تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالاً يقول طارحه: ما حكم صيام من كان يخطئ في غسل الجنابة؟ فكنت أغتسل من الجنابة من دون أن أنوي شيئًا، فسمعت بعد ذلك من أحد الشيوخ أن النية واجبة في غسل الجنابة، فما حكم صومي فيما مضى؟
أجاب الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، قائلاً: "إنه مَن كان يخطئ في غسل الجنابة صيامه صحيح، ما دام قد أدَّى الصوم بأركانه وشروطه من تحقق النية، وخلو الصوم عمَّا يفسده، فإن المقرر أن عدم الطهارة من الحدث الأكبر ليس مما يؤثر على الصوم".
حكم اشتراط النية عند الاغتسال من الجنابة
وأكد أنه لا يختلف أحد من الفقهاء في أنَّ الاغتسال من الجنابة أمرٌ واجبٌ؛ لأنه لا يجوز للجُنب أن يؤدي الصلاة أو أن يمس المصحف، أو أن يدخل المسجد إلَّا بعد أن يغتسل منها؛ لقول الله تعالى: «وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا» [المائدة: 6].
وتابع: وقد اختلف الفقهاء في اشتراط النية ليتحقَّق الاغتسال شرعًا، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى وجوب اشتراط النِّية عند الاغتسال، وأنَّها فرض من فرائضه، كما قال العلامة خليل المالكي في "مختصره" (ص: 23، ط. دار الحديث)، والإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 87-88، ط. المكتب الإسلامي)، والعلامة البُهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 181، ط. دار الكتب العلمية). وذهب الحنفية إلى أَنَّ النيةَ في الغُسْل سُنَّةٌ وليست بفرضٍ، كما قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على الدر المختار" (1/ 156، ط. دار الفكر).
النية من فرائض الغُسْل ابتداءً
ونوه بأن الأصل أنَّ النية من فرائض الغُسْل ابتداءً، فلا يصح من دونها، كما هو مذهب الجمهور؛ إذ الاغتسال من الجنابة عبادة، والعبادة لا تؤدَّى ولا يعتدُّ بها شرعًا إلَّا بالنية؛ وذلك لما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أي: أنَّ صِحَّتَها مُعلَّقةٌ على النية.
مُحَصَّلُ ما ذكرنا أن صوم من كان يترك النية في غسل الجنابة صحيحٌ مطلقًا سواء عند الحنفية أو الجمهور؛ وذلك لما تقرر شرعًا من أن العبادة إذا وقعت على الهيئة المطلوبة، ومستوفية للأركان والشروط، فإنها صحيحة ومجزئة، وليس من شروط صحة الصوم الطهارة من الجنابة.
حكم صيام من كان يخطئ في غسل الجنابة
قال العلامة الزركشي في "تشنيف المسامع بجمع الجوامع" (1/ 179، ط. مكتبة قرطبة): [العبادة إن وقعت مستجمعة الأركان والشروط كانت صحيحة، وإلا ففاسدة] وقال العلامة علاء الدين السمرقندي الحنفي في "تحفة الفقهاء" (1/ 351، ط. دار الكتب العلمية): [متى وجد الركن مع وجود ما ذكرنا من الشرائط من الأهلية، والوقت، وغير ذلك: يكون صومًا شرعيًّا] .
واختتم المفتي: هذا، مع التنويه على أن الأولى والأكمل أن يقع الصوم في حال كون المكلف على طهارةٍ، حتى يتمكن من المحافظة على الصلاة، والدخول إلى المسجد، وحتى يتمكن من مس المصحف والقراءة منه على وجهٍ لائق، وعليه أن ينوي رفع الحدث حتى يخرج من خلاف العلماء؛ فالخروج من الخلاف مستحبٌّ.