صدرت رواية "هاربة من عش السلفية"، للكاتبة والروائية نادية حسن، والتي تروي من خلالها كواليس الفكر السلفي وما يحدث بمعاهد الدعوة المتخصصة وذلك من خلال أحداث وشخصيات حقيقية ومستمدة من الواقع، خاصة أنها كانت إحدى الدارسين بأحد هذه المعاهد.
قالت الكاتبة: "القصة توضح كيف يتحول الإنسان من الفكر العادي إلى الفكر السلفي بمنتهى البساطة والسلاسة، حيث إن السلفيين لا يأمنون لأي أحد، ولذلك ليس من السهولة الدخول فى وسطهم، ولن يستطيع أحد أن يكون منهم إلا بانتهاج فكرهم والمرور بالعديد من الاختبارات، ولكن كل ما يستدعي التخوف هو الجزء السياسي فى الفكر السلفي فهو مرعب".
تجربة معاهد الدعوه السلفية
وأوضحت نادية: "مررت بتجربة الدراسة فى أحد معاهد الدعوة السلفية، ومع ظهور التيار الإسلامي أو التيار السياسي الذي اتخذ شكل الإسلام، استطاع أن يعيدني بالذاكرة لما كنت أدرسه ولم أعِ مفهومه جيداً، فأردت أن يدرك الناس ويعون ويفهمون الصورة بشكل صحيح، ولذلك قررت اصطحابهم فى يدي فى دورة إلى هذه المعاهد المنتشرة بكثرة فى ربوع مصر".
أضافت، تستهدف روايتي التي استغرقت حوالي أربع سنوات، على الرغم من أنها 130 صفحة فقط، أبعادًا أخرى بجانب توثيق الأحداث مثل إظهار بعض الجوانب فى السلفيين، ونتائج استخدامهم للعنف، وهى أيضاً تتناول سيراً ذاتية لشخصيات أخرى، ومن أهم القصص التى استوقفتني "السمع والطاعة" و"الخوف من عقاب الله".
عقيدة الولاء والبراء في السلفية
وأشارت، إلى أن السلفية تستند فى تغيير أفكار الفتيات على عقيدة الولاء والبراء، وهى آخر آية فى سورة "المجادلة"، وهى أيضاً من أفكار البنا وسيد قطب، حيث أن الولاء بالنسبة لهم لكل ما يتبعهم، والبراء والتبرء من كل ما يخالف عقائدهم، ولكن الفكر السلفي كفكر لن يستطيع أى أحد أن يتكلم عليه بشىء؛ لأنه فكر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وفكر الصحابة أيضاً، لكن الخوف من الأهداف السياسية التى تأتى من ورائه، لكن إذا أخذه الفرد كفكر تعبدي فهو رائع، وكلمة سلفي قد تطلق على مسيحي وعلى تعبدى وعلى مسلم وعلى يهودي، وهو فكر يراه الناس متشددا، وأنا ضد كلمة بني آدم متشدد وبنى آدم متسيب؛ لأن الدين يظل هو الدين، ولكن هم لديهم قواعد خاصة بهم وقوانين بحيث يكونون فى دوائر مغلقة خاصة بهم وحدهم مثل التنظيمات الخاصة التي لا يستطيع أحد اختراقها أو دخولها إلا إذا كان فردا منهم، وأنا لا أريد أن أقول الفكر السلفى؛ لأن كلمة السلف ذكرت فى القرآن الكريم، ولكنى أقول الفكر السياسى الخاص بأي مجموعة سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو يهودية أو إلحاد على اختلاف المسميات، فأي جماعة يكون لها فكر سياسي خاص بها، والفكر السياسي عند صباغته بصبغة دينية يصبح عقيدة للنفس؛ لأن كل فرد منا متحيز لدينه فعند القول بأى شىء تحت شعار أو ستار الدين يكون لها بريق أكثر وتجذب الأطراف الأخرى على الدخول فيها، ولكن الفكر الذى لاحظته أنهم يخاطبون الآخر أو يريدون أن يصبح مثلهم، والآخر ليس بالضرورة أن يكون دينًا غير دينهم، ولكن الآخر بالنسبة لهم هو كل من يتبع ما لا يروق، فالآخر لديهم ليس هو صاحب دين أو مذهب آخر ولكن هو كل من لا ينتمى لهم.
نظرة المجتمع للسلفيين
وأكدت نادية حسن أن كل شخص سيشاهد الرواية من منظوره الخاص، فالبعض سيراه كتابًا للمعلومات الدينية المبسطة، والبعض يعتبر هروباً إلى السلفية، والبعض الآخر شاهده على أنه يدق ناقوس الخطر على إنذارات كثيرة جداً فى نظرتهم للمجتمع وللزواج ولمسألة تعدد الزوجات، وأيضا نظرتهم للمسيحيين وحجم تواجدهم فى المجتمع، والبعض يراه أنه إنذار على نظرية الثقل لديهم، والتى تتمثل فى الكذب على الآخر الذي لا ينتمى إليهم، ولذلك الكتاب يعد رسالة واضحة لما تريد أن تشاهده، فعند مشاهدته بنظرة دينية سيجده الفرد كتاباً دينياً رائعاً ويحمل كمًا هائلًا من المعلومات الدينية المبسطة، لدرجة أن الشخص سيشعر بحبه لهذا المعهد ولهذه الدراسة، ولكن إذا شاهده الفرد بمنظور أنه إنذار فسيكون إنذاراً، ولكن فى الحقيقة هو إنذار أننا فى غفلة شديدة مع غياب رجال الدين المتفهمين للوضع، وبالمناسبة أنا ضد كلمة "دين وسط" لأنه لا يوجد دين وسطى، الدين إما حلال أو حرام، أما الوسط فلا معنى له فعلى سبيل المثال لا يصح القول إن ذلك حلال ونصف أو حرام ونصف.
غياب الوعي الديني
أكدت أننا أصبحنا نعيش فى مرحلة غياب الوعي الديني، حيث يوجد الكثير من الإعلاميين يتبادلون الشتائم فى الأزهر الشريف، فكيف نستقى الدين من هؤلاء، وكل دين وله علماؤه، ولكن عندما يحدث الكثير من التشكيك فى العلماء والصحابة والبخاري والأئمة الأربعة، فماذا يتبقى لنا؟، فهل استقى العلم من جهلة، فمثلا عند الحاجة لمعلومة طبية نذهب للطبيب المختص، ولذلك لا يصح القول إننى قرأت عن تلك المعلومة فى كتب وأصلح بذلك لأصبح طبيبة، فلماذا نجد الكثير فى الكتب يظهر ينتقد ويشتم على الشاشات، فلماذا اختزل الدين الإسلامى فى حجاب المرأة أو خلعه، وفى النهاية تركوا الدين الإسلامي لكل من يريد أن يشتم فيه وبدأ المسلمون أنفسهم بالشتم فيه، ولذلك توجد العديد من الأشياء فى مصر غير مستحبة بالنسبة لي فعلى سبيل المثال فعند المجاهرة بذلك الكلام، فتلك تعد فرصة للآخر بالسب فيه، والغريب فى الأمر أن كل هذا الانتقاد يتم تحت شعار الحرية أو الليبرالية ولكن الحقيقة أن ذلك يعد فرصة لجرأة الآخر علينا.
الجانب الإيجابي للسلفيين
أشارت الكاتبة والروائية إلى أنه عندما وجدت بعض الأفراد بدأت تعتلى الأماكن والناس بدأت فى تصديقهم والانبهار بهم، قررت أنه آن الأوان لكشف جانب منهم يمكن أن يساعد الناس على إعادة تفكيرهم، كما أن تصرفات السلفيين فى السياسة وتصريحاتهم هى التي شوهت صورتهم أكثر، ويجب توضيح أن الفكر السلفي هو مجتمع بداخل مجتمع، فهو مجتمع قوي ومرتب ومنظم بكل قيمه وجامعاته وأكثر انسياقاً للجماعة، ويستطيع بتليفون واحد فقط تحريك مجموعات عديدة، ولا يوجد حزب فى مصر أو الوطن العربى لديه القدرة على ذلك غير تلك الجماعات، وأكبر دليل على ذلك ما حدث فى ميدان التحرير ورابعة العدوية، فلا يستطيع فعل ذلك غير هذا التنظيم، ولا يوجد لدى أحد القدرة على الحشد والمرابطة غيرهم، ويجب التنويه بأن المثقفين منهم على درجة عالية من استخدام التكنولوجيا، ولذلك لا يجب الاستهانة بهم، فهم أصحاب فكر وهدف وطريق سواء شئنا أم أبينا، وليس معنى ذلك تأييدي لهم، ولكنني أظهر الجانب الإيجابي والسلبي لهم.
الفرق بين الفكر التكفيري والسلفي
وشددت نادية حسن على ضرورة التفرقة جيداً بين الجماعات التى تستند على الفكر التكفيري والتى تنتهج الفكر السلفي، حيث إن الفكر التكفيري أمر صعب للغاية أن الشخص يكفر إنساناً، ولكن الفكر السلفي لا يكفر أبدا؛ لأن الكفر له معنيان وهو الكفر بالشىء و تغطية الحق بالباطل، ويوجد كفر آخر يخرج الفرد من الملة، لكن لا يوجد فكر سلفي يطبق أحكام الكفر، وعلى سبيل المثال توجد جماعات تكفيرية ولكن ليس الفكر السلفي مطلقاً، وذلك حسب ما تتلمذت على أيديهم حيث إنهم يقولون من فعل هذا وذلك فهو كافر ولكن لن يقولوا فلان كافرًا، ولكن يوجد بعض الأشخاص الأكثر تشددًا الذين يضعون راية الإسلام وهم أبعد منها مثل الدواعش الذين يكفرون أشخاصاً بعينهم ويقيمون عليهم حد التكفير.
المداخل التي استخدمها السلفيون
وأرجعت نجاح السلفية فى اختراق الداخل بالفكر إلى قلة الوعى الدينى الكامل، فعلى سبيل المثال عدم وجود أى معلومات دينية لدى الإنسان يتيح الفرصة للآخر لاختراقه، وبالأخص باستخدام المداخل الإقناعية والدينية، وعندما يجد الفرد أدعية تنسب للنبى عليه أفضل الصلاة والسلام، وبمجرد البحث عنها يجد الفرد بأنها ليست للرسول الكريم أو على صفحات التواصل الاجتماعى تجد من يقول لك شير ذلك أو أرسله لعدد معين، فهل النبى كان مهتماً بتلك التفاهات، كما أصبحنا نجد من يتحدث باسمه كثيراً، ولذلك يجب التأكد من الأحاديث التى تأتى إلينا، فالخطأ الأساسى يتمثل فى الفرد نفسه، ودائما أخاطب نفسي قائلة هل الله عز وجل سيسألنا عن الآية التى تم حفظها هل هى صحيحة وهل تمت قراءتها بشكل صحيح، وفى المقابل نجد أنفسنا نتذمر كثيراً عندما ينطق أحد اسم ماركة بالخطأ أمامنا، ولكن لا يوجد أحد يفكر أنه يقرأ القرآن بشكل خاطئ، فنعيش حاليا فى حالة غياب واستسهال وسخرية من الدين، والحجاب على الرغم من وجوده فى أمريكا متمثلا فى قبائل "الأميش" فتوجد محجبات أكثر من المسلمين لدينا ويعيشون فى أمريكا والبنت ترتدى الحجاب وهى فى الرابعة من عمرها، وأمريكا تكن لهم كل الاحترام والتقدير.
تشدد الفكر السلفي
معتقدة، بأن الفكر السلفي لم ولن يتطور حيث أن التطور يأتى من خلال لغة الحوار والمناقشة مع الآخر، لكن الفكر السلفى ما الذى سيتطور فيه، الفكر السلفى بمفهوم الناس هو الشخص الذى يقول هذا حلالا وذلك حراماً، ولكن الحقيقة غير ذلك فالحلال بين والحرام بين، ولكن المسألة تكمن فى التشدد فى تطبيق الفكر السلفي حيث إنه لا يسمح بوجود مرونة للناس لتأخذ وقتها، والقصص المنتشرة بتوبة بعض الأفراد من الجماعة لا أساس لها من الصحة؛ لأنه لا يوجد أى منهم يتغير فكره حتى لو كان "شيطانهم" فطالما أخذ العهد الخاص بهم يظل منهم إلى أن تقوم الساعة.
علاقة السوشيال بالفكر السلفي
ومن جانبها، ساعدت مواقع التواصل الاجتماعى على حدوث تشويه وتطاول للفكر الإسلامي بشكل عام، وذلك سيجعل المتشدد أكثر تشدداً، فكلما حدث هجوم على تلك الجماعات أو ذلك الفكر ستزداد تشدداً مما يؤدى لخلق أجيال أكثر كرهاً، وذلك حدث مع الناصريين، حيث إن الكثير من الأفراد أصبحوا ناصريين من شدة الهجوم على عبد الناصر وبالفعل أخذوا يقرأون عنه وينضمون لصفوفه، ولذلك أرى وجود هجوم غير طبيعي وغير علمي، وذلك ما ناقشته فى الكتاب عندما كانت الصحفية تهاجم بنتا من المعهد، وقالت لها الفتاة "أنتى بتهاجمينى ليه؟، هو أنتى خايفة تبقى معايا؟، أنتى خايفة من الدين ليه؟، خايفة تكونى متدينة؟"، فالصحفية وجدت أن البنت كلامها منطقى ومعلوماتها الدينية، فوجدت نفسها بدأت تستعمل مفرداتها وأصبحت شغوفة جداً بما تفعله فاضطرت تهاجمها قائلة ما الذى يقلقك منى؟.
تماسك الدولة
واستكملت، تماسك الدولة حالياً لن يؤثر على انتشار الفكر السلفى، وذلك لأن الدولة لا تعنيهم، فهى بالنسبة لهم مكان يحويهم فقط، فالشخص العادي المصري لديه تراب الوطن أغلى من أى شىء، أما الشخص السلفي بالنسبة له مصر أو أمريكا أو فلسطين أو إسرائيل أى مكان هو يحويه فقط، وذلك فرق شاسع بيننا وبينهم، فالانتماء لديهم يكون بالفكر وليس بالجنسية.
أبطال الرواية
وأكدت أن جميع أبطال الرواية شخصيات حقيقية ومتواجدون على وجه الأرض، ولا توجد شخصية واحدة مستمدة من الخيال، وجميعهم قرأوا الرواية وتبسموا، رغم أننى كنت سبق واتخذت عهداً على نفسى فى الماضي ومنذ بداية عملي فى الصحافة أننى من المستحيل أن أكتب عن أي شخص من معارفي، ولكننى اضطررت لذلك لأننى ليس لدى أهداف مشابهة، فهو حدث ولم أره فى مكان آخر.