بمناسبة احتفال المسلمون في أنحاء العالم بذكرى بداية العام الهجري الجديد، والذي فيه هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، بعد اشتداد الأذى به من قريش، فقررّ الذهاب إلى يثرب لنشر دعوته الإسلامية، بعيدًا عن أذى قريش في مكة، وخرج برفقة صديقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ليكون سندًا وعونًا له في رحلته إلى المدينة المنورة.
رحلة الرسول من مكة إلى المدينة
وأثناء رحلة الرسول من مكة إلى المدينة، ظلت قريش تطارده آملّا في اللحاق به خوفًا من الهرب ونشر دعوته في مكان آخر، وأثناء الطريق سخّر الله سبحانه وتعالى معجزات ما زالت عالقة في أذهان المسلمين جميعًان ارتبطت جميعها بالهجرة النبوية الشريفة، ومن بينها نسج العنكبوت على الغار ووضع الحمامة لبيضها، وهناك أحداث أيضًا تناقلت إلينا مثل لدغ الصديق أبي بكر من حية دفاعًا عن النبي، واستقبال أهل المدينة له بالأغاني وأشهرها «طلع البدر علينا»، وبرغم تعلق تلك الأمور في أذهان المسلمين إلّا أنّ البعض خرج لينكرها ويثبت عدم حقيقتها.
سالم عبد الجليل: قصة حمامة الغار والحية التي لدغت ”أبو بكر” مزايدات على الهجرة
وتعليقًا على هذا الشأن، قال الدكتور سالم عبد الجليل، الداعية الإسلامي، أنّ ما ترددّ على لسان البعض بأنّ هناك عدد من المعلومات التي وردت عن هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ليست حقيقية وغير واقعية وإنّما صدرت من خلال عدد من المؤرخين، ماهي إلّا مجرد تكهنات فالهجرة أوضح ما تكون والحدث كان واضحًا أمام الجميع بلا استثناء، فمعظم أحداثها ذكرت في القرآن الكريم، لكن هناك بعض المؤرخين الذين تناقلوا أحداثًا غير حقيقية وغير مؤكدة".
وتابع وكيل وزارة الأوقاف الأسبق، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أنّ المؤرخين على سبيل المثال أضافوا قصة الحمامة التي كانت أمام الغار وبيضها، والحية التي لدغت أبو بكر الصديق رضي الله عنه، تلك المعلومات التي لم يثبتها القرآن أو السنة، لكنّها كانت مجرد مزايدات من عدد من الوعاظ وغيرها الكثير من ألامور التي نتداولها وقت الاحتفال بذكرى الهجرة الشريفة.
«أزهري»: السلفية الوهابية أنكرت حقيقة معجزات النبي في الهجرة
ومن جانبه، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر بالقاهرة، على ما ترددّ حول عدم صحة عدد من المعجزات التي قيلت في عام الهجرة، ومن بينها معجزة حمامة الغار والحية التي لدغت أبي بكر رضي الله عنه، بأنّ تلك الأقوال لا صحة لها وإنّما صدرت عن جهلاء لا يفقهون شيئّا، موضحّا أنّ معلومة لدغ الحية لأبي بكر رضي الله عنه أثناء وجوده في غار ثور، ذكرت في كتب السيرة المعتمدة، فقيل أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم حينما وصل وصاحبه إلى غار ثور يختبئان به بعد مطاردة المشركين لهم، طلب أبي بكر من الرسول عدم الدخول حتى يطمئن من عدم وجود شيئ بالغار، وحينما دخل الصديق وجد جحور فسد احدهم بقطعة ثيابه والآخر برجله فلدغته حية من الجحر.
وتابع أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، في تصريح خاص لبلدنا اليوم، أنّه وبالنسبة لمسألة نسج العنكبوت خيوطها على فم الغار ووضع الحمامة لبيضها أمامه، فإنّ تلك المعجزات ذكرت في إحدى الكتب التي ذكرها الإمام أحمد في كتبه، وتحديدًا في مرجعه عيون الأثر.
وأضاف أحمد كريمة، الأستاذ بجامعة الأزهر، أنّه ومما تردد حول استقبال الرسول، بالاحتفالات والأغاني في المدينة بالإضافة إلى أخته الشيماء، والتي أنكرها البعض، فإنّ هذا الإنكار غير صحيح، لأنّ استقبال جواري الأنصار للرسول ثابت ثبوتًا متواترًا ومذكور في كتب التاريخ والأدب، وبالنسبة لأخت الرسول فكان اسمها جزامة جاءت مع وفد هوازم واسلمت ولقبها الشيماء ويقال لها حذافه، والمرجع كل كتب السيرة النبوية في باب إقبال الوفود.
وأكّد أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر أنّ من أنكر هذه الحقائق، ماهم إلّا فريقان جهلاء وسفهاء، الفريق الأول السلفية الوهابية أو من يطلق عليهم مدرسة المشاغبين، والفريق الثاني الليبراليون والعلمانيون، ممن يمتلكون خصومة مع الإسلام، فعليهم القراءة أولّا بدلًا من الجهل.
داعية سلفي: قصة العنكبوت واحتفال المدينة «غير مؤكدة» في هجرة النبي
وفي السياق ذاته، قال الداعية السلفي، سالم عبد الحميد، إنّ قصة نسج العنكبوت على الغار في الهجرة ؛ حسنها الحافظان ابن كثير وابن حجر رحمهما الله ، وقد ضعف القصة علماء آخرون ، وأما قصة بيض الحمامتين فلم تثبت.
وتابع الداعية السلفي، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، بأنّه وبالنسبة لاستقبال المسلمون بالمدينة للرسول صلى الله عليه وسلم عند سماعهم بمقدمه ، فقد خرجوا جميعًا بعدما سمعوا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، إلى أن وصل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، موضحًا أنّ القصة المشهورة في إنشاد أهل المدينة «طلع البدر علينا» فغير ثابته ، وضعفها العلامة الألباني.
وأضاف الداعية السلفي، بأنّ هناك قصة أخرى في استقبال النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، فعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجوارٍ (جمع جارية) من بني النجار يضربن بالدف وهن يقلن«نحن جوار من بني النجار.. يا حبذا محمد من جار» ورواه ابن ماجه والحاكم والطبراني ، وصححه الألباني.
وردّ على إدعاء البعض بأنّ السلفيين ينكرون المعجزات، بأنّهم لا ينكرون من أنفسهم، وإنّما أهل العلم من أثبتوا صحة هذا الإنكار، فأنكروا قصة الحمامتين وإنشاد أهل المدينة لأغنية «طلع البدرعلينا».