كان عالمًا جليلًا، رحل وخلّف وراءه أثرًا كبيرًا، علمه ما زال يتردد في الأوساط الدينية، ذكراه محفورة في قلوب وعقول الكثيرين من مريديه ومحبية، اليوم، وفي الثاني عشر من مايو، عام 1910، يوم أن ولد العارف بالله الشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر السابق.
نبذة عن حياة العارف بالله
نشأ الشيخ عبدالحليم محمود، في عزبة أبو أحمد، التابعة لقرية السلام، مركز بلبيس، بمحافظة الشرقية، اتخذ والده كمثل أعلى له، حفظ القرآن الكريم والتحق بالأزهر الشريف، وظل يتنقل بين حلقات شيوخه، حتى افتتح أول معهد ديني بمدينة الزقازيق، عام 1925، ليكون بمثابة بداية الرحلة بالنسبة له، فالتحق الشيخ بالمعهد ، ثم التحق بعدها بمعهد المعلمين المسائي، فجمع بين الدراستين، ونجح في المعهدين، ثم عُيِّن مُدَرِّسًا، ولكنه تقدم لامتحان إتمام الشهادة الثانوية الأزهرية فحصل عليها في عام 1928م في سنة واحدة.درس الشيخ في تلك الفترة التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وفى عام 1932م حصل على العالمية ثم سافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي ودْرس هناك تاريخَ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس وفي عام 1938م التحق بالبعثة الأزهرية في فرنسا، وأستطاع النجاح في المواد المؤهلة لدراسة الدكتوراه.
مناصبه
بعد حصول الشيخ على الدكتوراة وعوده إلى مصر، عين مدرسًا بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر، ثم أستاذًا للفلسفة بكلية أصول الدين، ليتولى بعدها مباشرة منصب عميد الكلية، وبعدها يتم تعيينه عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية، ثم وكيلًا للأزهر الشريف، ثم وزيرًا للأوقاف،وأثناء توليه وزارة الأوقاف قام بالعديد من الإصلاحات الهامة، ونهاية تولى مشيخة الأزهر الشريف والذي استمرّ بها حوالي 5 سنوات، أقام خلالها الكثير من المعاهد الدينية، فشهد الأزهر في عهده تطويرًا لم يشهده من قبل، وأنشأ قاعدة عريضة من المعاهد الدينية، في كل ربوع المحروسة، فهو من جعل للأزهر مكانة في كل مكان.
جعل من التصوف جوهرًا للدينيُعد الشيخ رمزًا وقيمة كبيرة لدي الصوفيين، فيوم ميلاده يُعد بمثابة عيدًا لهم، فهو الرجل الذي عرف بقوته وورعه ترك الكثير من المجلدات دفاعًا عن الوسطية وحفاظا على التصوف من المبتدعة ومدعى الروحانية، فكانت مجلداته خليطا بين الفكر وإعمال العقل، وبين التصديق والاتباع فيما يخص العقيدة التي تصل إلى حد اليقين بمبدأ الاتباع وعدم الابتداع كونها مكتملة لا نقص فيها.
المواقف لا تعرف بالرجال، إنما الرجال هم من يعرفون بالمواقف، هكذا كان شيخ الأزهر السابق وغزالى القرن العشرين الدكتور عبدالحليم محمود، فرغم أن الظروف دائمًا ما كانت تضعه في صدامات، إلّا أن اسمه سُطر في كتب التاريخ كأحد المناضلين، فلقد كان هدفه الوحيد، ومحرك الثورة داخله حبه وغيرته على الكيان الذي نسب إليه - الأزهر - حتى لقب بـ"هبة الأزهر".
أعماله
بلغت مؤلفات الشيخ أكثر من 100 كتاب، معظمها في التصوف ويُعَدُّ من أسبق رواده في العصر الحديث في الكتابات عن الصوفية، فقد تبدى مثالًا للصوفية المُقَيَّدةِ بكتاب الله، البعيدة عن الإفراط والتفريط، حتى لُقِّبَ بـ"غزالي مصر"، و"أبي المتصوفين"، فكانت كتاباته الصوفية لها الحظ الأوفر من مؤلفاته، بالإضافة إلى الكتب الفلسفية، وبعض الكتب باللغة الفرنسية، ومنها: * محمد رسول الله ، قصة ترجمها عن الفرنسية، من تأليف أندريه موروا، عام 1365هـ - 1946م، وكان أول ما نُشر له، بالإضافة إلى كتابه أسرار العبادات في الإسلام وهو من أهم المراجع التي تتناول علم الفلسفة من منظور إسلامي؛ حيث يؤرخ فيه للفكر الفلسفي في الإسلام، ويستعرض التيارات المذهبية المتعددة فيه؛ ليبين أصالة الفلسفة الإسلامية، وسَبْقَها الفلسفة الغربية في كثير من طرق التفكير.
وفاته
توفى الشيخ يوم الثلاثاء الخامس عشر من ذو القعدة، 1397 هـ الموافق 17 أكتوبر 1978، بعد عودته مباشرة من رحلة الحج ، أثناء إجرائه عملية جراحية وصلي عليه بالجامع الأزهر، وأجريت له المراسم الرسمية، ليكون بذلك الشيخ السادس والأربعون للجامع الأزهر على عقيدة أهل السُّنة والجماعة.