الدكتورة ضحى عبد الحميد خبيرة في الاقتصاد جمعت بين الجانب الأكاديمي، فدرستَ الاقتصاد المالي بعدة جامعات مصرية وإفريقية وأوربية، وعملت في مطبخ السياسات المصرية كمستشارة سابقة لوزير المالية الأسبق الدكتور مدحت حسنين في مرحلة القطط السمان أو ما عرف وقتها بشركات توظيف الأموال بالإضافة لعدد من المناصب الدولية بصندوق النقد والبنك الدولي وهيئات الأمم المتحدة كمتخصصة في متابعة وتقييم برامج التنمية، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة كان لنا معها حوارا طويلا تطرقت خلاله إلى كل الملفات والتحديات التي تواجه الدولة المصرية وكيفية معالجتها من خلال الحوار التالي
1- ما هي ملامح الوضع الاقتصادي لمصر حاليا؟ التضخم سيد الموقف ونحن في مفترق الطريق الاقتصاد إما ننهض أو يزداد الوضع سوءا، والقرارات الاقتصادية لا ندري مرتكزاتها في ظل الأزمة الحالية، كذلك غياب البرامج الاقتصادية المعلنة بالتفصيل سبب في الوضع الحالي بجانب الظروف الاقتصادية العالمية من حروب وأوبئة.
2- ما تقييمك لسياسة الاقتراض التي انتهجتها مصر خلال السنوات الماضية؟الاقتراض ليس خطأ على الإطلاق لكن يجب أن يوجه إلى القطاعات المنتجة، والعالم كله بات يتجه للإنفاق في القطاعات الإنتاجية وليست الخدمية أو الإنشائية، والأولى أن توجه القروض لتنمية أهم مورد؛ العنصر البشري الذي يجب تشغيله في مشروعات منتجة دائمة لا تتوقف بانتهاء البناء، و لم تحقق القروض المرجو منها بسبب عدم استعانة الحكومة بالاقتصاديين.
3- ما أسباب نقص العملة الأجنبية وتحديدا الدولار؟ الاعتماد على الاستيراد وغياب التصنيع المحلي الذي يسد الاحتياجات المحلية والتصدير للخارج مع عدم القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية.
4- كيف نحل مشكلته بشكل اقتصادي؟
بالإدارة الاقتصادية الرشيدة التي تخلق فرصا استثمارية تصنيعا وإنتاجا للمصريين والأجانب، والمستثمر الوطني أهم للاقتصاد المصري من الأجنبي في الوقت الحالي لأنه يشجع المستثمرين الأجانب على الحضور بنجاحه، وبازدهار الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية يتولد لدينا الدولار تلقائيا.
5- هل يقترب الخفض الخامس للجنيه، خاصة مع الحزمة الاجتماعية التي أقرها الرئيس السيسي مؤخرا ورفع البنك المركزي للفائدة 2% في الاجتماع الأخير؟
لا توجد مؤشرات للتعويم في الوقت الراهن، والأمر مرهون بتوافر احتياطي دولاري كبير لتغطية متطلبات السوق لإن التعويم ضربا من المجازفة لو لم تدر عجلة الاقتصاد وفي ظل تراجع توقعات معدل النمو إلى 3% وارتفاع معدلات التضخم، وعموما غياب الشفافية تعيق التوقع الصحيح.
6- ما التقييم الاقتصادي لصفقة رأس الحكمة التي أجرتها الحكومة مع وزارة الاستثمار الإماراتية؟
جيدة ونحتاجها والأهم الاستفادة من الفرصة الحالية في توجيه العوائد للاستثمار في الصناعة والتكنولوجيا لقدرتهم على خلق قيمة مضافة للاقتصاد، ويجب الاكتفاء وتحويل النظر عن الاستثمار العقاري الذي يختص بطبقة معينة، فأغلب المصريين لا يستطيعون التملك في منطقة الساحل بأكملها، وكل معدلات التشغيل منصبة على شركات الإنشاء والعمالة اليومية، وأكرر دائما أن الاستثمار والتنمية يجب أن تتراكم الفوائد لصالح المواطنين.
7- كيف تستطيع مليارات رأس الحكمة كبح جماح الدولار الأمريكي؟
مليارات رأس الحكمة قادرة على كبح جماح الدولار، وسعر السوق الموازي انخفض إلى 13 جنيها في أقل من ساعة بمجرد الإعلان عن الصفقة، إلا أن الفارق بين السعر الرسمي والغير رسمي للدولار لا يزال متسعا، لذا فالعبرة بطريقة الاستخدام للمليارات الجديدة وكيف نضخها في استثمارات مع مصنعين عالميين في شتى المجالات ذات التكنولوجيا المتخصصة بما يراكم لدينا الأرباح ويصنع تنمية حقيقية وليست مجرد إنشاءات يختفي آثرها سريعا، وما يؤرقني في الصفقة إتمامها دون العرض على البرلمان أو على لجان اقتصادية ترفع تقاريرها للسيد الرئيس بشرط أن تكون لجان مستقلة تماما عن الحكومة وتابعة للسيد الرئيس مباشرة.
صفقة رأس الحكمة بثت الطمأنينة لدى المؤسسات الدولية المانحة
8- كيف نحقق الاستغلال الأمثل للتمويلات الجديدة؟
توجيهها في المقام الأول إلى القطاعات الزراعية والصناعية والتكنولوجيا والاتصالات والبحث العلمي والتعدين، وكل ذلك مدون في وثيقة أولويات الدولة التي خرجت من الحوار الوطني، فلا رفاهية للتجريب لأن الإخفاق مرة أخرى في إدارة الأموال يُعقد الوضع الاقتصادي المصري للغاية، وأُحذر من سوء استغلال التمويلات الجديدة.
9- ما تفسيرك لعدم إفصاح بعثة صندوق النقد الأجنبي أو الحكومة عن نتيجة المفاوضات؟
يبدو أن المفاوضات لا تزال جارية، فالإفصاح عن الاتفاقية يكون بعد الاتفاق الكامل بين الطرفين على البرامج المطلوبة وآلية التنفيذ، وللعلم الصندوق يشترط إفصاح الحكومة عن بنود الاتفاق للمواطنين بالكامل، ولكن التأخير يبدو لي أن الشق التمويلي المرتبط بالشركاء الخليجيين عبر الصندوق لا يزال في طور المباحثات، إلا أن وثيقة الأولويات الاستراتيجية للدولة حمست الصندوق للدخول في العملية التفاوضية من جديد بعد تأجيل المراجعتين الأولي والثانية، وصفقة رأس الحكمة قادرة على بث الطمأنينة لدى المؤسسات الدولية المانحة.
10- وفقا لوزير المالية محمد معيط، برنامج الطروحات الحكومية مستهدف في 2024 تحقيق، 6.5 مليار دولار، هل الرقم قابل للتحقيق؟
رئيس الوزراء في الإعلان الأول عن برنامج الطروحات حدد المستهدف بـ4 مليارات دولار على مدار 3 سنوات، ولا أعرف كيف سيتم تحقيق هذا الرقم ومن أين جاءت الزيادة لذا فالشفافية مطلوبة من السيد وزير المالية لتوضيح خطته والقطاعات المطروحة.
11- ما نصيحتك للحكومة فيما يخص ملف الطروحات؟
أهم من برنامج الطروحات الحكومية تحديد القطاعات المستهدفة والنظر إلى قطاعات أخرى بعيدا عن العقارية، ولا طرح لأي قطاع من قطاعات السلع الاستراتيجية ويجب قصرها على الدولة وألا ندع الأزمة الحالية تدفعنا للتخلي عن هذا المبدأ، ثانيا القطاعات الخدمية كالكهرباء والغاز وبعض المواقع الأثرية أو التراثية وغيرها فهي قابلة للطرح بالشراكة مع الدولة التي تحدد أسعار الخدمة وهامش ومعايير الجودة مع مراجعة تكاليف التشغيل للمستثمر، وأخيرا القطاع الصناعي مفتوح للجميع.
12- ما توقعاتك لتغيير الحكومة؟
الجميع تقريبا ينتظر تغييرها لكن الظرف الحالي وحرب غزة تجعل القرار معقدا، فالوزير الجديد سيستغرق وقتا لمعرفة تفاصيل الوزارة وطريقة عملها، ولو تورطت مصر في حرب مع الجانب الإسرائيلي فالأفضل الإبقاء على الحكومة في ظل توتر الأحداث السياسية، وبمجرد استقرار الظروف الإقليمية فالتغيير قادم.
13- كيف تستفيد مصر من عضوية البريكس؟
زيارة الرئيس التركي رجب طيب أوردغان لمصر تعد أول خطوات الاستفادة من مجموعة البريكس، فتركيا تريد الاستفادة من موقع مصر الجغرافي كمدخل لتصدير منتجات تركيا للقارة الإفريقية باعتبار مصر عضو في اتفاقية التجارة الإفريقية، ما يتطلب بناء قاعدة صناعية تركية على أرضنا، وبالتالي تشغيل للمواطنين ومعرفة بآليات الصناعة الحديثة.
14- كيف تحقق شركة المصريين بالخارج المزمع إطلاقها نهاية العام الجاري المستهدف منها في ظل عدم ثقة المغترب في الاقتصاد المصري؟
الحكومة عليها حشد المميزات الجاذبة للاستثمار في الشركة الجديدة لاكتساب ثقة المغترب من جديد، بعد أن توجهت أموال المغترب إلى السوق الموازي للدولار أو شراء الذهب، فانخفضت تحويلاتهم إلى 22 مليار دولار في 2023 مقارنة في 2023.
15- هل تسبب قرار إعفاء واردات الذهب في تراجع تحويلات المصريين بالخارج؟
شراء الذهب يعني خروج الأموال من السوق، وكاقتصادي يجب أن نحتسب تكلفة الفرصة البديلة فهذه الأموال كانت ستوجه للودائع البنكية إذا لم يصدر قانون إعفاء الذهب ويجب مراجعته لتحديد مدى ارتباطه بتراجع تحويلات المصريين بالخارج.
16- كيف نجذب المستثمر الأجنبي إلى مصر؟
مصلحة مصر الاقتصادية مرتبطة بالمستثمر المحلي أولا، والدولار سيأتي بالإنتاج والتصنيع وليس بجنسية المستثمر، وجلب المستثمر الأجنبي يجب أن يكون إضافة للسوق المحلي عبر امتلاكه أساليب تكنولوجية، وجذب الأجنبي بالشفافية ودراسات الجدوى للمشروعات المتاحة والمقترحة وفقا لوثيقة االتوجهات الاستراتيجية للدولة، مع تسهيلات أخرى كتخفيض للضرائب والحوافز المرتبطة بحجم التصدير.
17- كيف أثر إلغاء وزارة الاستثمار على دعم المستثمرين وهل الهيئة العامة للاستثمار غير قادرة على القيام بالدور المنوط بها؟
لب المشكلة في الروتين ثم الروتين، ولن يختلف وجود وزارة الاستثمار من عدمه في ظل ترهل الجهاز الإداري للدولة وتكبيله للمستثمر بسلسلة من الإجراءات لا تزال بعد كل الجهود المبذولة موجودة، أضف أن وزارة الاستثمار ليس لها وجود في دول العالم بل محفزات وقواعد واضحة للاستثمارتعمل بشكل تلقائي من نفسها.
18- كيف نتخلص من ترهل الجهاز الإداري للدولة بما يخدم الاقتصاد؟
مكافحة الفساد الإداري ودمج الوزارات، لدينا 5 وزارات يجب دمجهم تحت وزارة الاقتصاد ، خطة المالية والتخطيط وقطاع الأعمال والاستثمار والتنمية المحلية، وكذلك الزراعة والري يجب ضمهم في حقبة واحدة، وكذلك الطاقة والكهرباء تحت وزارة الطاقة، وبذلك يتعامل المستثمر مع هيئات أقل وتخفض الدولة تكاليف الجهاز الإداري المتضخم.
19- باعتبارك مستشارة سابقة لوزارة المالية ما تقييمك لعملها على مدار السنوات السابقة؟
نحتاج منه توضيح خطته لإدارة الوزارة خلال الفترة المقبلة، وكشف حساب عن الفترة الماضية، وإلى الآن لم نرى برنامج إصلاح مالي متكامل من الوزارة.
20- وما تقييمك لوزارة التخطيط؟
نفس الأمر لم يصدر عنها برامج أو بيانات دورية عن خطتها، وكان يتعين عليها إصدار برنامج تنموي تعمل على تنفيذه بدلا من أسلوب انتظار الأزمة والتعامل معها.
21- ما الوزارة المتميزة من وجهة نظرك؟
وزارة التعاون الدولي بقيادة الوزيرة رانيا المشاط تقدم أداءا غير مسبوقا ومتميزا عن باقي الوزارات فهي الوزارة الوحيدة التي تصدر تقرير سنوي عن ما تنجزه الوزارة وفقا للمعيار الدولي المتعارف عليه.
22- كيف نضمن نجاح المشروعات التنموية كرأس الحكمة واستفادة المواطنين المستهدفين منها؟
الحوار مع المواطن والدراسات المسبقة أهم الأدوات في عملية التنمية بجميع نواحيها ويأتي بعدها إنشاء مؤسسة مستقلة تابعة لرئيس الجمهورية مباشرة لمتابعة وتقييم كل المشروعات التنموية للتأكد من تحقيق أهدافها مع تطبيق معايير التقييم التنموية المتعارف عليها عالميا، ونضع نصب أعيننا أن التنمية السياحية والعقارية لا تحقق تراكم رأس المال كغيرها من القطاعات الصناعية، فالاستثمار الناجح يرتكز على مبدأ تراكم المال بما يعني إعادة الأموال المستثمرة بعائد أعلى يعود على مستوى دخل المواطنين.
23- متى يكون فرض الجمارك وزيادتها في صالح الاقتصاد؟
الأمر مرهون بالبديل المحلي، فالسلع التي لا تُنتج محليا ويحتاجها السوق يجب دراسة الإيرادات الجمركية المفروضة علىها وتحديد الأولويات وأيهما أجدى وأهم توفيرالسلعة للسوق المحلي أم الحصيلة الجمركية؟!
24- ما الطريقة الأفضل لإدارة الاقتصاد المصري، الاقتصاد المخطط أم الاقتصاد الحر؟
الاقتصاد المصري متنوع والأنسب النموذج المختلط، سيطرة للدولة في القطاعات الاستراتيجية التي تمس المواطن وترك الحرية للقطاعات الصناعية القائمة على المنافسة، ويجب إشراك المواطن في العملية الاقتصادية كي يدرك تكلفة الدعم التمويني وغيرها على الميزانية العامة للدولة.
25- مع إعادة الحوار الوطني خلال الفترة المقبلة والتركيز على الشق الاقتصادي، ما هي منجزات المرحلة الأولى منه في الجانب الاقتصادي؟
وثيقة أولويات الدولة الناتجة عن الحوار الوطني الأول كانت جيدة وربما تكون أفضل لو دار نقاش أوسع حولها ولكن في الجلسات المقبلة أطالب بدعوة الخبراء الاقتصاديين الوطنيين مع إتاحة الوقت للمشاركين في لهم لطرح حلولهم للأزمة الحالية فلا يعقل أن يخصص لخبراء الاقتصاد 3 دقائق فقط للحديث في أزمة تمتد لسنوات بعيدة كما تم في جلسات الحوار الوطني السابقة.
26- مالذي يمكن أن ينجزه الخبراء في الجلسات المقبلة؟
بحث أجندة الأولويات الاستراتيجية للدولة ووضع برنامج زمني لتطبيق السياسات الاقتصادية مع توضيح المستهدف بالأرقام في كل مرحلة وكيفية تحقيقه مع تحديد قائد أو رئيس لهذا الفريق الذي يستطيع حينها إخراج خطة واضحة لتوصيلها للسيد الرئيس ومعاونيه لبدء العمل بها فورا في وجود متابعة دائمة لكل حطوة من قبل أهل الاقتصاد.