركز السادس عشر إلى المركز الرابع والعشرين، واحتلت كوستاريكا والكويت المراكز العشرين الأولى.
- من بين الدول التي تمتعت بسعادة متزايدة كمبوديا وروسيا والصين، فيما سجلت صربيا أكبر زيادة في السعادة.
- ظلت أفغانستان ولبنان الدولتين الأقل سعادة.
يوضح الاستشاري الأسري التربوي، الدكتور عماد حمدان أن لوسائل التواصل الاجتماعي عواقب وخيمة على الشباب، إذ إنها تدخلهم في حالة انطوائية وذاتوية بالأجهزة الإلكترونية.
الخرس الاجتماعي
ويضيف حمدان في تصريحات لموقع «بلدنا اليوم» أن الشباب يعيش داخل عالم افتراضي يسمي بوسائل التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن المصطلح الحقيقي لهذه الحالة هو الخرس الاجتماعي والعزلة الاجتماعية؛ ما يؤدي إلى الإحباط والحزن المستمر من الحالات التي يراها الشباب من انتحار واكتئاب لشباب آخرين، وكذا الموسيقي الصاخبة التي تبثها بعض الدول للسيطرة على عقول الشباب ويطلق عليها الإدمان الرقمي أو المخدرات الرقمية.
ويؤكد الاستشاري الأسري أن النواحي الاقتصادية العالمية، وخاصة انخفاضها الملحوظ في الدول الأوروبية، يدل على حالة الكسل التي تصيب الشباب مع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وينوه حمدان إلى أن الدولة يمكنها التحكم في المواقع التي يتصفحها الشباب من خلال الأعمار المختلفة، بوضع ضوابط خاصة، من خلال متخصصين؛ حتى يمكن الحفاظ على الشباب ومعتقداتهم الراسخة بمختلف المجتمعات.
المحتوى الخفي
كذا يلفت خبير تكنولوجيا أمن المعلومات، هشام الناطور إلى ربط الدراسات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بزيادة معدلات القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، خاصة لدى الأطفال؛ لأنهم يتعرضون لـ «المحتوى الخفي»، وغير المناسب مثل العنف والمواد الإباحية والتنمر الإلكتروني وحتى الابتزاز.
ويحذر الناطور في تصريحات خاصة لموقع «بلدنا اليوم» من أن إدمان وسائل التواصل قد يؤدي إلى إهمال الأطفال لواجباتهم المدرسية وعلاقاتهم الاجتماعية، والعيش في مناخ مناسب لعمرهم ولطبيعتهم العقلية.
ويرجع خبير تكنولوجيا المعلومات المشكلة إلى أن الحكومات وشركات وسائل التواصل الاجتماعي لم يضعوا -حتى الآن- قوانين كافية لتنظيم محتوى وسائل التواصل الاجتماعي وحماية الأطفال من مخاطرها، لذا يجب أن نعتمد على المنزل في حماية أطفالنا، ولكن سيظل ذلك غير كافٍ.
ويواصل الناطور: تصريح الدكتور مورثي كان جزءًا من نقاش أوسع عن مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال، متابعا: هناك حاجة لمزيد من البحث لفهم هذه المخاطر.
ولخص الناطور التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على صحة النفسية للشباب، في الآتي:
- المقارنات مع الغير: الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي لا ينشرون إلا الأجزاء الإيجابية من يومهم، وقد يضيفون إليها بعض «الزيف» حتى يظهر بصورة أكبر مما هو عليه،
أنا على سبيل المثال لا أنشر المشاكل التي تواجهني يوميا أو في العمل أو مجتمعيا على وسائل التواصل الاجتماعي، فقط أنشر الأشياء الإيجابية والإنجازات التي أقوم بها، فيمكن أن يظن من يتابعني أن حياتي كلها تقدم وإنتاجية، في حين أنه ربما قد أكون في ذلك الوقت أمر بأسوأ أيام حياتي، أو لدي مشاكل كبير في الحالة المادية أو العمل، معتبرًا أن المقارنات سبب أساسي في حالات الاكتئاب والانتحار.
- قلة التواصل مع العالم الحقيقي: وهذه الظاهرة انتشرت بقوة بعد فترة جائحة كورونا- وإن كانت موجودة من قبلها- فالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، يقطع الصلة مع العائلة والأصدقاء، والابتعاد عن الاجتماعات الفزيائية، ما يفاقم الشعور بالوحدة.
- اضطرابات النوم: وهذه حالة منتشرة جدا، فالإضاءة الزرقاء التي تنبعث من الشاشات، تؤثر على أعيننا، للدرجة التي تجعلنا نحتاج إلى تناول مادة الميلاتونين التي من المفترض أنها تُفرز في أجسامنا بصورة طبيعية حتى ننام.
- الشعور بالقلق وقلة التركيز: قبل النوم دائما ما نتحقق من قائمة الإشعارات للتأكد من عدم وجود شيء جديد بها، وهذا التعلق المستمر بالإشعارات يؤدي إلى شعور بالقلق وقلة التركيز، إذ تؤدي الإشعارات المتكررة على سبيل المثال إلى اضطراب التركيز خاصة في القيادة، ونرى ارتفاعات ملحوظة في نسبة الحوادث التي يرجع سببها إلى الانشغال بالهاتف.
- إدمان وسائل التواصل الاجتماع: وهي حالة يشعر معها المستخدم بالغضب والقلق إذا انفصل عن هاتفه، وقد يشعر إذا انقطع عنه الإنترنت لوقت قصير أن يومه يسير بشكل خاطئ وأن هناك شيئا مهما ينقصه، ما يعطله عن القيام بالأعمال الضرورية في يومه، مشبها هذه الحالة بإدمان التدخين والنيكوتين.
وينصح خبير تكنولوجيا أمن المعلومات، الحكومات والمؤسسات، بـ وضع قيود وتشريعات لتنظيم تعامل الأطفال والشباب مع وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: تحديد وقت لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حظر المحتوى الضار، إلزام شركات التواصل الاجتماعي بتوفير أدوات الرقابة الأبوية لمساعدة الآباء على مراقبة المحتوى الذي يتابعه أطفالهم، تنظيم برامج توعية، وضع قيود على عمر المستخدمين.