في الخامس والعشرون من سبتمبر الجاري، حدث لقاء مرتقب بين وزير الخارجية المصري "سامح شكري" ونظيرة السوري "فيصل المقداد"، وكان هذا اللقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للدورة الـ 76 المنعقدة بنيويورك، وما يبرز أهمية اللقاء الذي جمع الوزيرين في هذا التوقيت، هو أنه يأتي في ظروف إقليمية ودولية معقدة، مع سعى وحاجة النظام السوري وفقا للمراقبين إلى استعادة العلاقات العربية – العربية بدعم طرف عربي قوى، خاصة أنه في هذا التوقيت-أي النظام السوري تمكن من السيطرة على معظم الأراضي السورية، بل يسعى إلى إعادة ترتيب البيت السوري من الداخل، والرغبة في إعادة الإعمار وضخ مزيد من الاستثمارات.
وفي هذا الصدد نشر مركز "رع" للدراسات الاستراتيجية، تقريرًا للباحثة شيماء حسن علي، بعنوان "ما هي انعكاسات لقاء "شكري" و"المقداد" على الأمن السوري؟ وفي هذا السياق تطرح تصريحات المقداد التي طلب فيها شكري وفقاً لما نشرته وسائل الإعلام، "فتح اتصالات جديدة واستعادة العلاقات"، وهو ما يشير إلى رغبة النظام السوري في استعادة الروابط بالشقيقة الكبرى مصر- عدة تساؤلات، وهي: ما هي انعكاسات هذا اللقاء على الأمن والاستقرار في سوريا؟، وما هو موقف اللاعبون على الأراضي السورية من ما تضمنه اللقاء؟ وما هي تداعيات ذلك على المشهد السوري؟.
تفاصيل اللقاء
للمرة الأولى منذ 10 سنوات أستقبل وزير الخارجية المصري "سامح شكري" بمقر البعثة المصرية بنيويورك وزير الخارجية السوري "فيصل المقداد"، وذلك للتباحث حول سبل إنهاء الأزمة في سوريا ، ووفقاً لتصريحات شكري عقب اللقاء" فقد آن الأوان لكي يكون لنا تواصل لاستشكاف الخطوات التي تؤدي إلى الحفاظ على مقدرات الشعب السوري والخروج من الأزمة واستعادة سوريا لموقعها كطرف فاعل في الإطار العربي"، وأكد شكري على تناول كل ما يصب لتحقيق الأمن القومي المصري والعربي"، وشدد "شكري" على أن حل الأزمة السورية يقتضي الامتثال لقرارات مجلس الأمن، وأن يكون هناك تفاهم بين الدول الفاعلة، وأن تضطلع الحكومة السورية بمسئوليتها عن وعودة اللاجئين". فيما أكد "المقداد" في تصريحاته لوسائل الإعلام أنه قد طلب من "شكري" فتح "صفحة جديدة مع مصر ووضع الماضي خلفنا".
وفي الواقع، فدائما ما ينظر لمصر بانها "الوسيط النزية" الذي يحظى بقبول لدى أطراف الصراع، ولا يوجد لها أطماع، وهو ما خولها للقيام بدور دبلوماسي "صامت وفاعل" في عقد اتفاقيات الهدنة في الغوطة الشرقية، وحمص سبتمبر2016، وكان ذلك بالتنسيق مع أطراف الصراع. وعلى أية حال، فقد استطاعت القاهرة انطلاقاً من سياستها الخارجية التي هدفت للحفاظ على الدولة السورية ورفض التدخلات الإقليمية والدولية وإعطاء أولوية للمساعي السياسية- تحييد أي مجموعات مسلحة وإرهابية من التواجد ضمن تلك التفاهمات والوصول لتهدئة الأوضاع في تلك المناطق.
التوقيت ودلالاته
يأتي اللقاء بين الوزيرين ضمن سلسلة من اللقاءات (السورية – العربية) التي قام بها المقداد ضمن محاولاتة التواصل مع دول عربية تمهيدا لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، خاصة بعد التفاهم السعودي الإماراتي وفتح القنصليات العربية بدمشق، وتأتي أيضا تلك اللقاءات في وقت تسعى فية العراق للخروج من دائرة النفوذ الإيراني والتركي، وعودتها لمحيطها العربي، وذلك بعد انعقاد قمة بغداد والاتفاق على عقد عدة مشاريع استثمارية لتصدير النفط والغاز والكهربا في محاولة لتقليص النفوذ الإيراني والتركي.
وعلى الرغم من عدم التمثيل السوري بقمة بعداد، فيبدو أن النظام يود المشاركة للإستفادة من مشروع المشرق الجديد، خاصة وأن دمشق لم تمانع في إيصال الكهرباء والغاز إلى لبنان عبر أراضيها، وهو ما كان محور لقاء "المقداد" ونظيرة الأردني "أيمن الصفدي"، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه اللقاءات تأتي بعد التغييرات الإقليمية والدولية، وبالأخص قرار انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، ووصول حركة طالبان للسلطة، وما تبعها من تصريحات في هذا الاتجاه بما يخص العراق وسوريا، والتخوف من حجم الفوضى الذي سوف يخلفه الانسحاب، واحتمالية عودة نشاط التنظيمات الإرهابية، وهو ما حذر منه "المقداد"، حيث قال "وجود القوات الأمريكية في سورية غير قانوني وعليهم المغادرة في أسرع وقت ممكن، وإذا لم يفعلوا ذلك فسوف ينتهي بهم الأمر كما هو الحال في أفغانستان".
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول أن القيادة السورية قد أدركت حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه القاهرة في ظل- تغيير القيادة الأمريكية والمصالحة العربية والتقارب التركي- وما يمكن أن تستفيد منه دمشق لفتح إتصالات مع الأطراف العربية والخليجية، خاصة بعد استتباب الأمور للنظام السوري، وفرضه سيطرته على غالبية التراب السوري، ومحاولاته اقتحام إدلب، واستيعاب الأكراد في الشمال السوري، وهي الملفات التي وفقا للمراقبين تؤرق أنقرة في ظل تصعيد ضربات النظام وحليفه الروسي ضد تنظيم هيئة تحرير الشام المُصنفة بالإرهابية، التي تستفيد جغرافياً في إدلب منذ سقوط كابول في يد طالبان.
تداعيات التأثير المحتملة
كل المؤشرات التي يعددها المراقبون تشير إلى أن الدور المصري المحتمل لحلحلة للأزمة السورية، قد يشتبك مع الفاعلين الإقليمين وينتصر، الذين من أبرزهم دولتي تركيا وإيران، هذا فضلاً عن الفاعلين من دون الدول، مثل التنظيمات الإرهابية. فالواضح وفقا للمقربين من الشأن السوري أن السياسة الخارجية المصرية تريد سورية دولة عربية موحدة ذات سيادة، وتحت قيادة شرعية موحدة، وأن مصر، هي الدولة الوحيدة القادرة على القيام بهذا الدور، وبتوافق مع القوى العربية، ومن ثم تزداد احتمالية رجوع سوريا لمحيطها العربي وأيضاً عودتها للجامعة العربية، وهو ما قد أن يستتبعه تحسن في العلاقات العربية-العربية، ويساهم في مشاريع إعادة الإعمار، وضخ استثمارات عربية وخليجية تمكن القيادة السورية من تقليص نفوذ القوى والأطراف الإقليمية الأخرى.
وعلى الرغم من جدية الدور المصري في حلحلة الأزمة السورية، وعودة سوريا إلى مجالها العربي، فإن هناك عدة تحديات رصدها مراقبون يمكن أن تؤثر على المسارات المستهدفة، أهمها، هي: التواجد العسكري التركي في الشمال السوري، وكذلك ملف قوات قسد والأكراد والذي تعول انقرة فيه على موسكو لمحاولة الوصول لحل، خاصة بعد زيارة وفد من الأكراد لبحث تدعيات الانسحاب الأمريكي من تلك المناطق. كما يظهر التحدي الإيراني، الذي يمكن استيعابه في ظل تفاهمات سورية إيرانية-عربية، وطرح حلولا وسط ومعالجة تداعيات ما حدث عام2011. وفيما يخص نشاط التنظيمات الإرهابية، والذي من المحتمل أن يتزايد بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، وبموافقة دولية، فمصر موقفها ثابت بمكافحة التنظيمات الإرهابية ولها تجربة واضحة في ذلك، وهو ما يفتح المجال للتنسيق الأمني والاستخباراتي في هذا المجال.
وختاماً، يمكن القول إن النظام السوري ينظر للدور المصري نظرة إيجابية، ويريد إقامة علاقات استراتيجية تمكنه من ترتيب الأوضاع الداخلية، خاصة وأن مصر ليس لها أطماع سياسية- إذن فأي دور مصري سيكون بتنسيق بين النظام السوري وتوافق عربي، وبما ينعكس بإرساء الامن والاستقرار في الأراضي السورية، ومعالجة وضع الاقتصاد السوري المتهالك، وبحث إمكانية مشاريع إعادة الإعمار، ومعالجة وضع اللاجئين والنازحين السوريين.