التنمية المستدامة مفهوم تسعى إليه القارة الأفريقية منذ سبعينيات القرن الماضى خاصة بعد التحرر من الاستعمار الغربى، حيث توفر نهاية عام 2016 فرصة لتقييم الأداء الاقتصادى فى أفريقيا وآفاق المستقبل، رغم أنها كانت سنة مضطربة بالنسبة لبعض الدول الأفريقية بسبب أزمة السلع والتباطؤ الاقتصادى العالمى، ومع ذلك لا تزال هناك جيوب للنمو الجيد الذى أظهر الإمكانات الهائلة للقارة الأفريقية، ويبدو أن عام 2017 التالى للأزمة، هو العام الذى سعت فيه البلدان الأشد تضررًا من الأزمة إلى التعافى من الانتكاسات الاقتصادية فى عامى 2018 و2019، فمنذ بداية الألفية الجديدة، كان متوسط النمو الاقتصادى فى جميع أنحاء أفريقيا أقوى من معدل النمو العالمى، حيث بلغ معدل النمو فى جميع أنحاء القارة 5 ٪، أدى هذا إلى تغذية قصة "نهوض أفريقيا" أو ما نعرفها الآن باسم "تنمية أفريقيا المستدامة" التى تخللت الخطاب العام فى 2019، لتظهر إلى النور من خلال المؤتمر الأفريقى الذى نظمته مصر برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، من أجل الوصول إلى استراتيجية شاملة من أجل التنمية المستدامة، حيث كان من بين العوامل الدافعة للنمو دورة الموارد الأساسية الفائقة التى شغلت اقتصادات البلدان الغنية بالثروات، حيث سعت القارة السمراء إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية لتمهد الطريق لنمو الاستثمارات الأجنبية، والتوسع الحضرى ووجود طبقة وسطى مزدهرة فى الاستهلاك، وهذا ما خرج به المؤتمر الأفريقى الأخير بالعاصمة الإدارية، لضرورة تفعيل سبل التنمية بين بلدان وشعوب الدول الأفريقية، ولكن هناك عددا من القيود والعقبات التى تقف أمام التنمية، قد تكون سياسية واجتماعية واقتصادية، وهناك قيود ترجع للأصول الاستعمارية، خاصة بالقارة الأفريقية التى كانت تعانى من الاستعمار كثيرًا، وبعد التحرر سعت الدول أيضا للسيطرة على الموارد الطبيعية للقارة، من خلال عدة اتفاقيات ظالمة بعض الشىء للدول الأفريقية، لذلك تعمل أفريقيا الآن لتذليل المعوقات من أجل تنمية مستدامة.
وفى هذا الصدد قال محمد عز الدين الباحث فى الشئون الأفريقية، إن سبل التنمية كثيرة الأول يجب معرفة التنمية المستدامة بأنها استغلال الموارد المتاحة مع الإبقاء عليها للأجيال القادمة، هذا هو التعريف البسيط للتنمية، فيجب أن نستخدمها مع الحفاظ عليها من أجل الاستمرار للأجيال القادمة، واستمرار موارد الدولة وعدم الاعتماد على موارد الدول الأخرى أو الاستيراد، ونأتى لسبل التنمية، أولا يجب تقنين موارد أفريقيا لغير الأفارقة، وهذا من أهم المطلبات لكى تحافظ الدول الأفريقية على مواردها من أجل التنمية المستدامة، ثانيا تضخيم العائد من هذه الموارد من خلال تصنيعها أو إنتاجها داخل القارة الأفريقية، ثالثا تدريب الكفاءات الأفريقية لهدف التصنيع والإنتاج دون اللجوء إلى الدول الخارجية، حيث أن الذى يحافظ على مواردنا نحن فقط، رابعًا يجب عمل اتفاقية تعاونية بين الدول الأفريقية لتعظيم الفائدة بين الأشقاء الأفارقة، فمن له خبرات فى مجالات التصنيع ويمتلك الأفكار يمده للدول التى لا تملك إمكانات، بالتالى لعمل تنمية مستدامة وتنشيط إجندة عمل 20-63 وتنفيذها، ولا بد أن يكون التعاون أكبر مما عليه الدول حاليا، سادسا التكتلات الاقتصادية تعمل على الوصول إلى أهدافها التى تجمعت على أساسها، نحن فى أفريقيا لدينا 6 تكتلات من أصل 8 أقوياء جدا فبالتالى يجب أن يكون هناك ثمار عمل حقيقى، كما يجب خلق مناطق تجارية حرة للاستفادة من هذه الإمكانات والإبقاء على مواردنا داخل أفريقيا وعمل تجارة بينية بين دول القارة.
أما عن دور التكنولويجا وعملية الرقمنة، أكد عزالدين أن التكنولوجيا مراد لكافة الدول للتقدم والاستقرار وللوصول لإنتاج حقيقى دون إهدار الكثير من الموارد والإمكانات والثروات الموجودة وتقليل التكلفة، حيث أن التكنولوجيا عصب الحياة مثل الحياة الطبيعية التى توجد فى أفريقيا، فبالتالى الإنسان الجاهل حاليا ليس فى القراءة أو الكتابة فقط، ولكن الجهل فى التكنولوجيا، لذلك يجب تطوير الشعوب الأفريقية لاستخدام التكنولوجيا، وتطوير الدول الأفريقية لاستخدام التكنولوجيا وتحويل الحكومات لكى تكون ذكية وتعتمد على الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات والإنترنت، مثل مصر الآن تمضى قدما فى تجربتها فى رقمنة الحكومة من خلال عدة بوابات تكنولوجيا للوزارات والهيئات الحكومية التى تعتمد على الإنترنت، وهذا يقلل تدخل العامل البشرى وبالتالى يقلل الفساد وبالتالى ينهض بالتنمية المستدامة. وعن البنية التحتية، أوضح أنها عنصر أساسى فى التنمية، فلولا البنية التحتية لا ينجذب الاستثمار الأجنبى للدول الأفريقية ولا حتى الشركات الكبيرة، ويقتصر الاستثمار على الشركات المحلية، كما أن الزراعات تكون استهلاكية، وليس سلعية، لذلك البنية التحتية أساس التنمية ولولاها تكون الدول متخلفة، ورجعية، على سبيل المثال إذا كانت الطرق والكبارى جيدة لتوصيل المواد الخام للمصانع يكون هذا مقللا جدا للوقت والتكلفة، كما هذا يقلل الاستهلاك، وهذا يجذب الاستثمار المحلى والأجنبى ويفتح التنافس بينهما.
ويرى الباحث فى الشأن الأفريقى أن استغلال الغابات والموارد الطبيعية من الأشجار والمياه والصحراء مهم جدا لكن للإبقاء أو إضافة من الطبيعة وليس الاستهلاك فقط، فعندما يتم قطع شجرة على سبيل المثال يجب زرع مقابلها أخرى حتى لا نتعرض فى المستقبل إلى فقر الموارد الطبيعية فى الغابات والمياه، وهذا ما يحدث فى إثيوبيا من خلال عمل مشروع تزويد الغابات وزراعة ملايين الأشجار، خاصة أن القارة تواجه زيادة فى التصحر، وهذا خطر شديد لذلك يجب الاهتمام بالبقعة الخضراء فى القارة، كما يمكن استغلال الطبيعة الأفريقية، أولا الغابات فى السياحة حيث تحتوى الغابات على حيوانات وحدائق مفتوحة، واستغلالها فى الدراسات للنهوض بالموارد المائية والزراعية للدول الأفريقية، كما يمكن استغلال الصحراء الكبرى فى السياحة أيضا من خلال السياحة العلاجية والاستكشافية للحفريات، ويمكن استغلال الصحراء أيضا لتوليد الطاقة الشمسية، حيث نملك أكبر صحراء فى العالم، فى شمال القارة.
وبالنسبة للمعادن والثروة المعدنية التى تتميز بها القارة، استطرد تابع عزالدين أن الثروات المعدنية، تعد من أهم مقدرات أفريقيا التى يجب استغلالها فى عملية التنمية، فهى قيمة مضافة يجب الحفاظ عليها، ويجب أن يكون هناك تطوير لعملية استغلال المعادن من خلال التصنيع وعدم تصديرها خام، وهذا يزيد من قيمة المواد الخام، كما يفتح الباب أمام الكثير من الشركات إلى إنشاء المصانع على الأراضى الأفريقية من أجل الحصول على هذه المواد الخام وتصنيعها، وهذا بدوره يفتح الاستثمار فى الدول الأفريقية، وهذا ما ذكرته سابقا لا بد من التصنيع داخليا، كما أشار إلى ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسى فى المؤتمر الأفريقى 2019 الأخير بالعاصمة الإدارية، حيث قال إن الدول الأوروبية تستغل أفريقيا والمقدرات الأفريقية وتستحوذ على الخامات وتنتجها فى دولها وترجع تصدره لنا بسعر أغلى، فيجب أن نصنعها فى أفريقيا لكى يكون هناك قيمة مضافة لثرواتنا ويفتح فرص العمل للشباب الأفريقى.
وأضاف أن التراث والثقافة الأفريقية هما أسلوب الحياة والبروتوكول الاجتماعى بين الدول وبعضها، والثقافة هى ممارسة حياتية يومية، وإذا نظرنا للثقافة الأفريقية نراها قوية جدا بدرجة تجعلنا من الواجب استثمارها واستغلالها فى عملية التنمية، فهى من أهم الاستثمارات بجانب الصناعة والزراعة، فيمكن أن نبنى سياحة على ثقافة الدول الأفريقية وتراثها، حيث تعتبر رمزا للدولة، والتراث الموجود فى الدول الأفريقية وشعوبها هى الجاذبة للسياحة، لذلك يجب وضع رؤية تنموية من خلال الثقافة بالبحث عن العامل المشترك بين الدول الأفريقية ثقافيا واجتماعيا وتنميتها ليكون هناك سبب لتنمية العلاقات بين دول القارة السمراء من خلال استخدام الثقافة وتوطيد العلاقات بين الشعوب الأفريقية وبعضها البعض.