تباينت العلاقات المصرية الإيرانية على مدى عقود بين الجمود ومحاولات التقارب، وجاءت زيارة سلطان عمان، هيثم بن طارق إلى مصر ثم إيران خلال الفترة الماضية وسط تكهنات أنها محاولة لإيجاد مسار لإعادة العلاقات بين القاهرة وطهران، والتي أعقبها ترحيب من المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي بعودة العلاقات بين البلدين.
واتفق الخبراء على هامش حديثهم مع «بلدنا اليوم» على إيجابية خطوة إعادة العلاقات بين مصر وإيران نظرًا لمساهمتها في التوصل لحلول للأزمات الإقليمية والتي منها الأزمة السورية واليمنية والعراقية، مؤكدين على ضرورة إنهاء الملفات الخلافية بين البلدين على الصعيد الأمني.
وأكد البعض أن مسار إعادة العلاقات الدبلوماسية جاء نتيجة تراجع الدور الأمريكي في المنطقة بالتزامن مع سعي الصين لتحقيق نفوذ سياسي يعزز طموحها الاقتصادي بالإقليم، والتقارب الإيراني مع دول الخليج لا سيما السعودية والإمارات، ورغبة القاهرة في إنشاء شراكات اقتصادية جديدة.
قال السفير محمد العرابى رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية، ووزير الخارجية السابق: إن إعادة العلاقات المصرية الإيرانية تسير بشكل طبيعي وفي اتجاهٍ تصاعدي حيث تلتزم القاهرة بمحددات خاصة وعندما تصل إلى قناعة بمراعاة الطرف الآخر لهذه الأمور ستعود العلاقات بقوة.
العرابي: مسار إعادة العلاقات بين طهران والقاهرة في اتجاه تصاعدي
وأضاف العرابي في تصريحات خاصة لجريدة تصريحات خاصة لـ «بلدنا اليوم» أن العلاقات بين مصر وإيران لم تقطع حيث يوجد قائم بأعمال السفارة الإيرانية بالقاهرة بدرجة سفير منذ أكثر من 10 سنوات.
وأشار رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعارض أي تقارب عربي إيراني، مؤكد أن نظرة واشنطن للعلاقة لم تغير من الأمر شئ حيث تتمع مصر بكامل سيادتها في إطار الاعتبارات الخاصة بالأمن القومي المصري.
واستبعد وزير الخارجية السابق أن التقارب بين القاهرة وطهران جاء نتيجة عودة العلاقات الدبلوماسية السعودية مع إيران، مؤكدًا أن محددات السعودية مع طهران تختلف تمامًا عن محددات مصر، مشيرًا إلى أن الاتصالات المباشرة بين القاهرة وطهران مستمرة منذ فترة طويلة لإعادة العلاقات.
وقال السفير، إن عودة العلاقات إلى مستوى السفراء بين القاهرة وطهران مرهون بتعامل إيران بإيجابية لوقف تدخلاتها في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية.
وأكد السفير محمد العرابى، أن مسار عودة العلاقات المصرية والإيرانية غير مرتبط بزيارة سلطان عمان هيثم بن طارق لمصر، مشيرًا إلى أن التقارب بين القاهرة وطهران لا يحتاج إلى وساطة.
رخا: أمريكا تستخدم معايير الكيل بمكيالين في التعامل مع إيران
وأكد رخا أحمد، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، أن هناك مساعي خلال الوقت الراهن من بعض الدول مثل العراق وسلطنة عمان لعودة العلاقات بين القاهرة وطهران.
وأكد عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة في تصريحات خاصة لـ «بلدنا اليوم» أن الاتصالات بين إيران ومصر كانت مباشرة خلال فترة ماضية، مشيرًا أن وجود بعض المتطلبات من الطرفين كانت تعمل على إيقاف سير المفاوضات وتمنعها من الوصول لنتيجة إيجابية.
وأضاف عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن المفاوضات هذه المرة تختلف؛ بسبب رغبة إيران والنظام الحالي لعودة العلاقات مع مصر، مؤكدًا أن ترحيب المرشد الإيراني، علي خامنئي بالتقارب بين القاهرة وطهران، يجعل العلاقات بين البلدين على وشك العودة خلال الفترة المقبلة.
وقال إن واشنطن تستخدم سياسة التصعيد بشكل غير مفهوم في الملف النووي مع إيران وبطريقة مفتعلة، بينما تترك إسرائيل تمتلك سلاحًا نوويًا دون اتخاذ إجراء صارم ضدها على الرغم من توقيع إيران على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بينما تل أبيب لم توقع على هذه الاتفاقية ولا تخضع لأي رقابة دولية.
وأكد عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة أن والولايات المتحدة الأمريكية تستخدم معايير الكيل بمكيالين في التعامل مع إيران، مشيرًا إلى أن التقارب بين مصر وإيران شأن داخلي ولا علاقة لأمريكا به.
وأوضح أن الإطار العام في المنطقة خلال الفترة الحالية وبعد عودة العلاقات بين الرياض وطهران هو تحسين العلاقات مع دول الجوار كي تعلب هذه الدول دورًا ميسرًا لحل الأزمات العربية في ظل انخراط إيران في القضية اليمنية وجنوب لبنان والعراق، حيث يعمل التوافق وإقامة حوار على احتواء الخلافات والتوصل لحلول مباشرة.
بيومي: انزعاج أمريكي من التقارب الإيراني العربي
وأكد السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن عودة العلاقات المصرية الإيرانية قاب قوسين أو أدنى ولاسيما بعد التقارب بين الرياض وطهران.
وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن عودة العلاقات بين القاهرة وطهران يساعد على تعطيل الطموحات الإمبراطورية لإيران في سوريا واليمن والعراق.
ويرى السفير جمال بيومي أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض والقاهرة وطهران في صالح واشنطن على الرغم من الانزعاج الأمريكي من التقارب العربي الإيراني، مشيرًا إلى أن المصالح المشتركة بين إيران والدول العربية بعد التقارب تدفعها إلى التصرف بعقلانية نحو الأزمات الإقليمية.
وذكر "بيومي" أن الرئيس الأمريكي جو بايدن اقترح على البلاد العربية تكوين حلف عربي ضد إيران مشيرًا إلى أن رد الخارجية المصرية جاء فيه:" إن إيران دولة شقيقة إسلامية ويمكننا التعامل معها".
وأكد وزير الخارجية الأسبق، أن الاستثمار الإيراني في مصر لا يزال مستمرًا على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية، لافتًا أن بنك مصر إيران يعد من أضخم المشرعات في القاهرة.
باحث في الشأن الإيراني: بناء شراكات اقتصادية بين القاهرة وطهران الدافع لعودة العلاقات
وأوضح أحمد قبال الباحث في الشأن الإيراني، أن فرص عودة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران تتزايد بعد الوساطة العراقية في ظل بوادر نجاح الوساطة العمانية مؤخرا على الرغم من وجود ملفات خلافية بين مصر وإيران على الصعيد الأمني.
وأضاف الباحث في الشأن الإيراني في تصريحات خاصة ل «بلدنا اليوم» أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين جاء نتيجة تطورات إقليمية ودولية أبرزها تراجع الدور الأمريكي في المنطقة بالتزامن مع سعي الصين لتحقيق نفوذ سياسي يعزز طموحها الاقتصادي بالمنطقة، والتقارب الإيراني مع دول الخليج لا سيما السعودية والإمارات، ورغبة القاهرة في إنشاء شراكات اقتصادية جديدة، تعزز فرص إعادة ثقلها السياسي والاقتصادي.
وأكد "قبال" أن انعكاسات عودة العلاقات بين القاهرة وطهران على المنطقة، ترتبط بحجم التعاون المتوقع بين الدولتين، خاصة في ظل تطلع البلدين لبلوغ مستوى متقدم من العلاقات على الصعيد الأمني والعسكري.
وأشار إلى أن عودة العلاقات الدبلوماسية، ورغبة طهران في الخروج من عزلتها إقليميا ودوليا، يدفعان القاهرة للنجاح جزئيا في تعطيل المد الإيراني في سوريا واليمن والعراق.
وأوضح الباحث أحمد قبال، أن واشنطن تراقب مسار الدبلوماسية الإيرانية بتخوف، نتيجة احتمالات نجاح إيران في تخطي انعكاسات العقوبات الأمريكية، وطموحها في تطوير قدراتها النووية بعد توقف مباحثات العودة للاتفاق النووي، بالإضافة إلى إمكانية نجاح تكوين تحالف مناهض للعقوبات الأمريكية على رأسه روسيا والصين وإيران في استقطاب قوى اقتصادية وسياسية نافذة بالمنطقة.
وأكد أن العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران لن تنعكس فقط على ملف الأزمة السورية خاصة بعد عودة دمشق لحاضنة الدول العربية مؤخرا، إنما ستمتد لملفات أمنية مرتبطة بنفوذ وأذرع إيران في اليمن والعراق.
ولفت إلى أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية كشفت عن تغيير جذري في الاستراتيجية السعودية وتطلعات المملكة في المرحلة القادمة، كما ساهمت في ظهور بوادر مرحلة شراكة اقتصادية إقليمية تبدد المخاوف الأمنية وتغلب المصالح دون استثناء أي طرف.
وشهدت العلاقات المصرية الإيرانية ازدهارا في ثلاثينيات القرن عندما تزوج ولي العهد الإيراني، محمد رضا بهلوي من شقيقة الملك فاروق الأميرة فوزية.
وبعد اندلاع الثورة الإسلامية في طهران تحولت إيران من حليف للولايات المتحدة الأمريكية وتل أبيب إلى أكثر دول المنطقة عداء للغرب، وخلال هذا الوقت كانت القاهرة تتهيأ لتوقيع معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، فانحازت طهران إلى ما أطلق عليه خيار المقاومة.
وقررت الخارجية الإيرانية قطع العلاقات مع مصر احتجاجا على توقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات على اتفاقية السلام كامب ديفيد مع تل أبيب، وهو ما اعتبر تدخل سافر في الشؤون الداخلية لمصر.
وعادت بعدها العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران على مستوى القائم بالأعمال في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، واتفق الطرفان على فتح مكاتب رعاية المصالح.