نشهد فى الفترة الحالية، ارتفاعاً ملحوظا في درجات الحرارة، الأمر الذي قد يفوق قدرة التحمل للكائنات الحية على وجه الأرض من إنسان وحيوان وصولاً إلى النبات، الذي تعتمد عليه السلالات الأعلى من إنسان وحيوان.
وفى ظل ذلك الارتفاع في درجات الحرارة، وتحذيرات الأرصاد منها، فإنه من المحتمل أن تكون هناك خطورة قد تؤدى إلى تضرر العديد من المحاصيل من أرز وذرة وقطن وخضراوات وفاكهة، الأمر الذي يستلزم معرفة تلك التأثيرات وكيفية مواجهتها، وضرورة استنباط سلالات جديدة لتتحمل بالتبعية درجات الحرارة المرتفعة.
"فاروق": الزراعة المحمية واستنباط أصناف جديدة.. الحل الأمثل
أكد الدكتور محمد فاروق، أستاذ الخضر بمركز البحوث الزراعية، على أن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر على النباتات عموماً، وخصوصاً نباتات الخضر منها، مشيراً إلى أن لكل نبات درجة الحرارة اللازمة لنموه، ويتوفر حد درجات الحرارة، وفقاً لنوع النبات والمنطقة التى سُيزرع فيها، فالحد الذى يلتزم درجة الحرارة اللازمة في المنطقة الاستوائية أعلى من الحد الأعلى في المناطق المعتدلة والباردة.
وتابع أنه من الملاحظ أن المحاصيل الصيفية تتحمل درجات حرارة إلى حد ما عن المحاصيل الشتوية، وتختلف قدرة المحاصيل فى تحملها لدرجة الحرارة أثناء النمو الخاص بها، فنجد أن المحاصيل التى تزرع فى الصيف تكون أقل تحملاً لدرجات الحرارة المرتفعة في بداية مراحل النمو، فعلى سبيل المثال، في النباتات الصيفية إذا ارتفعت درجة الحرارة في الثلاثة أسابيع الأولى عن الحد الأعلى المسموح به، فنلاحظ تأثيراً في نمو النبات؛ لأن ارتفاع درجات الحرارة يؤدى إلى حدوث أضرار مختلفة ويؤثر فى المحصول ويزيد تأثير درجة الحرارة إذا ارتفعت ووصلت درجة الحرارة المميتة للنبات من 50 إلى 60 درجة مئوية.
وأشار إلى أنه إذا زادت شدة الحرارة عن الحد الأعلى، فعلى سبيل المثال هناك محصول ارتفع الحد الأعلى لدرجة الحرارة الخاصة به عن 35 درجة مئوية وقت التزهير، فإنه سيقل عدد الأزهار في جميع المحاصيل بسبب ارتفاع درجة الحرارة عن الحد الأعلى؛ لأن هذا يؤدىإلى ضعف حبوب اللقاح داخل الأزهار وبالتالى يقلل نسبة العقد، كما أنه إذا ارتفعت درجة الحرارة عن الحد المناسب لكل محصول، يقلل من نسبة الإنبات، فإذا تم زراعة بذرة فى درجات حرارة كما كانت فى الأيام السابقة، فنسبة الإنبات الخاصة بالبذور ستقل بنسبة قد تصل إلى أكثر من 30%، حيث يزيد معدل التنفس وبالتالى الكربوهيدرات اللازمة لتكوين الأوراق والثمار تكون قليلة، وبالتالى لا يحدث تكوين ثمار وأوراق كبيرة، غير أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدىإلى فشل البراعم الزهرية النمو ويتوقف العقد وتتساقط الأزهار.
وأردف أن ارتفاع درجة الحرارة عن 40 درجة مئوية يؤدى إلى موت المحصول كالبامية أو الفلفل أو الباذنجان أو الطماطم، كل محصول له درجة حرارة مثلى ينمو فيها، إذا تجاوزت درجة الحرارة المثلى للنمو تتأثر نسبة العقد فى المحصول، كما أنها تقلل من كفاءة حبوب اللقاح، كما أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدىإلى حدوث خلل هرمونى داخل النبات، وتتخلل خلايا المتاع لتخرج إلى الخارج، وكل هذه العوامل تساعد على سقوط مبيض الزهرة، ومع سقوط المبيض، فبالتالى لا يمكن خروج الثمار.
وعن طرق التغلب على درجة الحرارة العالية، أشار فاروق إلى زراعة بعض النباتات التى تحمل نسبة تظليل كالذرة أو السمسم، بأن يتم الاستفادة من التظليل على نباتات الخضار التى تتأثر بدرجات الحرارة العالية، أو يتم عمل برامج تربية، وهذه البرامج تتم من خلال انتقاء بعض الأصناف التى تتحمل درجة الحرارة العالية، ويتم تهجينها مع النباتات المحلية التى لا تتحمل درجات الحرارة، بحيث يتم إنتاج هُجن لها قدرة على تحمل درجات الحرارة العالية، كجلب بعض الأصناف من المناطق الاستوائية، أو استيرادها من الخارج، أو الاستعانة ببذور نباتات تتحمل درجة الحرارة العالية كالموجودة فى الطماطم أو الباذنجان أو الفلفل، ويتم عمل تربية بحيث يتم إنتاج هُجن تتحمل درجة الحرارة العالية، وهذا ما يعمل عليه مركز البحوث الزراعية فى قسم تربية محاصيل الخضر، وهناك بالفعل بعض الأصناف فى المركز التى تتحمل درجة الحرارة العالية.
وأشار إلى أنه بالنسبة لأصناف ليست هُجنا لتتحمل درجات الحرارة، أو غير ناتجة من برامج تربية، فنسبة فقد المحصول قد تتعدى 50%، وقد تؤدىإلى حرق بعض المحاصيل كالطماطم التى يمكن أن يحترق محصولها بالكامل، فارتفاع درجة الحرارة يؤدىإلى استهلاك التنفس ويزيد استهلاك الكربوهيدرات الموجودة داخل النبات، فيقل النمو الخضرى للنبات، فلا تذهب إليه الكربوهيدرات الخاصة به، حتى أن الثمار نفسها تتأثر بلسعة الشمس، مما يصيبها ويؤدىإلى التعفن فى الثمرة، مما يفقدها كمية كبيرة، ولأجل حماية الثمرة يجب وجود نمو خضرى كبير يحمى الثمرة من أشعة الشمس الضارة، فبالتالى يؤثر على المحصول.
وأضاف أن المستهلك عندما يشترى ينتقى الثمار ذات الجودة العالية ويترك المعيوبة، فبالتالى يقلل من سعر المحاصيل، حيث يبيع التاجر نسبة 50% محصول جيد الذى تجاوز لسعة الشمس، والذى تعرض لضربات الشمس فبالتالى يقلل الكمية الخاصة به ليبيعه بثمن بخس ويخسر المزارع.
"أبو صدام": الصوب والري والمبيدات العاكسة للشمس.. طرق للحماية
فيما تحدث الحج حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، أن ارتفاع درجة الحرارة له تأثير سلبى على المحاصيل وخاصة الخضراوات، ولكن هناك بعض المحاصيل التى تستفيد من درجة الحرارة العالية كالزيتون والفلفل.
وتابع أن الارتفاع غير المرغوب فيه بدرجات الحرارة، يكون له تأثير سلبى كبير على المحاصيل، فالمعروف أن المحاصيل الصيفية لا تتحمل ارتفاع درجة الحرارة، لكن الارتفاع فوق الحد يكون له تأثير سلبى على كمية الإنتاج، وخاصة الخضراوات المكشوفة التى تزرع فى الأرض المكسوفة كالطماطم والبطاطس والفلفل، وتؤثر أيضاً على الفواكه كالمانجو والخوخ.
وأشار إلى أن هناك العديد من الطرق المساعدة فى التغلب على درجات الحرارة، أولها عن طريق الزراعة المحمية سواء بالصوب أو رى المحاصيل بعد العصر، أو بعض المبيدات العاكسة لأشعة الشمس فى الفواكه والخضراوات.
وأكد ضرورة زراعة أصناف مقاومة لانتشار الآفات والفيروسات التى تنشط فى النباتات خاصة فى هذا الوقت من كل عام، كفيروس تجعد الأوراق فى الطماطم يحتاج إلى أصناف معينة تتحمل درجات الحرارة العالية ولا تصاب بالأمراض، ومن المفترض على وزارة الزراعة أن تصدر النشرة المناخية، خاصة أن زراعتنا معروفة، فكل الفلاحين تعودوا على أوقات معينة من السنة بتبكير الزراعة أو تأخيرها؛ لأن التبكير أو الـتأخير سيكون مفيداً عن ارتفاع درجات الحرارة فى الحفاظ على المحصول وعدم تقليل الإنتاجية.
ولفت إلى أن المجهودات التى تنشر على بيانات وزارة الزراعة غير كافية بالمرة، نظراً لغياب الإرشاد الزراعى، مطالباً بأن يكون هناك نوافذ للإرشاد الزراعى غير الدورات، فبالطبع ليس فى مقدور كل فلاح أن يفتح الإنترنت لقراءة بيان حتى آخره، فيجب أن يكون هناك برامج فى التليفزيون المصرى ونشرة مناخية باستمرار للتوعية وتعويض غياب المرشدين الزراعيين.
وأضاف أننا نستورد حوالى 98% من تقاوى الخضراوات، ووزارة الزراعة ليس لديها مستورد للتقاوى، وممكن أن يكتب على العلبة مقاومة لفيروس تجعد الأوراق ولكنها تكون غير مضادة، رغم أن الوزارة يجب أن توفر محلياً تلك التقاوى للفلاح، وهذا صعب نظراً لأن إنتاج صنف واحد من التقاوى قد يستغرق 10 سنوات، فقد تأخرنا كثيراً فى إنتاج تقاوى الخضراوات وخاصة التقاوى الهجينة والحديثة التى يقبل عليها الفلاحون.
وحذر أبو صدام من التغيرات المناخية، التى قد تؤدىإلى قلة الكميات فى عروات معينة، مما يؤثر على الأسعار وتحدث الأزمات، مما يتطلب أن تكون متابعة لهذا الأمر، كما حدث من قبل بتعرض الطماطم لفيروس "023"، وأصحاب الأراضى من الفلاحين لم يحصلوا على حقوقهم حتى الآن من الشركات، والوزارة سمحت باستيراده مرة أخرى.
"عيسى": الوزارة تتاجر بالفلاح.. ولا إرشاد زراعي ولا تقاوي مناسبة
قال النائب سيد عيسى، عضو لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، إنه لأجل المحافظة على المحصول وحمايته من درجة الحرارة المرتفعة، يجب المحافظة على الرى كمحصول الأرز الذى يحتاج إلى المياه بصورة مستمرة، وبالنسبة للزراعات الأخرى كالذرة والقطن والخضراوات والفاكهة لا يتم تعطيشها، ويجب أن تروى كل عشرة أيام بدلاً من أن تروى كل 15 يوما.
وأشار إلى أن الزروع لا تتأثر بالحرارة، بينما تتأثر بالرطوبة العالية، فهى تحتاج إلى كل نوع نبات يحتاج إلى رش بطريقة معينة، بحيث أن درجة الرطوبة لا تؤثر على النبات.
ولفت إلى أن الصوبة الزراعية لن تساهم فى حماية النباتات من الحرارة المرتفعة، مؤكداً أن درجة الحرارة داخل الصوبة ستكون أعلى من خارجها؛ نظراً لأن أشعة الشمس تخترق البلاستيك فترفع درجة الحرارة من الداخل، مشيراً إلى أن الحرارة تعتبر عوامل ربانية لا دخل للإنسان فيها، وما يحدث هو مجرد إجراءات لتقليل الخسائر بأكبر قدر ممكن.
وتابع أنه فى فترة ما تعرض صنف "بروك 4" أحد أصناف الأرز فى فترة الثمانينيات، للحرارة المرتفعة، وأدى ذلك إلى تقليل نسبة إنتاجية الفدان من 4 أطنان إلى طن أو طن ونصف فدان بحد أقصى.
وأكد عيسى، أن وزارة الزراعة لا تهتم بالفلاح إطلاقا بل تتاجر به، فهى لا توفر له التقاوى اللازمة أو الإرشاد الزراعى المناسب، فلم يعد هناك موظفون بدرجة كافية وخرج نسبة كبيرة على المعاش، فبدلاً من إن كان الموظف يعمل على تغطية مائة فدان، أصبح يغطى ألف فدان، فلا يمكنه تحديد الوجهة التى سيتحرك لها، غير أن الجمعيات أصبحت تعمل بنسبة ضئيلة جداً.