شارك أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، فى الجلسة الافتتاحية للدورة (10) للمنتدى الدولى للاتصال الحكومى بالشارقة.
وفيما يلى نص كلمة أبو الغيط:
سمو الشيخ سلطان بن أحمد القاسمى
نائب حاكم الشارقة - رئيس مجلس الشارقة للإعلام
السيدات والسادة،
فى البداية، اسمحوا لى أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمى... على رعاية هذا المنتدى العربى المهم والمتميز.. وتوجيه الدعوة لجامعة الدول العربية للمشاركة فى فعالياته.
لقد انطلق هذا المنتدى فى عام 2012 بفضل رؤية حكيمة وجهود مدروسة.. لكى يشكل حلقة هامة فى مسار التغيير الذى ننشده جميعا... وأظن أن هذا التاريخ له دلالة مهمة.. فمن بعد الأحداث العاصفة فى 2011، والتى أفضت إلى ما أفضت إليه من أزمات ما زلنا نعانى منها إلى اليوم فى أكثر من مكان بعالمنا العربى... أقول إن هذه الأحداث مثلت دافعاً لإعادة النظر والتفكير.. فجزء كبيرٌ من المشكلات كان ناجماً عن حالة غير صحية من الانفصال بين الحكومات والشعوب.. وهنا، فحتى لو كانت الحكومات تقوم بعملها، وتبذل جهدها.. فإن الشعوب تجد نفسها -إن هى لم تُشرَك فى هذا العمل وتُحاط علماً بهذا الجهد- ..تجد نفسها منفصلة عما يجرى.. منعزلة عن المشاركة فيه.. غير شاعرة بالمسئولية عنه، أو بملكيته.
أتحدث عنها بصراحة عن حالة إشكالية عشناها جميعاً بصور مختلفة فى بلداننا العربية.. حيث نُظر للشعوب، لا بوصفها مشاركاً أصيلاً فى التنمية، ولكن مستقبلاً لها.. وهى حالةٌ خطيرة.. كان من شأنها أن أصبح الكثير من المواطنين غير واعين بمُشكلات البلاد الحقيقية، ولا بالتحديات التى تواجهها.. ولا حتى بالجهود والخطط التى تُبذل لمواجهة هذه التحديات.
وغنى عن البيان.. أن هذه هى الحالة ذاتها التى تجعل الناس عُرضة للتلاعب بأحلامهم من قِبل البعض.. والعبث بطموحاتهم من جانب جماعاتٍ تدعى الحرص على مصلحة الشعوب.. فغياب المعرفة بالتحديات وعمق المشكلات يُعطى المساحة للشعارات غير الواقعية، وللبرامج التى لا تقوم على أساس من الواقع.. وللمطالب السياسية التى تستهدف المزايدة لا الإصلاح.
إن إشراك الشعوب يبدأ بإشاعة المعرفة بحجم التحديات وعمق المشكلات التى يواجهها المجتمع... وليس صحيحاً أن هذه المعرفة تُشيع اليأس أو تُضعف من شعبية الحكومات.. بل الصحيح أنها تضع الناس والحكومات فى قاربٍ واحد.. وتُعيد تشكيل الخطاب السياسى على أساس من الواقع القائم، وليس الوعى الزائف أو الشعارات الكاذبة.
السيدات والسادة،
إن العملية التنموية عملية متكاملة ..تسير فى اتجاهين..
لا تنمية تقوم بها الحكومة وحدها من دون شعبٍ واعٍ ومؤيد .. فالتنمية، بطبيعتها، تقتضى تضحيات من أجل المستقبل.. ولا يُقدم على هذه التضحيات سوى شعب واعٍ وعارف بقيمة التنمية وضرورتها وانعكاساتها المباشرة على الجيل الحالى والمستقبلي.
ولا تكتمل العملية التنموية، إلا لو كانت الحكومات بدورها، على معرفة بما تريده الشعوب.. وما تشكو منه.. وما تصبو إليه.. ولهذا نقول إنها طريق يسير فى اتجاهين، وليس اتجاهاً واحداً.. وركنها الأساسى هو الشفافية فى المعلومات والقرارات على حدٍ سواء.. فهذه الشفافية هى التى تضمن للسياسات الحكومية التأييد الشعبى الضرورى والشرعية اللازمة لإنجاحها.. وهذه الشفافية هى التى تضمن للخطط والبرامج الحكومية تلبيتها لحاجات الناس كما هى فى الواقع، وعلى الأرض.
وقد رأينا جميعاً ما كشفت عنه تجربة كوفيد فى العامين الماضيين من تأثير الاتصال الحكومى الناجع على أداء الحكومات فى وقت الأزمة.. فقد صار واضحاً أن الحكومات التى تتمتع بقنوات مفتوحة مع شعوبها.. وثقة متبادلة بينها وبين الجمهور.. تمكنت من إدارة الأزمة على نحوٍ أفضل.. ومن قراءة الواقع بصورة أكثر دقة.. ومن القيام بواجبها فى التوجيه والضبط والتوعية على نحو أسرع وأكثر كفاءة.. لقد كان دور الاتصال الحكومى فاصلا ًوحاسماً فى إدارة الدول والمجتمعات لأزمة كوفيد.. وأظن أن علينا أن نتوقف كثيراً أمام هذه التجربة بالتأمل والبحث واستخلاص العبر فيما يتعلق بكفاءة أجهزة الاتصال الحكومي.. وبسريان قنوات التواصل بين الأجهزة والمؤسسات الرسمية والشعوب.
السيدات والسادة،
إن التكنولوجيا المعاصرة توفر أدوات غير مسبوقة لنقل المعلومات ونشرها ومعالجتها... ولا شك أن على الحكومات ملاحقة ومواكبة هذه الأدوات الجديدة.. ليس فقط لاستخدامها كوسائط اتصال جديدة مع الشعوب.. وإنما أيضاً لرصد مُشكلاتها.. وما تتسبب فيه أحياناً من تشويش أو حالة من البلبلة والتخمة المعلوماتية.
ولدينا فى الإمارات العربية نموذج رائد فى اقتحام الثورة المعلوماتية، وتطويع أدواتها لصالح العمل الحكومى وبغرض تعزيز التواصل –فى الاتجاهين- بين الحكومة والشعب.. نحن نتحدث عن حكومة رقمية حديثة.. وعن إدارة تستند إلى المعلومات فى كل خطة.. فى كافة ربوع الإمارات.. وأظن أننا نحتاج التوقف كثيراً أمام نموذج الشارقة.. وما يُمثله من إشراقة استثنائية.. فنحن هنا لا نتحدث فقط عن حكومة الكترونية، وإنما أيضاً عن نموذج يجعل المعرفة والثقافة جزءاً لا يتجزأ من عملية الإدارة والحكم.. ولا أظن أن هذا النموذج كان ليتحقق من دون وجود شخصية استثنائية مثل سمو الشيخ سلطان القاسمى فى القلب من هذه التجربة الرائدة.
السيدات والسادة،
إن المجتمعات العربية لن تنهض سوى بإشاعة الثقة بين الحكومات والشعوب.. فهذه الثقة وحدها هى ما تضمن العمل والتضحية.. ولا يُمكن أن تشيع الثقة سوى على أساس من الشفافية وتبادل المعلومات فى الاتجاهين.. وإشراك الشعوب بكشف الحقائق أمامها حول مستويات التحديات التى تواجهها.. والخطط الموضوعة لمواجهة هذه التحديات.. لهذا أعتبر الاتصال الحكومى جزءاً لا يتجزأ من أى عملية تنموية ناجحة.
وفى الختام.. أجدد شكرى وتقديرى للمشرفين على هذا المنتدى الهام، متمنيا لأعماله كل التوفيق والنجاح ... ونحن بلا شك حريصون على تبنى مخرجاته وتوصياته، لأننا شركاء فى الهدف الأسمى وهو الانتقال بشعوبنا إلى أوضاع أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً.