كانت ثواني فارقة في التاريخ، لحظات كانت مجرد حلم لكنّه كان قادرًا على تحقيقه، مشوار طويل وصعب مليئ بالنار، إلّا أنّه لم يهابه وطل صامدًا يسير لا ينظر خلفه، يحمله بيده وبرفقة صديقه يسعيان للوصول إلى القمة، هنا سيعود الحق المنهوب، هنا الأرض التي لا يمكن التفريض فيها.
وقف رافعا العلم وباليد الأخرى شارة النصر، جندي مصر أعلى القمة بخوذته وملابسه العسكرية رفع شارة النصر بعد رفعه للعلم المصري على الجبهة، الصورة التي تداولناها لسنوات كثيرة كانت فخر واعتزاز لما قام به رجال جيشنا بعد الهزيمة المدوية التي أذاقوها لجيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب 73، البعض كان لديه شغف معرفة أبطال تلك الصورة التي لم تخلوا كتب التاريخ منها فباتت بمثابة رمزًا للنصر والثأر.
اليوم، في الأول من يوليو، كان موعد رحيل أحد أبطال تلك الصورة ، ففي الساعات المبكرة من صباح الإثنين، رحل محمد أفندي العباسي، البطل أول من رفع العلم على الجبهة المصرية في حرب أكتوبر.
رحيل البطل
محمد عبد السلام العباسي، أو كما لقبه الأهل والأصدقاء محمد أفندي العباسي، ابن مدينة القريب أحد مدن محافظة الشرقية، منذ صغر سنه ودائما ما كان يستمع ويشاهد بسالة أبائه وأجداده في محاربة الاحتلال الآثم، الذي قضى لسنوات ينهب من خيرات هذا الوطن، "العباسي" التحق بكتاب القرية وحفظ القرأن الكريم كاملا، ثم حصل على الشهادتين الإبتدائية والإعدادية من مدارس القرين، وبعدها توقف عن الدراسة والتحق بالتجارة والزراعة، والتحق بالتجنيد أثناء حرب أكتوبر.
كانت الحرب بالنسبة له بمثابة أخذ الثأر هو ومن معه من جنود جيشنا العظيم، بعدما حانت ساعة الصفر وتم إعطاء الأوامر بعبور قناة السويس، كان محمد أفندي أولى المتقدمين، نظراته كانت موجهة على مكان واحد وكأنّه لا يبحث عن سواه، لم يهتم بالرصاص والنيران كان هدفها الوحيد أن يصل إلى تلك النقطة، فالدشمة الحصينة بخط بارليف كانت بمثابة الحياة له، الوصول إليها ورفع العلم والموت بعدها فلم يعد هناك شيئ يحتاجه بعد تلك اللحظة، فلم يهتم بالألغام والأسلاك الشائكة، وقام بإطلاق النار على جنود حراسة الدشمة الإسرائيلية، وفى نفس الوقت كانت المدفعية المصرية تطلق قذائفها بطول خط القناة.
"مبروك ياناجي.. مبروك ياعباسي العلم مستنيك ترفعه يابطل".. تلك الجملة التي كانت بداية إشارة النصر بين العباسي أفندى وقائد الكتيبة والتي جاءت بعد تدمير خط بارليف بلحظات، حينها حمل العباسي العلم، فقام بإنزال العلم الإسرائيلى ورفع العلم المصرى خفاقا فوق أول نقطة مصرية تم تحريرها، وشاهد الطيران المصرى وهو عائد بعد أن دك المطارات الإسرائيلية، وشاهد كلمة "الله أكبر" مكتوبة بخط السحب المتصاعدة من المقذوفات.
اليوم، آلم الخبر المصريين جميعًا، بعد رحيل محمد محمد عبد السلام العباسى، وشهرته "محمد أفندى العباسى" عن عمر يناهز 72 سنة.