فى ذكرى وفاة عبد الناصر.. أهم ملامح شخصيته وملامح حكمه

الخميس 28 سبتمبر 2023 | 12:31 مساءً
الرئيس جمال عبد الناصر
الرئيس جمال عبد الناصر
كتب : هاجر محمد

 يصادف اليوم ذكرى وفاة الراحل قائد الضباط الأحرار وزعيم ثورة 23 يوليو المجيدة ،الرئيس جمال عبد الناصر ،ويصف المؤرخون ناصر باعتباره واحدًا من الشخصيات السياسية البارزة في التاريخ الحديث للشرق الأوسط في القرن العشرين.فقد كان انسانًا عظيمًا قبل أن يكون رئيس للجمهورية .

من هو جمال عبد الناصر :

جمال عبد الناصر (15 يناير 1918 – 28 سبتمبر 1970)، هو ثاني رؤساء مصر. تولى السلطة من سنة 1956 حتى وفاته. وهو قائد الاتحاد العربي الاشتراكي الذي يدعو للوحدة العربية وهو أحد قادة ثورة 23 يوليو/تموز 1952 التي أطاحت بالملك فاروق (آخر حاكم فعلي من أسرة محمد علي) وحولت نظام مصر إلى جمهورية رئاسية شغل ناصر منصب نائب رئيس الوزراء في حكومتها الجديدة. قبل الثورة، كان ناصر عضوًا في حزب مصر الفتاة الذي كان ينادي بالإشتراكية. قام عبد الناصر بعد الثورة بالاستقالة من منصبه في الجيش وتولى رئاسة الوزراء، ثم اختير رئيسًا للجمهورية في 25 يونيو/حزيران 1956، طبقًا لاستفتاء أجري في 23 يونيو 1956. وبعد محاولة اغتياله عام 1954م من قبل أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، فقام بحظر وقمع التنظيم ووضع الرئيس محمد نجيب تحت الإقامة الجبرية وتولى المنصب التنفيذي.

جمال عبد الناصر ومحمد نجيب أثناء افتتاح إحدى تفريعات قناة السويس.

أدت سياسات عبد الناصر غير المنحازة خلال الحرب الباردة إلى توتر العلاقات مع القوى الغربية التي سحبت تمويلها للسد العالي، الذي كان عبد الناصر يخطط لبنائه. رد عبد الناصر على ذلك بتأميم شركة قناة السويس سنة 1956، ولاقى ذلك استحسانًا داخل مصر والوطن العربي. وبالتالي، قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل باحتلال سيناء لكنهم انسحبوا وسط ضغوط دولية؛ وقد عزز ذلك مكانة عبد الناصر السياسية بشكل ملحوظ. ومنذ ذلك الحين، نمت شعبية عبد الناصر في المنطقة بشكل كبير، وتزايدت الدعوات إلى الوحدة العربية تحت قيادته، وتحقق ذلك جزئيا بتشكيل الجمهورية العربية المتحدة مع سوريا (1958 - 1961). في سنة 1962، بدأ عبد الناصر سلسلة من القرارات الاشتراكية والإصلاحات التحديثية في مصر.

وعلى الرغم من النكسات التي تعرضت لها قضيته القومية العربية، بحلول سنة 1963، وصل أنصار عبد الناصر للسلطة في عدة أقطار عربية. دعم عبد الناصر ثورة 26 سبتمبر اليمنية في ذلك الوقت. قدم ناصر دستورًا جديدًا في سنة 1964، وهو العام نفسه الذي أصبح فيه رئيسًا لحركة عدم الانحياز الدولية. بدأ ناصر ولايته الرئاسية الثانية في آذار/مارس 1965 بعد انتخابه بدون معارضة. وتبع ذلك هزيمة مصر من إسرائيل في حرب حزيران سنة 1967. استقال عبد الناصر من جميع مناصبه السياسية بسبب هذه الهزيمة، ولكنه تراجع عن استقالته بعد مظاهرات حاشدة طالبت بعودته إلى الرئاسة. بين سنتي 1967 و1968 عين عبد الناصر نفسه رئيسًا للوزراء بالإضافة إلى منصبه كرئيس للجمهورية، وشن حرب استنزاف لاستعادة الأراضي المفقودة في حرب 1967. وبدأ عملية عدم تسييس الجيش وأصدر مجموعة من الإصلاحات السياسية الليبرالية.

بعد اختتام قمة جامعة الدول العربية سنة 1970، توفي عبد الناصر إثر تعرضه لنوبة قلبية. وشيع جنازته في القاهرة أكثر من خمسة ملايين شخص. يعتبره مؤيدوه في الوقت الحاضر رمزًا للكرامة والوحدة العربية والجهود المناهضة للإمبريالية؛ بينما يصفه معارضوه بالمستبد، وينتقدون انتهاكات حكومته لحقوق الإنسان. تعرض عبد الناصر لعدة محاولات اغتيال في حياته، كان من بينها محاولة اغتيال في حي المنشية بالإسكندرية عام 1954م نسبت لأحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وقد نفت الجماعة علاقتها بالحادثة. أمر ناصر بعد ذلك بحملة أمنية ضد جماعة الإخوان المسلمين. يصف المؤرخون ناصر باعتباره واحدًا من الشخصيات السياسية البارزة في التاريخ الحديث للشرق الأوسط في القرن العشرين.

نشأته :

ولد جمال عبد الناصر حسين خليل سلطان المري في 15 يناير 1918م في منزل والده -رقم 12 شارع قنوات- بحي باكوس بالإسكندرية قبيل أحداث ثورة 1919 في مصر. وهو من أسرة صعيدية عربية قحطانية،حيث ولد والده في قرية بني مر في محافظة أسيوط، ونشأ في الإسكندرية، وعمل وكيلًا لمكتب بريد باكوس هناك، وقد تزوج من السيدة «فهيمة» التي ولدت في ملوي بالمنيا، وكان جمال عبد الناصر أول أبناء والديه. وكان والداه قد تزوجا في سنة 1917، وأنجبا ولدين من بعده، وهما عز العرب والليثي. ويقول كُتّأب سيرة عبد الناصر روبرت ستيفنس وسعيد أبو الريش أن عائلة عبد الناصر كانت مؤمنة بفكرة «المجد العربي»، ويتضح ذلك في اسم شقيق عبد الناصر، وهو عز العرب، وهذا اسم نادر في مصر.

علاقته بأسرته:

بسبب سفر العائلة المتكرر كان عبد الناصر يتبادل الرسائل مع والدته، ولكن الرسائل توقفت في أبريل 1926، وعندما عاد إلى الخطاطبة علم أن والدته قد ماتت قبل أسابيع بعد ولادتها لأخيه الثالث شوقي، ولم يملك أحد الشجاعة لإخباره بذلك. وقد قال عبد الناصر في وقت لاحق:

جمال عبد الناصر "لقد كان فقداني لأمي في حد ذاته أمرا محزنا للغاية، فقد كان فقدها بهذه الطريقة، وعدم توديعي إياها صدمة تركت في شعورا لا يمحوه الزمن، وقد جعلتني آلامي وأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضا بالغا في إنزال الآلام والأحزان بالغير في مستقبل السنين "،وتعمق حزن عبد الناصر عندما تزوج والده قبل نهاية هذا العام.

تنقلاته المتكررة:

كانت كثير التنقل فى حياته بين وجوده فى القاهرة فى حى الجمالية مع عمه ، إلى تنقله للاسكندرية مع جده بعد وفاة والدته ،ثم بعد ذلك مع والده إلى القاهرة ، وكان عديد التنقل بين المدارس .

يُؤكِّد أبو الريش أنَّ ناصر لم يُبد أي انزعاج جرَّاء نقلاته المُتكررة، وإنَّ هذ الأمر وسَّع آفاقه وجعله يتعرَّف على مُختلف طبقات المُجتمع المصري. انتمى ناصر إلى الطبقة الشعبيَّة التي عاشت أوضاعًا أصعب بكثير من أوضاع الطبقة الثرية النُخبويَّة، لِذا لم يكن راضيًا عن الأثرياء وأصحاب النُفُوذ، وكبُر امتعاضه من هذه الفئة مع مُرور السنوات. أمضى ناصر معظم وقت فراغه في القراءة، وخاصة في سنة 1933 عندما كان يعيش بالقرب من دار الكتب والوثائق القومية. قرأ القرآن، وأقوال الرسول محمد وحياة الصحابة، والسير الذاتية للزعماء القوميين نابليون، أتاتورك، أوتو فون بسمارك، وغاريبالدي والسيرة الذاتية لونستون تشرشل.

كان ناصر متأثرًا إلى حد كبير بالقومية المصرية، التي اعتنقها السياسي مصطفى كامل والشاعر أحمد شوقي، ومدربه في الكلية الحربية، عزيز المصري، الذي أعرب عبد الناصر عن امتنانه له في مقابلة صحفية سنة 1961. وقد تأثر ناصر بشدة برواية «عودة الروح» للكاتب المصري توفيق الحكيم، التي قال فيها توفيق الحكيم أن الشعب المصري كان فقط بحاجة إلى «الإنسان الذي سيمثل جميع مشاعرهم ورغباتهم، والذي سيكون بالنسبة لهم رمزا لهدفهم». وكانت هذه الرواية هي مصدر إلهام لعبد الناصر لإطلاق ثورة 1952.

الحياة الشخصية:

في سنة 1944، تزوج ناصر من تحية كاظم، البالغة من العمر 22 عاما، ولدت لأب إيراني ثري وأم مصرية، وكلاهما توفيا عندما كانت صغيرة. تعرفت على ناصر من خلال شقيقها، عبد الحميد كاظم، وهو صديق لناصر، في سنة 1943. بعد زفافهما، انتقل الزوجان إلى منزل في منشية البكري، وهي ضاحية من ضواحي القاهرة، حيث عاشا لبقية حياتهما.

كان ناصر وتحية يتناقشان في السياسة أحيانا في المنزل، ولكن غالبًا ما كان يفضل ناصر إبقاء حياته المهنية منفصلة عن حياته العائلية. وكان يفضل قضاء معظم وقت فراغه مع أطفاله. لدى عبد الناصر وتحية ابنتان وثلاثة أبناء: هدى، منى، خالد، عبد الحميد، وعبد الحكيم.

على الرغم من أنه كان من دعاة السياسة العلمانية، كان ناصر مسلما ملتزما، قام بأداء فريضة الحج مرتين. وكان معروفا بشخصيته الشريفة غير الفاسدة، مما زاد من سمعته بين مواطني مصر والوطن العربي. كانت هوايات ناصر الشخصية هي التصوير، ولعب الشطرنج، ومشاهدة الأفلام الأمريكية، وقراءة الآداب العربية، اللغة الإنجليزية، والمجلات الفرنسية، والاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية.

كان لناصر القليل من التصرفات الشخصية التي تسببت في مرضه، مثل التدخين، والعمل لمدة 18 ساعة في بعض الأحيان، ونادرا ما كان يأخذ عطلة. تم تشخيص حالته بأنه مصاب بداء السكري في أوائل الستينات، وكان أيضا مصابًا بتصلب الشرايين وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم. عانى ناصر من نوبتين قلبيتين (في سنتي 1966 و1969)، وفرضت عليه الراحة في الفراش لمدة ستة أسابيع بعد النوبة الثانية. ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن غياب عبد الناصر عن الرأي العام في ذلك الوقت كان نتيجة الأنفلونزا.

الحياة العسكرية:

في سنة 1937، تقدم عبد الناصر إلى الكلية الحربية لتدريب ضباط الجيش، ولكن الشرطة سجلت مشاركته في احتجاجات مناهضة للحكومة، فمنع من دخول الكلية، فالتحق بكلية الحقوق في جامعة الملك فؤاد (جامعة القاهرة حاليًا)، لكنه استقال بعد فصل دراسي واحد وأعاد تقديم طلب الانضمام إلى الكلية العسكرية. واستطاع عبد الناصر مقابلة وزير الحربية إبراهيم خيرى باشا، وطلب مساعدته، فوافق على انضمامه للكلية العسكرية في مارس 1937، ركز ناصر على حياته العسكرية منذ ذلك الحين، وأصبح يتصل بعائلته قليلا. في الكلية، التقى بعبد الحكيم عامر وأنور السادات، وكلاهما أصبحا مساعدين هامين له خلال فترة رئاسته. تخرج من الكلية العسكرية في شهر يوليو 1937، رقي عبد الناصر إلى رتبة ملازم ثان في سلاح المشاة.

في سنة 1941، طلب عبد الناصر النقل إلى السودان، وهناك قابل عبد الحكيم عامر، وكانت السودان حينها جزءًا من مصر. عاد جمال عبد الناصر من السودان في سبتمبر 1942، ثم حصل على وظيفة مدرب في الأكاديمية العسكرية الملكية بالقاهرة شهر مايو 1943.

في سنة 1942، سار مايلز لامبسون السفير البريطاني إلى قصر الملك فاروق وحاصره بالدبابات، وأمره بإقالة رئيس الوزراء حسين سري باشا، بسبب تعاطفه مع قوات المحور. ورأى ناصر الحادث بأنه انتهاك صارخ للسيادة المصرية، وقال عن ذلك:

" أنا أخجل من أن جيشنا لم يصدر أي رد فعل ضد هذا الهجوم"

رئاسته :

في 25 فبراير 1954، أعلن نجيب استقالته من مجلس قيادة الثورة بعد أن عقد مجلس قيادة الثورة لقاء رسميًا دون حضوره قبل يومين. في 26 فبراير، قبل ناصر استقالة نجيب، وقام بوضع نجيب تحت الإقامة الجبرية في منزله. وعين مجلس قيادة الثورة ناصر قائدًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا لمجلس الوزراء، على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغرًا. وكما أراد نجيب، ثم تمرد على الفور بين ضباط الجيش، وطالبوا بإعادة نجيب وحل مجلس قيادة الثورة. ولكن في 27 فبراير، أطلق أنصار عبد الناصر في الجيش غارة على القيادة العامة العسكرية، وقاموا بإنهاء التمرد. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، نظم مئات الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين مظاهرات، ودعوا لعودة نجيب وسجن عبد الناصر. وأيضا طالبت مجموعة كبيرة داخل مجلس قيادة الثورة، بقيادة خالد محيي الدين، بإطلاق سراح نجيب وعودته إلى رئاسة الجمهورية، واضطر ناصر إلى الإذعان لمطالبهم، ولكنه أجل إعادة نجيب حتى 4 مارس، وقام بتعيين عبد الحكيم عامر قائدًا للقوات المسلحة، وكان هذا المنصب في يد محمد نجيب قبل عزله. يوم 5 مارس، قامت قوات الأمن التابعة لعبد الناصر بالقبض على الآلاف من المشاركين في المظاهرات الداعية لعودة نجيب. نجح مجلس قيادة الثورة في إثارة المستفيدين من الثورة، أي العمال والفلاحين، والبرجوازيين الصغار، حيث قاموا بتنظيم مظاهرات كبيرة، لمعارضة قرارات نجيب، التي ألغى فيها قانون الإصلاح الزراعي وعدة إصلاحات أخرى. سعى نجيب لقمع المظاهرات، ولكن تم رفض طلباته من قبل رؤساء قوات الأمن. يوم 29 مارس، أعلن ناصر إلغاء قرارات نجيب «ردا على طلب الشارع». بين أبريل ويونيو، تم اعتقال وفصل مئات من مؤيدي نجيب في الجيش، وكان محيي الدين منفيا في سويسرا بصورة غير رسمية (لتمثيل مجلس قيادة الثورة في الخارج). حاول الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية إصلاح العلاقات بين عبد الناصر ونجيب، ولكن دون جدوى.

 26 أكتوبر 1954، حاول محمود عبد اللطيف أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين اغتيال عبد الناصر، عندما كان يلقي خطابًا في الإسكندرية للاحتفال بالانسحاب العسكري البريطاني. كان المسلح بعيدا عنه بـ 25 قدمًا (7.6 متر)، وأطلق ثماني طلقات، ولكن جميع الطلقات لم تصب ناصر. اندلعت حالة من الذعر بين الجمهور، لكن ناصر رفع صوته وطلب من الجماهير الهدوء، وصاح بما يلي:

" فليبق كل في مكانه أيها الرجال، فليبق كل في مكانه أيها الرجال، حياتي فداء لكم، دمي فداء لكم، سأعيش من أجلكم، وأموت من أجل حريتكم وشرفكم، إذا كان يجب أن يموت جمال عبد الناصر، يجب أن يكون كل واحد منكم جمال عبد الناصر، جمال عبد الناصر منكم ومستعد للتضحية بحياته من أجل البلاد"تعالت صيحات التشجيع لعبد الناصر في مصر والوطن العربي. وأتت محاولة الاغتيال بنتائج عكسية. وبعد عودته إلى القاهرة، أمر عبد الناصر بواحدة من أكبر الحملات السياسية في التاريخ الحديث لمصر، فتم اعتقال الآلاف من المعارضين، ومعظمهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والشيوعيين، وتمت إقالة 140 ضابطًا مواليًا لنجيب. وحكم على ثمانية من قادة الإخوان بالإعدام. تمت إزالة محمد نجيب من رئاسة الجمهورية ووضع تحت الإقامة الجبرية، ولكن لم تتم محاكمته، ولم يقم أحد في الجيش بالدفاع عنه. وبعد تحييد منافسيه، أصبح عبد الناصر الزعيم في مصر بلا منازع.

بعد فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، تسلم ناصر السلطة. اصطدمت سياساته الخارجية والداخلية المستقلة بشكل متزايد مع المصالح الإقليمية لكل من المملكة المتحدة وفرنسا. أدانت الأخيرة دعمه القوي لاستقلال الجزائر، واهتاجت حكومة أنطوني إيدن في المملكة المتحدة من حملة عبد الناصر ضد حلف بغداد. بالإضافة إلى ذلك، فقد أدى تمسك عبد الناصر بالحياد بشأن الحرب الباردة، والاعتراف بالصين الشيوعية، وصفقة الأسلحة مع الكتلة الشرقية إلى انزعاج للولايات المتحدة. في 19 تموز 1956، سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا فجأة عرضهما لتمويل بناء سد أسوان، حيث أعربتا عن خوفهما من أن الاقتصاد المصري سوف يغرق بسبب هذا المشروع.

أُبلِغ ناصر بالانسحاب البريطاني الأمريكي بينما كان على متن طائرة العودة إلى القاهرة من بلغراد. يؤكد الصحفي محمد حسنين هيكل أن ناصر اتخذ القرار النهائي لتأميم قناة السويس بين 19 و20 يوليو. ولكن ناصر ذكر بنفسه في وقت لاحق أنه قرر ذلك في 23 يوليو، بعد دراسة المسألة والتباحث مع بعض مستشاريه من مجلس قيادة الثورة المنحل، وهما البغدادي ومحمود يونس. علم بقية أعضاء مجلس قيادة الثورة بالقرار يوم 24 يوليو، بينما كان الجزء الأكبر من مجلس الوزراء غير مدركين لمخطط التأميم حتى قبل ساعات من إعلان عبد الناصر عنه.

في 26 يوليو 1956، قدم ناصر خطابا في الإسكندرية أعلن فيه تأميم شركة قناة السويس كوسيلة لتمويل مشروع سد أسوان في ضوء انسحاب القوات البريطانية الأمريكية. ووسط حديثه، ندد ناصر بالإمبريالية البريطانية في مصر والسيطرة البريطانية على أرباح شركة القناة، وتمسك بحق الشعب المصري في السيادة على الممر المائي، خاصة وأن 120,000 مصري قد مات في سبيل إنشائه.

وكان في استقبال إعلان تأميم القناة تأييد واسع من قبل الجمهور في مصر، وفي جميع أنحاء الوطن العربي، نزل الآلاف إلى الشوارع مرددين هتافات داعمة لهذا القرار. وكتب المحلل السياسي المصري محمود حمد أنه بعد تأميم القناة اكتسب ناصر شعبية «شبه تامة» أنشأت الشرعية وجعلته «القائد الكاريزمي» و«المتحدث باسم الجماهير ليس فقط في مصر، بل في جميع أنحاء العالم الثالث». ووفقا لأبو الريش، كان هذا أكبر انتصار لقومية عبد الناصر العربية في ذلك الوقت و«بعد فترة قصيرة كانت لوحاته يمكن العثور عليها في خيام اليمن، وأسواق مراكش، والفيلات الفاخرة في سوريا». وكان التبرير الرسمي لتأميم القناة أن الأموال الناتجة من القناة ستستخدم في بناء السد في أسوان. وفي اليوم نفسه، أغلقت مصر القناة أمام الملاحة الإسرائيلية.

إرثه:

جعل ناصر مصر مستقلة تمامًا عن النفوذ البريطاني، وأصبحت البلاد قوة عظمى في العالم النامي تحت قيادته. واحدة من جهوده المحلية الرئيسية كانت إقامة العدالة الاجتماعية، والتي تعتبر شرطًا أساسيًا لتحقيق الديمقراطية الليبرالية. وخلال فترة رئاسته، تمتع المواطنون العاديون بمزايا غير مسبوقة في السكن والتعليم وفرص العمل والخدمات الصحية والتغذية، فضلًا عن العديد من أشكال الرعاية الاجتماعية، في حين تراجع نفوذ الإقطاعية. وبحلول نهاية رئاسته تحسنت ظروف العمل والعمال بشكل كبير. على الرغم من ذلك، ظل الفقر مرتفعا في البلاد وتم تحويل موارد كبيرة كانت مخصصة للرعاية الاجتماعية إلى العسكرية.

نما الاقتصاد الوطني بشكل كبير من خلال الإصلاح الزراعي، ومشاريع التحديث الكبرى مثل صلب حلوان وسد أسوان، وتأميم قناة السويس. ومع ذلك، فإن النمو الاقتصادي الملحوظ في أوائل الستينات أخذ في الانكماش للفترة المتبقية من العقد، متعافيا فقط في سنة 1970. شهدت مصر «العصر الذهبي» للثقافة خلال رئاسة عبد الناصر، وفقا للمؤرخ جويل غوردون، خاصة في السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة، والأدب، والفنون الجميلة، والكوميديا، والشعر، والموسيقى. سادت مصر الوطن العربي في هذه المجالات في عهد ناصر، منتجة العديد من الرموز والشخصيات الثقافية.

صورة عامة عن علاقته بشعبه:

عرف ناصر بعلاقته الحميمة مع المصريين العاديين، على الرغم من أن محاولات اغتياله كانت لا مثيل لها بين خلفائه. كان ناصر خطيبا ماهرا، حيث ألقى 1359 خطبة بين سنتي 1953 و1970، وهو رقم قياسي بالنسبة لأي رئيس مصري. كتب المؤرخ إيلي بوده أن من الثوابت في شخصية عبد الناصر «قدرته على تمثيل الأصالة المصرية، في الانتصار أو الهزيمة». ساهمت الصحافة الوطنية أيضا في تعزيز شعبيته، خاصة بعد تأميم وسائل الإعلام الرسمية.

بالرغم من كثرة الانتقادات التي وجهت لناصر من قبل المثقفين المصريين في أعقاب حرب الأيام الستة وحتى وفاته في سنة 1970، كان عامة الناس يزدادون تعاطفا معه، أثناء حياته وبعد وفاته، وفقا لبوده.

حتى يومنا هذا، يعتبر ناصر شخصية بارزة في جميع أنحاء الوطن العربي، ورمزا للوحدة العربية والكرامة، وشخصية هامة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. ويعتبر أيضا بطل العدالة الاجتماعية في مصر. تقول مجلة التايم أنه على الرغم من أخطائه وأوجه القصور لديه، أضفى ناصر شعورًا بالقيمة الشخصية والكرامة الوطنية، التي كان المصريون والعرب لا يعرفونها منذ 400 سنة.

خلال الربيع العربي، ظهرت صور جمال عبد الناصر في القاهرة والعواصم العربية خلال المظاهرات المناهضة للحكومات. وفقا للميس أندوني، أصبح ناصر «رمزا للكرامة العربية» خلال المظاهرات الحاشدة.

الزعامة الإقليمية:

من خلال تصرفاته وخطبه، كان ناصر قادرا على تجسيد الإرادة الشعبية العربية، واستوحيت العديد من الثورات القومية في الوطن العربي من أفكار ناصر. كانت إنجازات عبد الناصر غير مسبوقة بالنسبة للزعماء العرب الآخرين. مدى مركزية ناصر في المنطقة جعلت إحدى أولويات الرؤساء القوميين العرب إقامة علاقات جيدة مع مصر، من أجل كسب شعبية بين مواطني بلادهم.

كان نظام سيطرة الدولة الخاص بناصر قدوة لجميع الدول العربية تقريبا، ومنها الجزائر وسوريا والعراق وتونس واليمن، والسودان، وليبيا. أحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر، كان ناصريا. أصبح عبد الله السلال (أحد حلفاء ناصر) ملك اليمن الشمالي. حدثت انقلابات أخرى متأثرة بناصر، كتلك التي وقعت في العراق في يوليو 1958 وسوريا في سنة 1963. معمر القذافي الذي أطاح بالنظام الملكي الليبي في سنة 1969، اعتبر ناصر بطله وسعى لخلافته في «زعامة العرب». أيضا في سنة 1969، العقيد جعفر النميري، المؤيد لناصر، استولى على السلطة في السودان. انتشرت أفكار عبد الناصر القومية في جميع أنحاء الوطن العربي، وخاصة بين الفلسطينيين، وفي اليمن الجنوبي، والخليج العربي، والعراق.

وفاته وجنازته:

بعد انتهاء القمة يوم 28 سبتمبر 1970، عانى ناصر من نوبة قلبية. ونقل على الفور إلى منزله، حيث فحصه الأطباء. توفي ناصر بعد عدة ساعات، حوالي الساعة السادسة مساءً. كان هيكل، السادات، وزوجة عبد الناصر تحية في فراش الموت. وفقا لطبيبه، الصاوي حبيبي، كان السبب المرجح لوفاة عبد الناصر هو تصلب الشرايين، والدوالي، والمضاعفات من مرض السكري منذ فترة طويلة. وكان ناصر يدخن بكثرة، هذا بالإضافة إلى تاريخ عائلته في أمراض القلب التي تسببت في وفاة اثنين من أشقائه في الخمسينات من نفس الحالة. بالرغم من كل ذلك فإن الحالة الصحية لناصر لم تكن معروفة للجمهور قبل وفاته.

بعد الإعلان عن وفاة عبد الناصر، عمت حالة من الصدمة في مصر والوطن العربي. حضر جنازة عبد الناصر في القاهرة في 1 تشرين الأول من خمسة إلى سبعة ملايين مشيع. حضر جميع رؤساء الدول العربية، باستثناء العاهل السعودي الملك فيصل. بكى الملك حسين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات علنا، وأغمي على معمر القذافي جراء الاضطراب العاطفي مرتين. وحضر عدد قليل من الشخصيات غير العربية الكبرى، منها رئيس الوزراء السوفيتي أليكسي كوسيغين ورئيس الوزراء الفرنسي جاك شابان دلماس .

بعد أن بدأ الموكب بالتحرك، أخذ المشيعون يهتفون: «لا إله إلا الله، ناصر هو حبيب الله ... كلنا ناصر». حاولت الشرطة دون جدوى تهدئة الحشود، ونتيجة لذلك، تم إجلاء معظم الشخصيات الأجنبية. وكان المقصد النهائي للموكب هو مسجد النصر، الذي تم تغيير اسمه فيما بعد ليصبح مسجد عبد الناصر، حيث دفن هذا الأخير.

بسبب قدرته على تحفيز المشاعر القومية، «بكى الرجال والنساء، والأطفال، وصرخوا في الشوارع» بعد سماع وفاته، وفقا لنوتنغ. كان رد الفعل العربي عامةً هو الحداد، وتدفق الآلاف من الناس في شوارع المدن الرئيسية في جميع أنحاء الوطن العربي. ونظم سعيد السبع مسوؤل التنظيم الشعبي الفلسطيني مسيرة مسلحة للفدائيين الفلسطينيين في طرابلس، لبنان، كما انطلقت مسيرة ضخمة في بيروت وقتل فيها أكثر من عشرة أشخاص في نتيجة للفوضى، وفي القدس سار ما يقرب من 75,000 عربي خلال البلدة القديمة وهم يهتفون «ناصر لن يموت أبدا». شريف حتاتة، السجين السياسي سابقا، والعضو في جامعة ولاية أريزونا في عهد جمال عبد الناصر، قال إن:

"جمال عبد الناصر أعظم إنجاز لعبد الناصر كان جنازته. إن العالم لن يرى مرة أخرى خمسة ملايين من الناس يبكون معا".

اقرأ أيضا