منير محمود: نتنياهو وصل باليمين المتطرف إلى أسوأ أوضاعه
عبد الرازق سليمان: الطائفية وراء عدم تشكيل الحكومة في إسرائيل
جمال الرفاعي: إسرائيل تمر بأزمة غير مسبوقة بتاريخها
طارق فهمي: نتنياهو لا يزال أقوى اللاعبين في مسرح الحياة السياسية بإسرائيل
8 أشهر من التخبط السياسي والفراغ الذي يجوب إسرائيل، ما بين انتخابات أولى فثانية ليكون مقرها الأخير بانتخابات ثالثة، فالجميع يترقب الجديد وما بين لحظة وأخرى يتغير الوضع، فعلى ما يبدو أن عرش بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي في مهب الريح، فمن ناحية فهو متهم بقضايا فساد قوية والتي يتهرب منها عبر ما يحدث من انتخابات ولغط سياسي في دولة الاحتلال، وعلى جانب آخر يواجه منافس قوي فرق عنه في الانتخابات الماضية بصوت وحيد وهو تحالف أزرق أبيض بقيادة بيني جانتس والذي له سجلات دموية كثيرة هو الآخر في الأراضي المحتلة.
ومع كل هذا التخبط السياسي والمرور بانتخابات أولى قد جريت في شهر إبريل الماضي والتي أفسدها وقتها أفيجدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير جيش الاحتلال السابق، منتقدا ومهاجما نتنياهو، لتأتي الانتخابات الثانية في شهر سبتمبر لنتنهي بفرصة لكل من حزب الليكود برئاسة نتنياهو وتحالف "أزرق أبيض" برئاسة بني جانتس ليفشلا في تشكيل الحكومة ويذهب القرار للكنيست الإسرائيل وتنتهي مهلته ليصادق عليه الأربعاء الماضي بالقرارءة الأولى لكي يتم حله.
ولفهم كل ما يحدث وما سوف يقع خلال الشهور المقبلة، حرصت "بلدنا اليوم" على اقتناء أراء المتخصصين في الشأن الإسرائيلي، لكي يوضحوا تفصيلا ماذا سوف يحل بنتنياهو وبشكل خاص فيما يخص قضايا فساده وكذلك الدور الأمريكي في الانتخابات الإسرائيلية، بالإضافة إلى توقعات السيناريوهات التي سوف تحدث حتى الـ 2 من مارس المقبل وهو موعد الانتخابات الثالثة في إسرائيل في عام واحد فقط.
ومن جانبه، علق دكتور منير محمود، الباحث في الشأن الإسرائيلي على ما يجري في إسرائيل، قائلا:"لن يتم حل الوضع سريعا، فهذا الأمر مبني على أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بيستغل كل كبيرة وصغيرة في ثغرات القانون الخاص بالانتخاب السياسي، ويتشبث بكرسيه على الرغم من أنه يوجد إجماع سواء يمينا أو يسارا فيما يتعلق بالوضع الذي يوجد به حالة شلل لأن نتنياهو لا يريد أن يعترف بإمكانية رفع الحصانة عنه في التحقيقات لأنه متهم في العديد من القضايا الثقيلة وليست بالهينة والذي سوف يدان فيها آجلا أو عاجلا ولكنه يعمل على كسب الوقت وذلك على الرغم أن هناك اقتناع حالي داخل حزب "اليكود" أنه في جميع الأحوال لن يصلح لأن يكن رئيسا للوزراء لكن الوضع الحالي من ناحية اللوائح والقوانين في إسرائيل فسوف تسمح له الجلوس في الحكم لمدة شهرين آخرين إن لم يكن أكثر".
وأضاف:" من ناحية الجانب الإجرائي، فهناك وقت ممنوح لكي يتم إجراء انتخابات داخل حزب الليكود من أجل اختيار العنصر الأول الذي على أساس سيخوضون به انتخابات لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، فأعتقد أن هذا الأمر سيأخذ وقت حتى شهر يناير أو فبراير للاستقرار على الشخص الذي سينافس به الحزب الانتخابات الثالثة، ومع ذلك ليس هناك من يتوقع أن التشكيل القادم أي ما بعد عصر نتنياهو إلى أين سيذهب".
وتابع "محمود": لكن الإجماع العام هو التقليل والتخفيف من وضع اليمين المتطرف والذي وصل به نتنياهو إلى أسوأ أوضاعه منذ توليه كرئيس للوزراء ولكن مازلنا لا نعلم هل سيكون هناك حكومة وسط أم سيكون موجود لأول مرة يستعينوا بعرب 48 أو القائمة المشتركة، وإن حدث هذا فإنني أرى أنه سيكون هناك تغيير جذري في الخريطة السياسية في إسرائيل أو المفاوضات المقبلة".
واستطرد الباحث في الشأن الإسرائيلي:"ومع ذلك لست من المتفائلين بخصوص هذا الأمر لأن هناك أيديولوجيات بتحكم السياسة في إسرائيل وهناك دائما مخاوف خاصة بالتوجه إلى هذا الأمر إعطاء عرب 48 حقهم وهو المفترض رقم 2 في القائمة من أجل تشكيل الحكومة لأن هذا الأمر مرتبط بفكر أيدلوجي مرتبط بالأرض والاحتلال والصهيونية بصفة عامة، والوضع سيتضح خلال الأسابيع القادمة".
وأكد "منير" أن نتنياهو أصبح يحتضر سياسيا، مضيفا:" نتنياهو يحاول أن يظل أكبر قدر من الوقت حتى لا يُحكم عليه ولكن في النهاية تم الإجماع على أنه لم يعد مؤيد له سوى الجزء البسيط جدا من المستوطنين غير الشرعيين والمتطرفيين لأنه كان يمنحهم اليد الحرة طول الوقت الماضي ".
وعند سؤال المتخصص في الشأن الإسرائيلي عما إذا كانت قضايا الفساد هي أحد العوامل وراء حل الكنيست الإسرائيلي، فقال "منير":"لم يحل الكنست بسبب فساد نتنياهو ولكن بسبب إجراءات داخله من بينها عدم نجاح نتنياهو أو حزب أزرق أبيض في تشكيل الحكومة، فعدم وجود تشكيل حكومة يستلزم وجود جولة أخرى من الانتخابات على الرغم من تكاليفها المالية فخلال الشهور السابقة لم ينجح أحد في تشكيل الحكومة ومن ثم أصبحت مثل لعبة الدومينو، ومن جانب آخر ليس هناك إجماع على أن تكون الحكومة ذات أغلبية لأن الحزب الثالث بعد القائمة وهو حزب "إسرائيل بيتنا" والخاص بـ "أفيجدور ليبرمان" اليميني المتطرف آخذ موقف من نتنياهو والعرب والذي أصبح رمانة الميزان والقبول بشروطه لكي يقيم اتحاد".
وتابع:" الاتجاه في إسرائيل حاليا هو الانتخابات داخل حزب الليكود لاختيار الشخص الذي سينافس على تشكيل الحكومة الإسرائيلية ويكون في شهر يناير أو فبراير القادم".
أما عن الدور الأمريكي في دعم نتنياهو، فقال متخصص الشؤون الإسرائيلية:"فهو بعيد تماما عن فهمنا كمحللين في الشرق الأوسط، فالداخل الإسرائيلي يرفض هذا التدخل من الرئيس الأمريكي ويروا فيه تدخلهم في شؤونهم والبقاء على الفساد، ولكن عملية المصالح بين البيت الأبيض واللوبي الصهيوني وكل مؤسسات الدولة هناك هو ما يدفع دونالد ترامب لاستمرار دعمه لنتنياهو لأنه بيخطب ود اللوبي والمصالح الشتركة هي من تجعله يقف معه لآخر لحظة لأن اليهود والإعلام الأمريكي تضمن له فترة ولاية أخرى عندما تتم الانتخابات الثانية ومع ذلك لن ينفع نتنياهو دعم ترامب والأخير يفعل هذا من أجل ولاية ثانية في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وفي النهاية الملعب الإسرائيلي من الداخل هو من سيحدد مصير نتنياهو سواء بحكم قضائي أم بجولة جديدة".
الطائفية سيدة الموقف
أما عن رأي أستاذ الدراسات الإسرائيلية وعضو المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، الدكتور عبد الرازق سليمان فيما يحدث حاليا في إسرائيل، فقال: "تعاني إسرائيل من الطائفية والانشقاقات والزعامات والمصالح الشخصية وأبرزها الآن حزب ليبرمان وهنا تأتي صعوبة تشكيل حكومة مع صراعات اليمين والليكود بالإضافة إلى نتنياهو وهناك أصوات قوية للجماعات الدينية والحزبية ومطالب مادية ومعنوية للحريديم وغيرهم من المتدينين".
وأضاف أستاذ الدراسات الإسرائيلية: "يقول الأديب الإسرائيلي أهارون ميجد عن قيادات إسرائيل إنهم يعلمون انشقاقات الشعب وصراعات المتدينيين والعلمانيين والطوائف المختلفة وهم قرابة 73 طائفة تحمل ثقافتها وتعيش بها ما بين الإشكيناز أي يهود الغرب والسفارديم وهم يهود الشرق على غرار يهود مصر واليمن والعراق وغيرها".
وتابع "سليمان" :"فالأديب اليهودي شدد على أن حالة الحرب هي الحالة الوحيدة التي توحد الشعب بإسرائيل للإحساس بالخطر وعليه بالضرورة أن يبقي الجميع في حالة تأهب وخوف، إذن فحالة عدم التوافق على حكومة تكون بسبب الطائفية".
واستكمل: "الطائفية يعتبرها البعض ديمقراطية، بالإضافة إلى وجود عداءات شخصية والتي لا يسامح فيها بعضهم البعض، فكل التوقعات موجودة ومن الممكن أن يفوز نتنياهو في الانتخابات الثالثة وبالتالي يُحل كل شئ".
وعن مصلحة نتنياهو فيما يحدث حاليا في إسرائيل، فقال أستاذ الدراسات الإسرائيلية:"كل ما يحدث لصالح نتنياهو، فهناك طموح شخصي له بحكمه لإسرائيل أكثر من ديفيد بن جوريون، فالإسرائيلين يفخرون بهذا الأمر إلى جانب فخرهم الدائم بقتل الفلسطينيين ويدونون كل شئ من التخطيط وحتى التنفيذ، لأن التاريخ الإسرائيلي هو تاريخ مصنوع".
أما عن دور عرب 48، فقال دكتور "سليمان":" لن يكون عرب 48 كارت في أيدي الإسرائليين، فالإسرائيليين بينهم وبين بعضهم يتلاشون تأثير القائمة العربية ويحاربونها لأنهم يعتبرون من يتخذهم إلى جانبه بالعار".
وأكد "سليمان " دعم أمريكا لنتنياهو لأنه يعتبر دعما لإسرائيل، مستشهدا بقيام الرئيس الأمريكي بإصدار قرار جديد يعترف فيه بأن اليهود أمه وهذا الشئ أمرا سياسيا وليس لها علاقة بالدين، متابعا:" حتى عام 2011 كانت إسرائيل تشجع لإقامة دولة دينية وكذلك إيران والإخوان لعمل دول دينية ، فهذا فكرهم وأمريكا تؤيده".
أزمة غير مسبوقة
فيما قال الأستاذ الدكتور جمال أحمد الرفاعي، أستاذ الأدب العبري الحديث المتفرغ بكلية الألسن جامعة عين شمس :"إن حل الكنيست يدل على أن إسرائيل تمر بأزمة غير مسبوقه في تاريخها ومنذ تأسيسها، فللمرة الأولى يكون الحزبين الكبيرين في إسرائيل يفشلوا فشل ذريع في تشكيل حكومة وهذا يدل على إن الشارع الإسرائيلي فقد ثقته بالكامل في المحتوى الانتخابي للساسه الإسرائيليين سواء للحزبين الكبيرين الليكود والعمل وأزرق أبيض والأحزاب الدينية وإن هناك حالة غير مسبوقة من التشذرنم السياسي في الدولة".
وأضاف "الرفاعي":"إنني أعتقد بأننا سنعود مجددًا لنقطة الصفر وأن كل ما يحدث في نهاية الأمر يخدم نتنياهو والذي يدير الشؤون إلى إشعار أخر وليس هناك جديدا في الساحة الإسرائيلية ، ومن هنا من الممكن أن يقرر نتنياهو تنفيذ بعض العمليات الانتقامية في الفلسطينيين عسى أن يزيد هذا الأمر من أسهمه الانتخابية وأن يقدم على أي مناورة غير محمودة أو محسوبة العواقب".
أما عن دور عرب 48، فقال أستاذ الدراسات الإسرائيلية:" لدى عرب 48 فرصة غير مسبوقة للتوحد في قائمة واحدة وينبذوا الخلافات ما بينهم ويستغلوا حالة العجز الصهيوني والعجز النصري الذي دائما ما تدعيه إسرائيل".
فيما يخص الدور الأمريكي، فأوضح "الرفاعي" قائلا:"إنني أرى أن هذا المشهد جزء من المشهد العام المرتبك في الإقليم، وإن كانت الأسباب مختلفة، فالإقليم بأكمله يشهد ارتباك غير مسبوق وهذا الإرتباك يؤثر على إسرائيل بشكل أو بآخر، فالإرتباكك في سوريا والعراق يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على المنطقة".
فراغ سياسي
وفي سياق متصل، علق الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة على ما يحدث في إسرائيل من حالة الربكة، :"ما حدث في الكنيست هو القراءة الأولى لحله وبالتالي فنحن أمام سيناريوهين، أما السيناريو الأول هو إجراء انتخابات في 2 مارس ومن هنا ستستمر الحكومة، حكومة تصريف أعمال ومن الممكن أن يكون هناك مراوغات من قبل نتنياهو لعدم إجراء الانتخابات".
وتابع "فهمي":" أما الشئ الأخر وهو أن الانتخابات سوف تجرى في مارس القادم وأن الشئ الذي ممكن أن يوقفها هو حالة ظروف أو طوارئ استثنائية وهنا من الممكن ضرب قطاع غزة مرة أخرى أو توجيه ضربات على حزب الله أو ظروف قد يرى فيها رئيس الدولة أن لايمكن تشكيل حكومة في هذا التوقيت وهنا سوف ندخل في مرحلة تسمى بفراغ سياسي في إسرائيل، ربما نجد حالة من عدم الاستقرار ومواجهات في الجنوب أو الشمال ففي توقعات بحالة من عدم الاستقرار".
وأردف أستاذ العلوم السياسية:"نتنياهو لا يزال هو أقوى اللاعبين في مسرح الحياة السياسية في إسرائيل، فعلى ما يبدو أن ليبرمان هو ضابط إيقاع في الحياة السياسية الإسرائيلية لكن الواضح أن مجموعة جنرالات تحالف أزرق أبيض غير قادرين على التغيير ولديهم مشاكل متعلقة بالعملية السياسية وبرنامجهم السياسي وبالتالي سنستمر بهذه الصورة، فنتنياهو قوي بصورة كبيرة ويعيد تشكيل الحياة السياسية وليس هناك سياسيين آخرين منافسين له في هذا التوقيت على الأقل".
وعلق "فهمي" على دور عرب 48، قائلا: "أريد أن أعول على دورهم، فهذا معدلهم ودورهم المعارضة في الكنيست بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يحصلوا على 15 مقعدًا فقط في الانتخابات القادمة، لكن وجودهم في حد ذاته يفيد العرب ويفيد القضية الفلسطينية، لكن لن يسمح لهم بتشكيل حكومة أو يكون لهم دور في الحكومة".
فيما يخص الدور الأمريكي، فقال أستاذ العلوم السياسية: "الدور الأمريكي مستمر والدليل الاتصالات مع ديفيد فريدمان سفيرهم في تل أبيب ونتنياهو، فهم قريبين من الأحداث، فالإدارة الأمريكية لن تتخلى عن نتنياهو في هذا التوقيت".
وعند سؤاله عما إذا كان هناك إمكانية أن يتولى نتنياهو ولاية جديدة في الانتخابات القادم، فقال "فهمي": "لا يمكن أن نتوقع لأن الانتخابات سوف تجرى في مارس ونحن لازلنا في ديسمبر فالأحداث في إسرائيل متقلبة ومن الممكن أن يفرض سياسة الأمر الواقع إذا أراد ولكنه لا يزال الأقوى وإذا جرت الانتخابات اليوم سيفوز بها".