لازال الفضاء الخارجي المحيط بكوكب الأرض، لغزا يحير العلماء وهدفا لكثير من الدول لعسكرته، حيث تحول هذا المجال الخارجي من هدف لارتياد الإنسان للفضاء إلى ساحة للتنافس واستعراض القوى بين الدول للسيطرة والاتصالات والتجسس وتوجيه الأسلحة نحو الأهداف.
وعلى مدى 50 عاما في الفضاء، أصبح الإنسان تربطه علاقة وثيقة بالفضاء الخارجي على أسس علمية، وأصبح هناك اتحاد دولي للفلك يوحد المجتمعات الفلكية حول العالم ويتولى مسؤولية تسمية النجوم والكواكب والكويكبات والأجسام والظواهر الفضائية الأخرى.
وتأسس الاتحاد الدولي للفلك في 28 يوليو 1919، خلال اجتماع الجمعية التأسيسية للمجلس الدولي للبحوث (المجلس الدولي للعلوم)، والذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل لترويج وحماية علم الفلك عن طريق اجتماع الدول للعمل سويا، حيث تم اختيار العاصمة الفرنسية باريس مقرا له.. ويتشكل أعضاؤه من فلكيين متخصصين قادمين من مختلف دول العالم، يقومون بالأبحاث والتعليم حول ما يتعلق بعلم الفلك، ويتألف الاتحاد من 96 دولة.
هبوط أول إنسان على سطح القمر
وتحققت قبل 50 عاما، قفزة بشرية عملاقة بهبوط أول إنسان على سطح القمر.. ففي 20 يوليو 1969 استطاع الأمريكي نيل أرمسترونج أن يكون أول إنسان يهبط على سطح القمر؛ لتصبح الولايات المتحدة صاحبة أحد أبرز إنجازات البشرية، وحينها قال أرمسترونج كلمته الشهيرة "خطوة صغيرة بالنسبة لرجل.. وقفزة عملاقة للبشرية".. وكانت تلك اللحظة بداية العصر الذهبي لاستكشاف الفضاء، والذي بدأ العمل فيه عام 1961.
وقبل سنوات فقط من إنجاز تلك المهمة التاريخية، تحفزت الدول الكبرى على التفكير في كيفية استثماره، فتحول الفضاء منذ نهاية الخمسينات إلى ساحة تنافس عسكري من خلال استخدام الأقمار الصناعية وتوفير المعلومات للحكومات، الأمر الذي دفع الدول المتنافسة إلى التوقيع على معاهدة الفضاء الخارجي عام 1967 والمعروفة رسميا باسم "معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي"، بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى، وهي تشكل أساس القانون الدولي للفضاء، وبدأت المعاهدة بتوقيع 3 دول هي: (الولايات المتحدة الأمريكية - المملكة المتحدة - الاتحاد السوفيتي)، ودخلت حيز التنفيذ في العام ذاته.
تآكل الغزو السلمي للفضاء
ومع تشعب التكنولوجيات القائمة وحدوث تطورات جديدة تمنح وصولا أفضل إلى الفضاء، تآكل الغزو السلمي للفضاء وتلاشت فاعلية القوانين الحالية المنظمة لشؤونه، وبقيت الاكتشافات العلمية مستمرة في طريقها يزاحمها الرغبة في عسكرة الفضاء، الذي يتابعه المجتمع الدولي بقلق من حيث احتدام المنافسة بين القوى العظمى في هذا المجال.. فالتنافس على الموارد في النظام الشمسي والاعتماد على الشبكات الإلكترونية في العمليات العسكرية والاستخباراتية، سيجعل عسكرة الفضاء أمرا حتميا؛ إذ لا يمثل الفضاء سوى أرضا مرتفعة سيكون فيها الاستغلال العسكري السمة المميزة للقرن الـ21.
وعملية عسكرة الفضاء، هي وضع وتطوير التسليح والتكنولوجيا العسكرية في الفضاء الخارجي، حيث كان للاستكشاف المبكر للفضاء في منتصف القرن الـ20 دافع عسكري جزئي استخدمته الولايات المتحدة والاتحاد السوڤيتي كفرصة لاستعراض تكنولوجيا الصواريخ البالستية والتقنيات الأخرى.. ومنذ ذلك الحين بدأ استخدم الفضاء الخارجي كموقع عمليات لسفن الفضاء العسكرية، مثل سواتل التصوير والاتصالات، ولمرور بعض الصواريخ البالستية عبر الفضاء الخارجي أثناء رحلته.
ويؤكد التاريخ لنا أن الفرص لامتلاك تلك الموارد نادرا ما تسير بسلاسة أو دون نزاع، على الرغم من أن تجربة التعدين في أعماق البحار تخبرنا أن المنافسة السلمية قد تكون أمرا ممكنا.. إلا أنه وبشكل عام فقد أدى التنافس على الأرض إلى صراع دائم ومواجهات عسكرية، لذا فمن المنطقي أن التنافس على الموارد في أي مكان آخر يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الصراع، ويمكن أن يتطلب القدرة على إبراز القوة العسكرية هناك، خاصة مع تمسك جميع الدول بمزاعمها بالفعل ومع تحول القدرة على تحويل ثروات النظام الشمسي إلى حقيقة واقعية، فمن المحتمل نشوب نزاعات مماثلة في بيئة الفضاء.
ومع تحسن التكنولوجيا وتطور الضرورات الاستراتيجية للدول، فقد صارت مسألة الهيمنة على الفضاء تؤخذ بالاعتبار، وقد تم توجيه انتقادات شديدة لمبادرة الدفاع الاستراتيجي المعروفة بـ"حرب النجوم" الهادفة إلى تدمير قدرات الصواريخ العابرة للقارات والرؤوس الحربية في الجو، وهو نظام دفاعي تقني ضد الأسلحة النووية أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في عام 1983.
وأثبتت مبادرة الدفاع الاستراتيجي أن التطور المنطقي للدفاع الصاروخي لابد أن يشمل أيضا المنصات المدارية، وتشمل النظم القائمة على الأرض، وعلى الرغم من أن المبادرة لم تؤت ثمارها، إلا أن الولايات المتحدة حققت التفوق العسكري العالمي خلال السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي.