ألقى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اليوم الخميس، كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للمجلس الاقتصادى والاجتماعى على المستوى الوزارى للدورة العادية (108)، وذلك بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية.
وفيما يلى نص كلمة أمين عام الجامعة العربية:
معالى السيد محمد على الحويج.. وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية بدولة ليبيا.. رئيس الدورة الحالية للمجلس الاقتصادى والاجتماعي، أصحاب السمو والمعالى السادة الوزراء،
السيدات والسادة،
أودُ فى البداية أن أُرحب بالحضور الكريم هُنا فى مقر جامعة الدول العربية وفى هذا الاجتماع، الذى ينعقد حضورياً ولأولِ مرة بعد مرور ما يقرب من عامين منذ لقائِنا الأخير فى مطلع عام 2019.
وقبل أن أبدأ كلمتي، أودُ أن أتوجه بالتهنئة إلى دولة ليبيا ومعالى السيد محمد على الحويج على تولى رئاسة الدورة الحالية للمجلس الاقتصادى والاجتماعي، متمنياً له خالص التوفيق فى هذه المهمة. وأُعرب كذلك عن وافر التقدير إلى معالى السيد راوول نعمة وزير الاقتصاد والتجارة بالجمهورية اللبنانية على رئاسة الدورة السابقة للمجلس والإدارة الحكيمة لأعمالها.
السيد الرئيس، ما زالت جائحة كورونا تُخيم بظلها الثقيل على الاقتصاد العالمى وحركة التجارة الدولية.. وقد عانت المنطقة العربية، كمثيلاتها فى العالم، من تبعات الجائحة.. وهى تمر اليوم بمرحلة من التعافى الصعب، فى ظل مستوى عالٍ من انعدام اليقين بشأن الوضع الصحى العالمى جراء انتشار سلالات متحورة من كورونا.
وبرغم أن مأساة كورونا لم تتم فصولها بعد.. إلا أن الحاجة تشتد لمراجعة الأداء وتقييم الفترة الماضية لكى نضع أيدينا على نقاط الضعف فى مجمل الأداء العربى ... خاصة ما يتعلق بقدرة الدول العربية على مواجهة أوضاع ضاغطة، وتسيير العجلة الاقتصادية فى وقت الأزمة.
وأشير هنا على نحوٍ خاص إلى ما تفرضه علينا هذه الأزمة من ضرورة العمل بشكل حثيث على تسريع مسار التكامل الاقتصادى العربي.. فربما كان واحدٌ من أهم دروس جائحة كورونا هو خطورة ما تتعرض له سلاسل التوريد من اضطراب جراء أزمات مفاجئة لها طبيعة عالمية، وما ينطوى عليه ذلك من انعكاس خطير على حركة التجارة، وتوفر الإمدادات من السلع، وبخاصة الأساسية منها.. ولا شك أن التكامل الإقليمى وتعزيز التجارة البينية وتعميق أطر التعاون والتنسيق الاقتصادى فى المنطقة العربية.. يوفر شبكة أمان مهمة وضرورية فى وضع عالمى تتصاعد فيه المخاطر الحالية والمستقبلية.
لقد كشفت جائحة كورونا عن هشاشة الشبكات العالمية.. وعن المخاطر المصاحبة للأزمات الكبرى.. ونلاحظ جميعاً التصاعد المتسارع لقضية التغير المناخي، ومظاهرها وتبعاتها المتعددة التى صارت مرصودة وملموسة فى كافة أركان العالم تقريباً.. خاصة فى ضوء خلاصات التقرير الذى صدر مؤخراً عن اللجنة الحكومية المعنية بالتغير المناخي، والذى يرسم صورة قاتمة لمستقبل هذه القضية المصيرية.
والثابت أن المنطقة العربية تُعد من أكثر مناطق العالم تأثراً بظواهر الاحتباس الحرارى والتغير المناخي... وهو ما يجعل هذه القضية هماً حاضراً وليس رفاهية مستقبلية... وليس من الصعب رصد التأثيرات المختلفة للتغير المناخى فى عددٍ من الدول العربية.. بما فى ذلك ما يُعرف بالحوادث المناخية المتطرفة...وتزايد ظواهر الجفاف والتصحر.. فضلاً عن ارتفاع منسوب البحر وتأثير ذلك على المدن الساحلية.
غير أن قضية ندرة المياه تظل ذات أهمية خاصة فى هذا الصدد.. فالمنطقة العربية تُعانى من الشح المائى أكثر من أى منطقة أخرى فى العالم.. وهى تُعانى فى ذات الوقت من أكبر فجوة غذائية.. ولا شك أن هذا الوضع يمس مستقبل المنطقة الاقتصادى والاجتماعي، ربما أكثر من أى تهديد آخر.. ولا شك أن العلاقة بين الدول العربية وجيرانها التى تشترك معها فى مجارى الأنهار.. سواء فى دجلة أو الفرات فى المشرق، أو النيل فى افريقيا... تحتاج إلى صياغة عادلة تضمن الحقوق العربية المشروعة فى المياه من خلال اتفاقات قانونية ملزمة... وأكرر أن هذه القضية هى قضية عربية، ولا تخص فقط الدول التى تُعانى مشكلات مع جيرانها.
السيد الرئيس، ما زالت الاقتصادات العربية تُعانى صعوبات هيكلية وتواجه تحديات داهمة.. لقد كشف التقرير الاقتصادى العربى الموحد عن أن 40% من سكان المنطقة العربية يعيشون تحت خط الفقر.. و15% من الفقراء يُعانون الفقر المُدقع... كما تجاوزت نسبة البطالة 16%.. وهى أعلى كثيراً من المتوسط العالمي.. ويزيد من حدة تأثير البطالة أن أغلب من يعانون منها هم من الشباب.. ومعنى ذلك أن الاقتصادات العربية تُعانى خللاً واضحاً فى استيعاب القادمين الجدد إلى سوق العمل وتحقيق مستويات عالية من التشغيل.. وأن حاجات السوق ما زالت منفصلة عن مهارات التعليم.
وأشير فى هذا الصدد إلى أزمات اقتصادية وإنسانية غير مسبوقة تُعانى منها عددٌ من البلدان العربية.. وفى مقدمتها لبنان التى تُعانى واحدة من أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية منذ عام 1850.. وأيضاً اليمن التى تعانى الأزمة الإنسانية الأكثر حدة على مستوى العالم ... وجميعنا يُتابع بحزن بالغ انعكاسات الأزمة الاقتصادية وتبعاتها الإنسانية المريرة على الشعب اللبناني.. فضلاً عما يواجه اليمن من أزمة مستمرة جراء استمرار الاعتداءات الحوثية، وبحيث صار 80% من أبنائه فى حاجة للمساعدة.
وأغتنم هذه المناسبة لكى أوجه نداء إلى معالى الوزراء بعمل كل ما يمكن من أجل المساعدة فى تخفيف حدة هذه الأزمات الضاغطة.. التى أضيف لها أيضاً الوضع المالى الصعب للسلطة الفلسطينية، وكذلك الأزمة الإنسانية المُستمرة والمتصاعدة التى يُعانى منها السوريون.
السيد الرئيس، يناقش اجتماعُنا اليوم عدداً من الموضوعات الهامة التى جرى البحث فيها والإعداد لها، على مدار هذا الأسبوع، من قِبل لجان الخبراء وكبار المسؤولين فى الدول العربية. ولعل فى مُقدمة هذه الموضوعات الملف الاقتصادى والاجتماعى التحضيرى للقمة العربية القادمة.. هذه القمة التى تعكف حالياً أجهزة جامعة الدول العربية ومؤسساتها المختلفة على الإعداد الجيد لعقدها برئاسة الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، لتستلم بذلك رئاسة الدورة من الجمهورية التونسية التى ترأست الدورة الثلاثين للقمة.
وأخيراً.. لا يفوتنى أن أتوجه بالتهنئة والشكر لكل الشباب العرب الفائزين بميداليات خلال دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020، و كذا الإشارة إلى أن اجتماعنا هذا سيشهد حدثاً سعيداً، إذ سنحتفل اليوم وبكل فخر بأبنائنا من طلبة الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى الحائزين على ميداليات خلال هذه الدورة، وسيشاركنا هذه الفرحة معالى السيد الفريق كامل الوزير وزير النقل ومعالى السيد د. أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة بجمهورية مصر العربية.
إن هذه الإنجازات الرياضية العالمية تعكس وبصدق الأداء الرفيع لأكاديميتنا تحت إشراف رئيسها الهُمَام د. إسماعيل عبد الغفار، الذى استطاع بفضل حكمته وإصراره قيادة هذا الصرح العربى العلمى الكبير إلى تحقيق قفزة علمية ورياضية نعتز بها جميعاً.
سيادة الرئيس، أتمنى لكم التوفيق فى رئاسة الدورة الحالية للمجلس، وأتمنى لاجتماعكم هذا النجاح والتوفيق.